نشرت صحيفة "
لوموند" الفرنسية تقريرًا حول
التطورات العسكرية والإنسانية في
السودان، سلطت فيه الضوء على الأوضاع الإنسانية المأساوية
في مدينة
الفاشر الواقعة في شمال دارفور، والتي تتعرض لحصار من قوات
الدعم السريع،
سبب معاناة شديدة للمواطنين وبات ينذر بتفجر حلقة جديدة من العنف الإثني في الإقليم،
في ظل غياب أفق الحل السياسي للحرب.
وأوضحت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أن الخناق يضيق على مدينة الفاشر، حيث يقول عمر محمد آدم، الذي يعيش في معسكر
للنازحين في شمال المدينة: "نحن نعيش مثل أسرى ننتظر الإعدام في أي لحظة".
وبعد سيطرتها على أربع من مجمل خمس ولايات
في إقليم دارفور خلال الاثني عشر شهرا الماضية، تواصل قوات الدعم السريع تحت قيادة
الجنرال محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي حشد قواتها حول الفاشر، التي تمثل آخر معقل
في المنطقة للجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان.
وتشير الصحيفة إلى أن السيطرة على هذه المدينة
الاستراتيجية ستمنح قوات حميدتي سيطرة شبه كاملة على مساحة تناهز دولة فرنسا. وفي وقت
تتركز فيه أعمال القتال من جهة شمال غرب المدينة، يؤكد مسؤول معسكر النازحين أبو شوك
في اتصال عبر الهاتف أن المواجهات تقترب، والقذائف تسقط من حين لآخر بشكل عشوائي وتقتل
المدنيين. وقد سقط أكثر من 60 ضحية خلال تبادل إطلاق النار والقصف خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة.
وتشير الصحيفة إلى الكثافة السكانية العالية
في مدينة الفاشر؛ حيث تؤوي منذ 2003 مئات الآلاف من الفارين من جحيم النزاع، الذي تسبب في مقتل أكثر من 300 ألف شخص إبان حكم عمر البشير الذي أطلق حملة تطهير عرقي في هذا الإقليم
المتمرد. ومنذ 15 نيسان/ أبريل الماضي أضيف عشرات الآلاف من المدنيين إلى أكثر من مليون
ساكن موجودين داخل المدينة قبل
الحرب الدائرة حاليا.
وحول الأوضاع المعيشية في المدينة، يقول
عمر محمد آدم، للمجلة: "إن قوات الدعم السريع منذ سيطرتها على محلية مليط في منتصف
نيسان/ أبريل الماضي، قطعت المحاور الرئيسية المؤدية للفاشر وفرضت حصارا على سكانها،
ولم تعد القوافل التجارية تدخل المدينة من شمال السودان ولا من ليبيا أو تشاد. لقد
بتنا معزولين عن العالم".
ويضيف عبد الله حسن، وهو ساكن آخر للمدينة:
"لقد خلت الأسواق من السلع، وانقطع التيار الكهربائي والمياه الصالحة للشرب، كما أننا نعاني من شح الأدوية، والأسعار ارتفعت بشكل حاد. إذا وجدنا الإفطار لا نتعشى، وإذا
وجدنا العشاء لا نفطر. نحن نتعرض للموت البطيء".
ويخشى السكان من أنه في حال إطلاق الدعم
السريع هجومه على المدينة، فستتحول الحرب إلى تطاحن إثني في إقليم لم تندمل بعد جروحه
التي سببتها حرب 2003. ويحذر أيمن، وهو أحد موظفي الإغاثة الإنسانية، من تكرار سيناريو
مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور، التي شهدت حملة تطهير عرقي ضد قبيلة المساليت غير
العربية، شنتها قوات حميدتي والمليشيات العربية المتحالفة معها، تسببت في سقوط 15 ألف
ضحية، في جريمة اعتبرها تقرير خبراء الأمم المتحدة إبادة جماعية محتملة.
هذه القوات غير النظامية التي جاءت من كافة
أنحاء دارفور، جندت الآلاف من المقاتلين في محيط مدينة الفاشر. ومنذ 15 نيسان/ أبريل
الماضي، شرعت قوات الدعم السريع، التي تأسست في 2013 على أنقاض مليشيات الجنجويد التي
زرعت الرعب في دارفور إبان حكم البشير، في حملات تجنيد مكثفة للمقاتلين من صفوف بعض
القبائل العربية، التي ترى في الحرب بين الجنرالين في السودان فرصة لمواصلة استراتيجية
انتزاع الأراضي كما حصل منذ 2003.
الولاء القبلي
ووفق الصحيفة؛ يضيف أيمن أنه "في محيط
مدينة الفاشر هنالك بالفعل العديد من المؤشرات التي تنبئ بالخطر، حيث إن قوات الدعم السريع
والمليشيات التابعة لها استهدفت بشكل انتقائي بعض القرى بناء على الانتماء الإثني،
وخاصة تلك التي تقطنها قبيلة الزغاوة".
في الجهة المقابلة، يركز الجيش السوداني
على العمليات الجوية لإيصال الإمدادات إلى قواته في الفاشر وإلى الكثير من المدنيين الذين
تم تجنيدهم حديثا. ويعول الجيش على دعم الكثير من حركات التمرد سابقا، مثل حركة
العدل والمساواة التي يقودها وزير الاقتصاد جبريل إبراهيم، وجيش تحرير السودان بقيادة
مني مناوي الحاكم السابق لدارفور.
وتشير الصحيفة إلى أن هذه المجموعات المسلحة،
التي تنتمي في معظمها لقبيلة الزغاوة غير العربية والتي تتحرك بين السودان وتشاد، التزمت
في البداية موقف الحياد، ولكن أمام الاعتداءات المتكررة من قبل قوات حميدتي، والتي
كان أخطرها في مدينة الجنينة، فإنها قررت الوقوف في صف الجيش.
واليوم ينبه أيمن، موظف الإغاثة إلى أن
"الفاشر باتت مثل برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة. في حال الهجوم على المدينة
هنالك احتمال كبير أن تمتد دوامة العنف خارج إقليم دارفور وتتجاوز السودان نحو تشاد،
خاصة مع العلاقات القبلية المتشعبة على جانبي الحدود بين البلدين".
واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول إنه في
الأثناء تعمل بعض القيادات المحلية في المنطقة على تجنب السيناريو الكارثي، حيث تم
عقد اتفاقات مهادنة خلال الأشهر الأخيرة بين القيادات التقليدية لبعض القبائل. ولكن
كما هو الحال في التجارب السابقة، فإن هذه المحاولات لحقن الدماء لا تصمد غالبا أمام
خطاب الكراهية ودعاية الحرب في الجانبين.