تتصاعد حدة التوترات في أرخبيل
كاليدونيا الجديدة التابع لفرنسا في ظل محاولة باريس تغيير القانون الانتخابي في المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي، ما أثار احتجاجات تحولت إلى أعمال شغب في مدينة نوميا، بحسب صحيفة
"غازيتا" الروسية.
وذكرت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"، أنه في محاولة لتحقيق الاستقرار في الوضع، أرسلت السلطات الفرنسية قوات، وأعلنت حظر التجول وقيدت الوصول إلى الشبكات الاجتماعية.
تجدر الإشارة إلى أن كاليدونيا الجديدة، وهي أرخبيل يقع في جنوب غرب المحيط الهادئ، خضعت للحكم الفرنسي في منتصف القرن التاسع عشر. وبحلول منتصف القرن العشرين، حصلت المنطقة على وضع إقليم ما وراء البحار، ثم الحكم الذاتي.
وسبق توسيع حقوق السلطات المحلية سلسلة من الاحتجاجات وأعمال الشغب العنيفة في الثمانينيات، والتي نظمها مؤيدو الاستقلال عن
فرنسا؛ معظمهم من ممثلي السكان الأصليين، شعب الكاناك الميلانيزيين. وكانت نتيجة موجة العنف في ذلك الوقت الاتفاق على تقرير مصير كاليدونيا الجديدة بعد 10 سنوات ونقل بعض السلطات إلى السلطات المحلية.
وفي سنة 1998، لم يتم إجراء استفتاء على الاستقلال مطلقا، ولكن تم توسيع حقوق القيادة الإقليمية بشكل أكبر، وتم تأجيل إجراء الاستفتاء الشعبي حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وتم التصويت في سنتي 2018 و2020 و2021، وفي كل مرة عارضت الأغلبية الانفصال عن فرنسا وفكرة السيادة للأرخبيل.
انقسام داخلي
بالإضافة إلى المزيد من الحقوق في الحكم الذاتي والاستفتاءات، تم تطوير النظام الانتخابي للأرخبيل سنة 1998. في الوقت ذاك؛ كان يسمح فقط للذين يعيشون في الجزيرة بالمشاركة في العمليات الانتخابية، بما في ذلك الانتخابات البرلمانية. في الوقت نفسه، تركز الأحزاب الموالية لباريس على الكالدوشيين، وناخبو الانفصاليين المشروطين هم الكاناك الأصليون.
على مدى السنوات الـ 26 التالية، تم تشكيل طرف ثالث في الجزيرة، وهم الزوار من البر الرئيسي لفرنسا، وخاصة للعمل في شركات تعدين النيكل.
ووفقا للصحيفة، فإن حجم هذه المجموعة يقدر بحوالي خمس إجمالي سكان الأرخبيل، حيث يشكل السكان الأصليون حوالي 41 بالمئة والكالدوشيين حوالي 24 بالمائة. وعلى هذه الخلفية، اعتبر الموالون لفرنسا في برلمان كاليدونيا الجديدة أن عدم منح حقوق التصويت للزوار أمر غير ديمقراطي، مطالبين باريس بحل المشكلة قبل الانتخابات الشتوية للهيئة التشريعية للحكم الذاتي.
ردا على ذلك، قرر البرلمان الفرنسي إصلاح النظام، ومنح حقوق التصويت لأولئك الذين عاشوا في الجزيرة لأكثر من 10 سنوات. واعتبر السكان الأصليون هذا الاقتراح بمثابة تهديد لنفوذهم السياسي، ما أثار جولة جديدة من العنف في الجزيرة، والتي لوحظت منذ 13 أيار/ مايو.
وتصاعدت الاحتجاجات تدريجيا إلى مذابح وأعمال شغب في نوميا، أكبر مدن الحكم الذاتي. وصاحبت الاحتجاجات عمليات سطو ونهب وقتل، بما في ذلك قتل ضباط الشرطة. ويقال إن المؤيدين المتطرفين لاستقلال الأرخبيل هم المسؤولون عن موجة العنف. ووفقًا لأحدث البيانات، فإنه ارتفع إجمالي عدد القتلى منذ بداية المذابح إلى ستة أشخاص، وفقا للتقرير.
وأوردت الصحيفة أنه ردا على المذابح، فقد قررت فرنسا إرسال قوات إلى أراضيها وراء البحار. كان هناك بالفعل حوالي ألف جندي في الجزيرة، وقد تضاعفت وحدتهم. وبالتوازي مع ذلك، فقد اجتاحت كاليدونيا الجديدة موجة من الاعتقالات وبدأ حظر التجول، وتم تقييد تشغيل شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تيك توك.
"أثر أذربيجاني"
أفادت الصحيفة بأن رد الفعل الداخلي لباريس تبعه رد فعل خارجي؛ حيث يشتبه الجانب الفرنسي في أن أذربيجان تتدخل في الوضع بعد اتهام وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان باكو بإبرام صفقة مع بعض مؤيدي استقلال كاليدونيا الجديدة.
وأضافت أن ظهور أشخاص يحملون الأعلام الأذربيجانية في الاحتجاجات والمعلومات حول تعزيز التفاعل البرلماني بين الأحزاب فاقم الوضع. لكن باكو رفضت رسميًّا اتهامات فرنسا، واشتكت من سياسة باريس الفاشلة تجاه أراضيها موجهة اللوم إلى ماضيها الاستعماري.
ويرى الخبراء أن القصة الأذربيجانية هي خطوة لتحويل الانتباه. وتستبعد الخبيرة ناتاليا لابينا تأثير باكو بشكل جدي على الوضع، وفقا للتقرير.
من جانبه، يرى بافيل تيموفيف الباحث بقسم الدراسات السياسية الأوروبية في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية أنه لا ينبغي المبالغة في تقدير نفوذ أذربيجان هناك.
ويقول تيموفيف: "تحاول باريس أن تجعل باكو كبش فداء. تنفذ فرنسا هجوما معلوماتيا لتحويل التركيز إلى قوة خارجية مشروطة يفترض أنها تتدخل في الوضع".
معنى خاص
ذكرت الصحيفة الروسية أن مسألة كاليدونيا الجديدة تتعلق بأهمية هذه المنطقة بالنسبة لفرنسا، بحيث يعد الأرخبيل موطنًا لواحدة من أكبر رواسب النيكل في العالم. كما تسمح أقاليم ما وراء البحار لباريس بالحصول على منطقة اقتصادية خالصة. وبفضلها يمكن لفرنسا المشاركة في العمليات الداخلية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ وتوسيع نفوذها الجيوسياسي.
ولفتت الصحيفة إلى المنطقة تتمتع بأهمية استراتيجية بالنسبة لفرنسا على خلفية المواجهة المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
في مثل هذه الظروف؛ لا تخدم سيادة كاليدونيا الجديدة مصالح فرنسا، وهذا أحد أسباب احتجاج أنصار الاستقلال، متهمين باريس بمحاولة تغيير القواعد الانتخابية لإسكات أصواتهم بمساعدة الزوار البيض من البر الرئيسي، وفقا للتقرير.
في الوقت نفسه؛ تبقى مواصلة تطور الوضع في الجزر سؤالا مفتوحا. من وجهة نظر لابينا على الرغم من إدخال الجيش، فإن باريس تبدي استعدادها للتفاوض مع المتظاهرين، ما يعطي الأمل في حل الوضع من خلال الحوار.
أما، بافيل تيموفيف فيشير إلى أن أراضي فرنسا الخارجية تعاني من مشاكل داخلية كبيرة، بما في ذلك الاختلافات بين السكان الأصليين والزوار.
ويضيف تيموفيف: "في كاليدونيا الجديدة، هناك تقسيم طبقي خطير للمجتمع من حيث مستويات المعيشة، فالكالدوش والفرنسيون البيض الزائرون أفضل حالًا، في حين أن السكان الأصليين أسوأ حالًا. ويخشى الكاناك من أن تؤدي إضافة طبقة من البيض إلى الأرخبيل إلى زيادة التمييز ضد السكان المحليين وتحولهم إلى أقلية في وطنهم مع مرور الوقت".
وفي ختام التقرير، نوه تيموفيف إلى أن فرنسا تنقل قوات الأمن إلى هناك، ومن غير الواضح كيف ستتطور الأحداث. فإما، أن يقيم الجيش نظاماً صارماً وتسفك الدماء، أو أن ينتصر الحوار. والنقطة المهمة تتمثل في أن إصلاح البرلمان الفرنسي لم يدخل حيز التنفيذ ومن المفترض أن تتم الموافقة عليه على مستوى المجلسين التشريعيين، وبعد ذلك سوف يكتسب طابعا دستوريا، وحتى ذلك الحين فإن هناك وقتا للتوصل إلى حل وسط.