لأول مرة منذ النكبة (1948)، صار الدفاع عن حق
الفلسطينيين في دولتهم
المستقلة ذات السيادة قضية و"أولوية"، عند شعوب وقيادات غير عربية في
مختلف القارات، وهو الأمر الذي عجزت منظمة التحرير الفلسطينية عن تحقيقه على مدى
عقود، عبر التمثيل الدبلوماسي في العديد من العواصم منذ ستينات القرن الماضي،
ويحدث هذا لأن العالم يرى بالعين ويسمع بالأذن بشاعة ما تقوم به آلة الحرب
الإسرائيلية في
غزة، منذ تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، ويرى ويسمع بالبسالة المدهشة لمقاتلين
فلسطينيين يردون الصاع صاعين لجند إسرائيل، ويجعلون حكومتها تستغيث بالكفيل
الأمريكي الذي لم يقصر في مدها بالمال والعتاد الحربي والذخائر.
ارتفع عدد الدول الأوروبية التي تعترف بفلسطين دولة مستقلة إلى أحد
عشرة، باعتراف أيرلندا وإسبانيا والنرويج بها مؤخرا، والحبل على الجرار، لأن
العدوان الإسرائيلي على غزة وأجزاء من الضفة الغربية دحرج كرة جليد تزداد ضخامة
كلما ازداد العدوان جسامة، وتكنس أكاذيب وأراجيف قادة إسرائيل بأنهم الطرف
المستضعف والمستهدف بالعدوان، ومن يعطون تلك الكرة دفعات قوية، أشخاص ذوي أوزان
سياسية ثقيلة في بلدانهم ومحيطها، منهم جيرمي كوربن الرئيس السابق لحزب العمال
البريطاني المعارض، الذي لا يكتفي بتأييد حق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة، بل
ينادي بفرض عقوبات على إسرائيل، وسحب استثمارات بريطانيا منها، يؤازره في ذلك كين
ليفنغستون الذي كان عمدة مدينة لندن لولايتين متتاليتين، والذي كان اول سياسي
بريطاني يتكلم جهرا عن ان إسرائيل تمارس التطهير العرقي بحق الفلسطينيين، منذ عهد
غولدا مائير وليس انتهاء بنتنياهو.
أما جورج غالاوي النائب السابق في البرلمان البريطاني بين عامي 1987
و2010، فقد كان أول سياسي بريطاني يقول إن وجود إسرائيل التي يسميها "الكيان
الإرهابي" على الخارطة، هي الجريمة الكبرى التي وُلِدت من رحمها جرائم
الإبادة للشعب الفلسطيني وعرب الجوار الفلسطيني، ولغالواي مواقف مشهودة في استنكار
حرب الولايات المتحدة وحلفائها على العراق وأفغانستان، ويماثل غالواي في المواقف
في فرنسا جان لوك ميلانشون الذي خاض الانتخابات الرئاسية عام 2017 باسم حزب فرنسا
الأبيَّة، والذي جاهر ممثلوه في الجمعية الوطنية (البرلمان) بإدانة جرائم إسرائيل
وإدانة الحكومة الفرنسية نفسها، بوصفها ضالعة في العدوان على غزة، لأنها تقدم
الدعم المادي والمعنوي لإسرائيل.
ارتفع عدد الدول الأوروبية التي تعترف بفلسطين دولة مستقلة إلى أحد عشرة، باعتراف أيرلندا وإسبانيا والنرويج بها مؤخرا، والحبل على الجرار، لأن العدوان الإسرائيلي على غزة وأجزاء من الضفة الغربية دحرج كرة جليد تزداد ضخامة كلما ازداد العدوان جسامة، وتكنس أكاذيب وأراجيف قادة إسرائيل بأنهم الطرف المستضعف والمستهدف بالعدوان
وفي هولندا نجح النائب البرلماني توناهان كوزو في تحريك طلاب
الجامعات ليناهضوا إسرائيل ويناصروا فلسطينيي غزة، وله مواقف جريئة وجسورة ضد
القيادات الإسرائيلية، وهو من وقف امام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو،
عند زيارته للبرلمان الهولندي عام 2016، وعلم فلسطيني صغير على الجاكيت الذي كان
يرتديه، ورفض مصافحة نتنياهو عندما مد يده
نحوه.
وقائمة الساسة والمفكرين الغربيين الذين صاروا جهيري الأصوات في
مناصرة شعب فلسطين طويلة، فيها معظم نواب البرلمان الإيرلندي (على رأسهم مايك
والاس الذي رفع علم فلسطين على مبنى مجلس بلدي مدينة داندي قبل سنوات) وأساتذة
الجامعات في الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما، وفيها كامل قيادات أحزاب مثل حزب
فرنسا الأبية والحزب القومي الأسكتلندي الذي يحتل المرتبة الثالثة بين أحزاب
بريطانيا من حيث العضوية والتمثيل في البرلمان، وحزب شن فين في ايرلندا الشمالية،
وحزب اليسار السويدي، والحزب الشيوعي الإسباني.
ولكن يبقى الصوت الأكثر جسارة وقوة وصلابة في مناصرة القضية
الفلسطينية، وإلقام نتنياهو وبطانته حجارة من صنف سجيل، هو السناتور الأمريكي
بيرني ساندز، لأنه يتكلم انطلاقا من جحر الأفاعي (الولايات المتحدة)، حيث عتاة
الصهاينة يسيطرون على عالمي الإعلام والمال، ويحركون أعضاء الكونغرس كما
الأرجوزات، ولساندرز هذا اتباع بالملايين في الأوساط الطلابية والعمالية وبين
الأقليات، وظل ساندرز يجاهر بأن إسرائيل
كيان عدواني باطش، لا يقيم وزنا للقانون الدولي او الإنساني، دون ان يتعرض للابتزاز
بتهمة معاداة السامية، التي ألحقها نتنياهو بالآلاف من طلاب الجامعات الأمريكية
الذين ما زالوا يرابطون في ساحات الاعتصام داخل مباني جامعاتهم، ثم بمحكمة
الجنايات الدولية التي وجهت اليه تهمة الإبادة، ذلك لأن ساندرز يهودي، ومن نفس
الأصول البولندية، كما بنيامين نتنياهو.
ومنذ بداية حرب إسرائيل على غزة، وساندرز شوكة حوت في حلق حكومة جو
بايدن، التي تناصر العدوان الإسرائيلي بالسلاح والمال، وبإجهاض كل قرار أممي يرمي
الى وقف الحرب وإدانة العدوان، فقد عارض بقوة تقديم المساعدات لإسرائيل، وقال داخل
الكونغرس وخارجه "إن ما تخوضه إسرائيل في غزة، ليست حربا ضد حماس، وإنما
للقضاء على نسيج حياة الفلسطينيين. وإن قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين خلال
الشهور الماضية هو نتاج سياسة منهجية محسوبة، وليست مجرد أخطاء عارضة تحدث في سياق
كل حرب"، ثم قال مخاطبا نتنياهو: إن تسليط الضوء على مجازر حكومتك المتطرفة،
التي قتلت أكثر من 34 ألف فلسطيني، 70% منهم من النساء والأطفال، وجرحت أكثر من 77
ألفاً، خلال ستة أشهر، ليس معاداة للسامية أو تأييداً لحماس... لا تستهزئ بذكاء
الشعب الأميركي، عبر مساعيك لصرف انتباهنا عن السياسات العسكرية الفاشلة، وغير
الأخلاقية لحكومتك المتطرفة والعنصرية ولا تستخدم معاداة السامية لصرف الانتباه عن
الاتهامات التي تواجهها أنت في المحاكم الإسرائيلية (في قضايا فساد)".
يبقى الصوت الأكثر جسارة وقوة وصلابة في مناصرة القضية الفلسطينية، وإلقام نتنياهو وبطانته حجارة من صنف سجيل، هو السناتور الأمريكي بيرني ساندز، لأنه يتكلم انطلاقا من جحر الأفاعي (الولايات المتحدة)، حيث عتاة الصهاينة يسيطرون على عالمي الإعلام والمال، ويحركون أعضاء الكونغرس كما الأرجوزات
وساندرز هو الأب الروحي لزملاء في الكونغرس، يرون مثله عوار النظام
السياسي الأمريكي، وموالاته للبغي الاسرائيلي، ومن بينهم إلهان عمر، ورشيدة طليب،
وألكساندريا أوكاسيو كورتيز، والدليل الحاسم على أنه يتمتع بشعبية كاسحة، مما يعطي
مواقفه من القضية الفلسطينية قيمة عالية، هي أنه ومنذ ان دخل المجلس النيابي عن
ولاية فيرمونت، في عام 1990، ظل يفوز فيها على جميع خصومه الى يوم الناس هذا، لأنه
ظل ثابتا على مواقفه الأخلاقية، وشارك من قبل في الحملات الداعية لوقف التمييز
العنصري وكفالة الحقوق الدستورية للأقليات، وعارض الحرب التي شنتها بلاده على
فيتنام، وعارض الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وبإجماع المحللين السياسيين
الأمريكان فإن موقف ساندرز الذين يدين العدوان الإسرائيلي على غزة بلا هوادة، هو
الذي يحرك المياه الآسنة في الولايات المتحدة، والذي جعل الجامعات الأمريكية تنتفض
بقوة وفعالية، رفضا لذلك العدوان، غير عابئة بالابتزاز الصهيوني الذي يتمثل في
الزعم بأن كل من يعارض سياسات الحكومة الإسرائيلية، يعادي بالضرورة اليهود
واليهودية، تأسِّيا بألمانيا النازية.
والشاهد هو أن شعوبا، وعلى وجه التحديد شباب الدول التي ظلت تناصر
إسرائيل في المَكْرَه والمَكْرَه، خرجوا على بيت طاعة حكوماتهم، وصاروا أكثر وعيا بأبعاد وجوهر القضية
الفلسطينية، والشباب هم غدُ ومستقبل بلادهم، ومن ثم فمستقبل فلسطين واعد، ومهر
الدم الذي تقدمه غزة، سيقود حتما إلى العرس الكبير، في فلسطين الغد.