يقول لنا التاريخ إن أقوى ما يؤكد أي تجربة في الدنيا هو
أن تحاول نفيها، لأنك إذا حاولت نفيها وصمدتْ فأنت قد أثبتها.. وهذا هو بعينه ما
حدث ولا زال يحدث في بؤرة النار والأنوار،
غزة.. التي أقامت الدنيا والناس، وأعادت
للإنسانية كلها أحد أروع أوصافها (الحرية والكرامة)، وسيزداد التأكيد تأكيدا
وسيزداد الإثبات إثباتا..
وسنسمع من سيقول لنا وللدنيا: يبدو أن عدونا المر
والقاسي يسيطر على الوضع على نحو أفضل بكثير، يحيى السنوار يتحكم بالأمور بطريقة
أكثر موثوقية وأمان، ونحن نتبعه دون خيار، إنه يعقوب بيري (80 سنة)، نائب رئيس
الشاباك السابق.. كما ذكرت لنا جريدة معاريف الأسبوع الماضي. ويضيف: "يبدو أن
التركيبة الحالية لقيادتنا تواجه صعوبة وبالتالي فقد حان الوقت لاستبدالها..".
* * *
استبدال القيادة مطلب استراتيجي في قلب الدولاب
الإسرائيلي كله، لكن أحد تجليات "طوفان الأقصى" أنها كشفت أشياء كثيرة
للغاية، وهامة للغاية، وكادت تتحول إلى حقائق راسخة لا تُناقَش ولا تُسأل.
أحد تجليات "طوفان الأقصى" أنها كشفت أشياء كثيرة للغاية، وهامة للغاية، وكادت تتحول إلى حقائق راسخة لا تُناقَش ولا تُسأل.
فقد بات واضحا مثلا وبكل تأكيد أن هناك مصالح أخرى وأفكارا أخرى وروابط أخرى بين "الصهيونية العالمية والغرب الإمبريالي"، ولا تتصل بقصة "الدولة يهودية" بل ولا تتصل باليهود أنفسهم (الدين والعِرق).. إنما تتصل في أوضح صورة لها بتاريخ الصراع بين الشرق والغرب
فقد بات واضحا مثلا وبكل تأكيد أن هناك مصالح أخرى
وأفكارا أخرى وروابط أخرى بين "الصهيونية العالمية والغرب الإمبريالي"،
ولا تتصل بقصة "الدولة يهودية" بل ولا تتصل باليهود أنفسهم (الدين والعِرق)..
إنما تتصل في أوضح صورة لها بتاريخ الصراع بين الشرق والغرب، تتصل به في أعمق
أعماق معانيه وأوثق مرجعياته التاريخية والفكرية.
* * *
وسيكون علينا لزاما ودائما، أن نتذكر أياما شبيهة بهذه
الأيام التي انطلقت فيها "طوفان الأقصى"، إنها أيام عماد الدين زنكي (ت:
1146م)، صاحب الصيحة الأولى ضد
الحروب الصليبية (أو حرب الفرنجة كما يريد لنا
العلامة د. عبد الوهاب المسيري تسميتها".
فبعد أن كان الصليبيون يتربعون في أربع إمارات (الرها/
انطاكية/ والقدس/طرابلس) لمدة 46 سنة! وكادوا خلالها أن يتحولوا إلى "قدر
محتوم" وبدا للجميع أن هذا القدر لا بد من معايشته والإقرار به، بل والترحيب
به!.. سيأتي عماد الدين ويستعيد إمارة الرها 1144م.. لكنه سيُقتل فورا بعدها!
* * *
ذهب شهيدا.. لكن البذرة كانت قد أنبتت واستوت على عودها،
وسيأتي بعده نور الدين زنكي (ت: 1174م) ليقول لمن حوله بصوت استراتيجي صادح: لا
يمكن خوض هذه الحرب وطرد الصهاينة -عفوا الصليبيين- إلا بتوحيد مصر والشام.
وهو ما سيحدث بعد عام واحد (1145م) ويدخل دمشق، وباقي
القصة أشهر من أن يُعرّف، وسنسمع فيها أسماء أسد الدين شركوه وصلاح الدين ومصرنا
الحبيبة.. ثم ماذا؟ ثم حطين والقدس (4 تموز/ يوليو 1187م).
* * *
على أي حال، وبغض النظر عن مفارقة قرون الثمانية التي
قفزنا بها بين تواريخ الزمن.. إلا أن خط الزمن هو نفسه، والعدو هو نفسه، والسبب هو
نفسه، والمدهش أنه ستكون الخيبة هي نفسها..
* * *
إسرائيل بالفعل والقول، خسرت الحرب استراتيجيا، بكل الحمولة الكاملة لمعنى الاستراتيجية: حرب وسياسة واقتصاد ومستقبل.. وفي وسط كل هذا الخسران الشامل.. سنسمع من يتحدث عن أن المشكلة ليست في كل هذا الذي يحدث! إنما الإشكالية الحقيقية هي اليوم التالي للحرب في غزة
إسرائيل بالفعل والقول، خسرت الحرب استراتيجيا، بكل
الحمولة الكاملة لمعنى الاستراتيجية: حرب وسياسة واقتصاد ومستقبل.. وفي وسط كل هذا
الخسران الشامل.. سنسمع من يتحدث عن أن المشكلة ليست في كل هذا الذي يحدث! إنما
الإشكالية الحقيقية هي اليوم التالي للحرب في غزة!
* * *
هل هم جادون فعلا في كلامهم؟ أم لديهم ما يخفونه ولا
يريدون التصريح به علنا؟ وهم بالفعل قد ألمحوا اليه كثيرا:
لن نسمح لحماس بالنصر، هزيمة إسرائيل معناها عدم قدرتها
على الاستمرار في المنطقة، لن يمكننا البقاء في الشرق الأوسط بعد الآن، إذا لم
تنتصر إسرائيل.. الخ..
وكلها عبارات كما نرى، من ذات الوزن التاريخي الثقيل،
لأن من يسمعها لا يملك إلا السؤال والبحث عن أصل الحكاية، وسيدرك بعدها أن غزة ما
هي إلا "أيقونة" فقط لشيء آخر.
* * *
تقول الحكاية التي وراءها ألف حكاية وحكاية أن "الحزام
الصهيوني/
الغربي" الذي يطوق "الشرق الإسلامي" من بدايات القرن الـ19،
هو الآن في الساعة الخامسة والعشرين.. "الحزام الصهيوني" المحكم على
المنطقة والذي سيبدأ -إن شاء الله- في التفكك والخلخلة.. هو بعينه الذي يلتف حول
خاصرة الغرب كله..
مفكروهم وعقلاؤهم هناك يقولون ذلك من سنين، ولكن كان لا بد
من "صيحة" عالية، وقد كانت.. وما مشاهد الهلع في الدوائر العليا، والعنف
القاسي في التعامل مع المظاهرات التي نراها في عيون حواضر الغرب وعواصمه وجامعاته،
إلا أكبر دليل على أنه بالفعل كذلك (حزام محكم)، وعلى أنه بالفعل بدأ في التفكك
والتخلخل..
ما مشاهد الهلع في الدوائر العليا، والعنف القاسي في التعامل مع المظاهرات التي نراها في عيون حواضر الغرب وعواصمه وجامعاته، إلا أكبر دليل على أنه بالفعل كذلك (حزام محكم)، وعلى أنه بالفعل بدأ في التفكك والتخلخل
* * *
المفكر الكبير عباس محمود العقاد (ت: 1964م) رحمه الله
كان من أوائل من حذر وأنذر، وقال لنا كل شيء في كتابه المشهور سنة 1956م عن "الصهيونية
العالمية".. وكالعادة دائما وفي
أوقات الخطر سيكون الأزهر الشريف وشيخه الطيب هناك، وسيصدر الكتاب هدية مع أحد
أعداد مجلات الأزهر.
نحن هنا نتحدث عن الجبال الرواسخ في ثقافة المصريين، فكر
الكبار، وصرح الأكابر.
* * *
الحاصل أن الأستاذ العقاد قال لنا كل شيء عن الصهيونية،
التي نجحت منذ تأسيسها كحركة سياسية عالمية من القرن الـ19 في السيطرة على كافة
النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية وكافة النواحي
الأخرى في "الغرب الاستعماري" وشعوبه الغافلة.
* * *
نحن الآن في الساعة الخامسة والعشرين بتوصيف الروائي الروماني
الكبير قسطنطين جورجيو (ت: 1992م) ليس فقط بتجريد الوقت والزمن، ولكن بإعلاء الصوت
بكل الحقائق التي حاولوا طمسها وإخفاءها عبر الزمن، وسيصح هنا قول الروائي الراحل
في هذه الرواية الجميلة "من هامش العالم.. سنرى العالم".
x.com/helhamamy