في الوقت الذي تتواصل فيه التقارير الإسرائيلية
عن تصاعد المعارك الضارية مع
المقاومة في
غزة، والتي كبدت
الاحتلال خسائر كبيرة، على مدار الأسابيع الماضية، بدأ البحث عن سبل جديدة لمواجهة الوضع غير المسبوق للجيش في المعارك.
وصدرت دعوات لممارسة ضغوط شديدة على حماس
لحملها على التوصل لاتفاق يعيد كافة الأسرى، مقابل وقف طويل لإطلاق النار، وفي
حال أدرك جيش الاحتلال في المستقبل أن هناك حاجة لاستئناف القتال، بإمكانه الخروج
للقيام بعمليات محددة، بزعم أن هذه الطريقة يمكنها حشد الدعم الدولي للاحتلال الذي
سيسمح بتشكيل اليوم التالي في غزة.
رون بن يشاي، الخبير العسكري في صحيفة يديعوت
أحرونوت، ذكر أن "المعارك التي جرت خلال الأسبوعين الأخيرين في مخيم جباليا
للاجئين نموذج مصغر للحرب ضد حماس ككل، فهي تحتوي على كل تعقيدات الحرب، ويمكن
استخلاص دروس منها تسمح للاحتلال بإعادة المختطفين، على أن يكون ذلك على مراحل سوف
تستغرق وقتا، لأن إطلاق الصواريخ أول أمس من رفح على تل أبيب سيؤدي لتفاقم الوضع،
وعلى الجمهور الإسرائيلي أن يفهم أن هذه حرب مختلفة عما انخرط به الجيش منذ تأسيسه
حتى الآن".
وأوضح في مقال ترجمته "عربي21" أن
"نظرية المراحل تتطلب استهداف شبكة الأنفاق المتفرعة تحت الأرض من مدينة غزة
إلى شمالها وصولا إلى رفح جنوبا، لأنه لا يوجد أمن لمستوطني النقب ما دام هناك نحو
ألف مقاتل موجودين في الأنفاق التحتية، ومجهزين بأسلحة تكاد تكون غير محدودة، بما
فيها قاذفات الصواريخ، مما يستدعي بناء خطة عمل عسكرية جديدة بناء على الدروس
المستفادة من القتال الطويل العنيف والشرس في غزة وجباليا ورفح.
ولفت إلى أن كتائب
القسام، استعدت بشكل جيد، وزرعت متفجرات، وفجرت جدران الأزقة المزدحمة، واستولت على فتحات
البوابات، وأطلقت عشرات الصواريخ المضادة للدبابات، وخسر الجيش العديد من جنوده.
وكشف أن "المشكلة الرئيسية التي يواجهها
الجيش في قطاع غزة، ولا تزال إلى حد ما، هي أن القتال والتقدم فوق الأرض أسرع
بكثير مما هو عليه في نظام الأنفاق تحت الأرض، مما يبطئ ويؤخر التحرك برمته، ولذلك
فإن الدروس المستفادة في خانيونس تسمح الآن للجيش بالعمل بسرعة أكبر في نظام
الأنفاق مما كان عليه في بداية المناورة البرية.
مما يجعل من أن بداية الإطاحة بحماس
هي تدمير معظم أنظمة التحصينات تحت الأرض في قطاع غزة، لأن الأنفاق المتفرعة تسمح
لمقاتلي حماس بالبقاء، وحرية الحركة تحت الأرض، ومن هناك يذهبون فوق الأرض لفترات
قصيرة، ثم يصلون أماكن أخرى لا يتواجد فيه الجيش".
وأشار إلى أنه "من أجل تحقيق هذا الهدف، على
الجيش أن يتعامل مع عدة قضايا: أولها إطلاق سراح المختطفين الموجودين في الأنفاق،
لأنهم قد يتعرضون للأذى، وثانيها الحاجة لمعلومات استخباراتية عالية الجودة
ودقيقة، وثالثها أن يطبق الجنود جميع الدروس التي تعلموها في خانيونس: كيفية
التعرف على العبوات، وكيفية الاقتراب من الأعمدة، وكيفية التحرك عبر الأزقة دون
التعرض للإصابة بالعبوات وفخاخ الآر بي جي التي تكون المنطقة مكتظة بها.
ورابعها
استخلاص الدروس التي يمكن بموجبها تعديل وتغيير مخطط الحرب، لأن الهدف العسكري
الرئيسي للجيش هو الوصول لتدمير كبير 65%-70% من الأنفاق الاستراتيجية التي تسمح
لحماس بالبقاء فيها، والتحرك في جميع أنحاء القطاع، وخامسها ضرورة إغلاق أنفاق
التهريب تحت محور فيلادلفيا في منطقة رفح، لعزل حماس عن العالم الخارجي، وحرمانها
من الأموال التي تجمعها".
تتزامن هذه القراءة الإسرائيلية المحبطة من
القتال الضاري في قلب غزة وأحيائها مع قدرة حماس على إطلاق الصواريخ من رفح باتجاه
تل أبيب، مما شكل بالنسبة لحماس تحقيقا لثلاثة أهداف: أولها مفاجأة منظومة اعتراض
الصواريخ واختراقها، وإحداث إصابات وأضرار في العمق الآمن للدولة، مما تعتبره
الحركة إنجازا مهما في حرب الوعي، وضربة معنوية للإسرائيليين.
أما الأمر الثاني فهو الإطلاق
الطويل نسبيا لوابل من الصواريخ بعيدة المدى والذي يثبت للإسرائيليين أن حماس لا تزال
صامدة بعد ثمانية أشهر من القتال، لذلك ليس هناك جدوى من الاستمرار في محاولة
إسقاطها عسكريا، وثالثها أن قوات الجيش في رفح تقترب من منصات الصواريخ، ولعل
الحركة أرادت استخدامها قبل أن يستولي عليها الاحتلال.