تشكل جدران المخيمات الفلسطينية في الأردن،
مساحة لإحياء القضية والتضامن مع سكان
غزة، في ظل العدوان الذين يعيشونه والمجازر
التي ترتكب بحق على يد
الاحتلال.
فعلى جدران المنازل
والأماكن العامة في هذه المخيمات، تتنشر
جداريات فنية مصحوبة بعبارات تحد للاحتلال،
من قبيل "غزة لن تركع" و"لن نركع"، ليؤكد من خلالها اللاجئون
أن قضيتهم أكبر من أن تنسى.
ويعيش نحو 2.5 مليون
لاجئ فلسطيني في الأردن، منهم نحو 460 ألفا داخل 13 مخيما، وفق إحصاءات رسمية،
ويعد مخيم البقعة شمال العاصمة عمان أكبرها، ويحتضن نحو 120 ألف لاجئ.
وفي "البقعة"، لجأ الكبار إلى فن الجداريات لإبراز تضامنهم مع غزة،
ولتعليم الصغار أن حب الوطن لا يتغير بتغير الأجيال، لكنه ينمو ويتجدد مع توالي
المآسي والويلات، بحسب وكالة الأناضول.
تقابلك في كل ناحية
جداريات متضامنة مع غزة ومناصرة للقضية الفلسطينية، منها جدارية مكونة من عبارة
"لن نركع" إلى جانب خارطة فلسطين ورسم للكوفية التراثية، وجدارية ثانية
تظهر رسمة لشارة النصر مع عبارة "البندقية هي السبيل الوحيد لتحرير فلسطين".
فيما تتكون جدارية
ثالثة من رسمة لرجل ملثم يمثل أبا عبيدة الناطق باسم "كتائب القسام"
الجناح العسكري لحركة حماس، مع عبارتين مجتزأتين من أقواله هما "المقاومة هي الممثل
الشرعي والوحيد لي"، و"لا سمح الله".
وضمت جداريات أخرى
عبارات من قبيل "طوفان الأقصى.. غزة لن تركع" و"نموت وتحيا
فلسطين"، والتي يقول عدد من لاجئي المخيم إن مضامينها تهدف إلى إبقاء القضية
الفلسطينية حية في نفوس الأجيال الجديدة.
بهذا الخصوص، يقول
اللاجئ محمد غانم (73 عاما): "هذه العبارات والشعارات تؤكد أن القضية
الفلسطينية ما زالت حية في نفوسنا".
ويوضح المسن الفلسطيني
أن من يخط ويرسم الجداريات هم "فنانون بعمر الشباب؛ ليدللوا على أنهم يعيشون
مع فلسطين وإن أُبعدوا عن ترابها".
ويضيف: "في الحرب
الحالية تقتل إسرائيل الأطفال والشيوخ حتى ينسوا القضية الفلسطينية".
ويشدد على أن إسرائيل
ستخفق في خطتها هذه فـ"الشاب أو البنت يتشرب منذ الصغر حب فلسطين، وهذا الحب
لن ينتهي على مر الزمان".
وبينما يؤمن غانم بأن
"فلسطين لن تعود بالكلمات وإنما بالقوة، فما أُخذ بالقوة لا يرد إلا
بالقوة"، إلا أنه يشير إلى أن "الشاب الفلسطيني عندما يعيش وسط هذه
الرسومات، فهو يتعلم منها ضرورة وأهمية الدفاع عن بلاده".
من جانبه، يقول اللاجئ
الستيني حسن أبو جزر، إن "هذه الرسومات والكتابات يرسمها فنانون بهدف تشكيل
عمق للقضية الفلسطينية".
ويرى أن "الصغير
الذي لم يعش القضية الفلسطينية يتعرف من خلال هذه الجداريات على ألوان العلم
الفلسطيني ودلالتها، والنضال الفلسطيني؛ وبذلك يبقى الوطن في ذاكرته ولا
ينساه" معتبرا أن "الإنسان بلا وطن لا قيمة له".
ويضيف: "نحن
دائما ندعو لفلسطين وللمجاهدين ولحركة حماس؛ لأنهم شعبنا، وهم يعيشون مأساة عشناها
قبل عقود".
ويتابع: "هذه
الرسومات ترمز لتضحيات الشعب الفلسطيني ونضاله، وتعطي همة للشباب بأن لا ينسى وطنه
الذي يعيش تحت الاحتلال، ويبقى في ذاكرته".
على النحو ذاته، يقول
اللاجئ حسن أيوب (48 عاما)، إن "هذه الرسومات والكتابات تحيي جيلا مدافعا عن
القضية؛ فنحن الجيل الكبير من نوصل هذه الرسومات وما تعنيه للأجيال من بعدنا، وهم
بدورهم سيبقون القضية حية لدى الأجيال التي تليهم".
ويضيف أيوب:
"صرنا نعبر بالصور والكلمات، وتأثيرها يتمثل على من بعدنا؛ لأنه سيسأل،
والرسالة ستصل إلى جيل واع، وحتى لو أرادوا أن ينهوا الضفة وغزة فنحن موجودون".
من جانبه، يعتبر
الأكاديمي والباحث الأردني بعلم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي، أن "هذه الرسومات والكتابات
هي دلائل على تعلق كبير بفلسطين لدى هؤلاء اللاجئين، وإن مكانتها ما زالت كبيرة في
نفوسهم رغم أنهم بعيدون عنها منذ زمن طويل، ومنهم من لم يرها".
ويرى خزاعي أن هذه
الأعمال الفنية من قبيل "البطولات الاجتماعية".
ويردف بأن اللاجئين في الأردن
"يواصلون إحياء القضية الفلسطينية والتعلق بها والالتفاف حولها، عبر هذه
الرسومات والكتابات".
أما من وجهة نظر
سياسية، فترى أمل عاشور، الباحثة الأردنية بالعلوم السياسية، أن "الصور
والعبارات المرسومة والمكتوبة على الجدران بالمخيمات الفلسطينية تعبير عن حكاية
استمرت عقودا طويلة".
وتقول موضحة: "من
خلال هذه الجداريات يقول اللاجئون إننا لن نتخلى عن فلسطين، وهي من أهم الثوابت
والمسلمات".
وتشير إلى أن
الجداريات تمثل "قوة روحية ومعنوية، ومن خلالها يقوم هؤلاء اللاجئون بالتعبير
عن واقعهم وأحلامهم بالعودة إلى أوطانهم".
وتعتبر أن الجداريات
"تمثل كذلك رسائل إلى كل دول العالم على إصرار الفلسطينيين على العودة إلى قراهم
ومدنهم التي هُجروا منها".
وتختتم حديثها بالقول
إن الجداريات "في النهاية ترجمة لحياة اللاجئين العامة والخاصة، وهي نمط
تعبيري عفوي وصادق عن الأماني والأحلام، وهي انعكاسات بسيطة لمعاناتهم، ولا تحتاج
إلى شرح".