تتعدد الأسئلة وتتزاحم أحيانا حد التضارب حول مستقبل حركة النهضة
التونسية في ظل معطيات الواقع الموضوعي الوطني والإقليمي والدولى وكذلك في ظل
واقعها الذاتي الذي يعكس طبيعة مشروعها ورؤيتها الفكرية والسياسية وبناها الهيكلية
والتنظيمية ووضعها القيادي الذي يتطلب بالضرورة تشخيصا دقيقا وموضوعيا ومراجعات
جوهرية بعيدا عن جلد الذات والاتهامات والتوظيف والمناكفات والتفصى من المسؤولية
وذلك وفق منهجية غايتها الإجابة عن سؤال المستقبل الذي بات أولوية الأولويات في
هذه المرحلة بقطع النظر عن حيثيات الظرفية الآنية وعناصر التعطيل والاعاقة الذاتية
وإرادة المحافظة السلبية المستندة إلى مبررات وتعلات واهية.
وفي ظل الانكسار المريع للموجة الأولى للثورات العربية فقد بات سؤال
المستقبل هاجس كل قوى التحول الديمقراطي في المنطقة وخاصة الإسلاميين الذين بوأهم
الاختيار الشعبي المكانة الأولى رغم إدراكهم لتجربة الانتقال وهم منهكين من جراء
الاستهدافات التي تسلطت عليهم في كل تجاربهم مع اختلاف في الدرجة والمدة الشيء
الذي أعاق تطور بناءهم الداخلي للتأهل لخدمة المجتمع من موقع إدارة الحكم.
لقد مثل حدث الإعلان عن تأسيس الحركة يوم 6 حزيران / يونيو 1981 نقطة
تحول مهمة في تاريخها من جماعة دعوية إحيائية
لدور الإسلام كدين للشعب والدولة في الحياة الفردية والعامة إلى حركة تعمل على
المشاركة السياسية لخدمة المجتمع من خلال مؤسسات الدولة. كما أن مسار نضالها قد
انطبع بهذا التحول رغم ما حصل من اختلاف حول طبيعته بين التكتيك الذي اقتضاه وضع
الحال حينها الذي فرضه الاستهداف الأمني وعمق الرؤية السياسية والاستراتيجية التي
قادت بعض المؤسسين في توجههم نحو المشاركة السياسية وما مثلته من خروج عن المألوف
في تجارب مثيلاتها من الحركات الإسلامية في دول أخرى..
في ظل الانكسار المريع للموجة الأولى للثورات العربية فقد بات سؤال المستقبل هاجس كل قوى التحول الديمقراطي في المنطقة وخاصة الإسلاميين الذين بوأهم الاختيار الشعبي المكانة الأولى رغم إدراكهم لتجربة الانتقال وهم منهكين من جراء الاستهدافات التي تسلطت عليهم في كل تجاربهم مع اختلاف في الدرجة والمدة الشيء الذي أعاق تطور بناءهم الداخلي للتأهل لخدمة المجتمع من موقع إدارة الحكم.
وكذلك ما كان من المفترض أن يحصل من تطبيع مع دولة الاستقلال
ومؤسساتها وقوانينها والذي لم يتحقق بسبب إهدار ما توفر من فرص للحوار والمصالحة
في مناسبة أولى مع الأستاذ محمد المزالي رحمه الله سنة 1984 بعد إطلاق سراح
القيادة التاريخية للحركة من السجن وذلك في إطار
سياسة الانفتاح السياسي التي كان
يقودها حينها.. ثم في مناسبة ثانية مع سلطة بن علي حيث أدى الحوار إلى الوعد بتمكين الحركة من التأشيرة القانونية بعد تغيير اسمها من الاتجاه الإسلامي إلى النهضة وإمضائها فيما بعد على المثاق الوطني وقبولها بالمشاركة في جبهة انتخابية في 1989مع كل الممضين عليه والتي أجهضها أحد الأطراف لحسابات سياسوية ضيقة..
إن المتأمل في مسار تطور حركة النهضة يلاحظ تأثره السلبي بتوتر العلاقة مع الدولة
الذي بلغ حد الصدام سنوات 1987 و1991 بسبب
إرادة الإقصاء السياسي ومحاولات الاستئصال من جانب السلطة وضعف التدبير السياسي ورد الفعل والتسرع من جانب
الحركة الأمر الذي جعلها في حالة إنهاك متواصل حال دونها ودون تطوير بنائها
الداخلي والتأهل لإدارة الحكم التي وجدت نفسها في خضمه إثر ثورة الحرية والكرامة.
وهي اليوم تعيش مع غيرها من الحركات والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية
نهاية دورة تاريخية وبداية دورة جديدة بعد فشل الموجة الاولى من الثورات العربية
وزلزال طوفان الأقصى وما أحدثه من تحولات.
من هذا المنطلق تكون الإجابة عن سؤال المستقبل في هذه اللحظة
التاريخية الفارقة ضرورة حضارية للمساهمة في استنهاض الأمة لاستئناف دورها الريادي
ولن يكون ذلك إلا في إطار إعادة تأسيس استراتجي هاديء وعميق بعقلية مراكمة التجربة
وبمنهجية الاحتفاظ والتجاوز وبالاعتماد على ما تبقي من جيل النضال لتجاوز معضلة
الانقطاع الجيلي التي أخفقت الحركة في تجاوزها أثناء عشرية الانتقال الديمقراطي.
ويمكن أن ينبني هذا الخيار على الأسس التالية :
1 ـ اعتماد المرجعية الإسلامية ضمن فهم أصولي
مقاصدي مرن ومتدرج ومنفتح على منجزات العصر.
2 ـ مراجعة مقولة المشروع التي يشوبها
الغموض والهلامية في اتجاه بلورة رؤية استراتيجية وطنية والبحث عن شراكات وطنية
لتنزيلها .
3 ـ التعاطي مع العلاقات الدولية بوعي حضاري يأخذ بعين الاعتبار أهمية
الموقع الجغراسياسي للمنطقة والمصالح والأطماع الدولية فيها ووجود الكيان الصهيوني
في قلبها .
4 ـ التخلي النهائي عن الانجرار للصدام مع الدولة مهما كانت المبررات
وفي أقصى الأحول الاقتصار على المعارضة السياسية في إطار ما يتيحه القانون .
5 ـ تجنب المنافسة الديمقراطية المباشرة على السلطة والاقتصار على
الترجيح الانتخابي على اساس ضمان الحريات
والالتزام بالمصلحة الوطنية.
6 ـ اعتبار خدمة المجتمع من خلال مؤسساته المدنية ومؤسسات
الدولية أولوية أساسية .
7 ـ الاهتمام بالموارد البشرية تجديدا وتكوينا فكريا وسياسيا وحزبيا
والتزاما بالقيم والأخلاق تلافيا لما ظهر من ضعف وترهل وهشاشة في المرحلة السابقة .
8 ـ إطلاق برنامج لبناء جيل قيادي جديد بعقيدة نضالية ذات عمق حضاري
استراتجي والتزام راسخ بالقيم والأخلاق والممارسة الديمقراطية ومعايير الحوكمة
الرشيدة تجاوزا لما تردت فيه الأوضاع القيادية في السنوات الأخيرة.
9 ـ إعادة النظر في البناء الهيكلي بما يحقق النجاعة والفاعلية
والالتزام بمعايير الإدارة الديمقراطية الحزبية والتخلي عن البنية الهيكلية
الحالية ذات الطابع الرئاسي المطلق والتي تحاكي بنية دولة الاستقلال مع غياب اليات تحقيق العدالة والحوكمة.
10 ـ اعتبار قطاع التعليم بمختلف مراحله
وفئتي المرأة والشباب من أولويات المرحلة لأهميتهما القصوى في بناء المستقبل.
وفي خلاصة فإن خيار التأسيس الهادىء بهذه الملامح يتطلب دراسة
وتعميقا لفتح أفق جديد لتجاوز المأزق التاريخي النظري والعملي الذي تردت فيه تجارب
الحركات والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية بعيدا عن المناكفات والمزايدات والارتهان
للأشخاص أو التكتلات.
*كاتب وناشط سياسي تونسي