سنة مرت على انطلاق معركة طوفان الأقصى
بعملية هجومية جريئة استبقت ما كان يخطط له الكيان الصهيوني من اعتداء شامل ضد
قطاع
غزة والمقاومة
الفلسطينية لإنهاء القضية الفلسطينية وإخضاع الأمة وشعوبها ضمن
مشروع السلام الإبراهيمي .
لقد مثلت عملية 7 أكتوبر 2023 فيما يعرف
بغلاف غزة إيذانا ببداية مرحلة جديدة من الصراع من أجل تحرير فلسطين قلب الأمة
النابض وتحرر الشعوب من قبضة الصهيونية العالمية وهيمنتها، حيث قلبت الموازين
وغيرت قواعد الاشتباك من الدفاع إلى الهجوم ووحدت ساحات المقاومة ونفخت الروح من
جديد في الأمة وفي كل البشرية.
ورغم اختلال ميزان القوة المادي بين الكيان
وداعميه من الدول الكبرى من جهة والمقاومة وحلفائها من الجهة المقابلة فقد برزت
عناصر جديدة في المعادلة لم يتعود عليها الكيان في علاقة بالإرادة وبالجانب
المعنوي المعتمد على قوة الإيمان بالله وبالقضية والاستعداد للتضحية من أجلها حيث ضربت
المقاومة وحاضنتها الشعبية الفلسطينية أروع مثال للشجاعة وحسن الاستعداد والقدرة
على التخطيط ونجاعة التنفيذ وعاضدتها الساحات الأخرى في لبنان واليمن والعراق بدعم
إيراني.
إن الحرب الإقليمية القادمة حتما ستكون حرب وجود لا حرب حدود.. ذات بعد حضاري وديني مما سيجعلها مدمرة وطويلة الأمد قد يمتدة لهيبها إلى كل المنطقة ولن ينجو من تداعياتها أحد لا دوليا ولا إقليميا..
إن صمود المقاومة الفلسطينية ما يربو عن سنة
هو خير تجسيد لقول الله تعالى: "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن والله
مع الصابرين" (سورة البقرة 249) وغلبة المقاومة الفلسطينية اليوم هي في
قدرتها مع شعبها على الصمود وإعاقة الكيان الغاصب عن تحقيق أهدافه وإعادة القضية إلى
صدارة المشهد الإقليمي والدولي وفرض عناصر جديدة في المعادلة وضعت المنظومة
الدولية الغربية بمبادئها وقيمها في اختبار عسير رغم الخسائر المادية والبشرية.
لقد أثبتت المقاومة الفلسطينية أن شروط
النصر لا تقتصر فقط على كثرة العدد والعتاد، فيحصل أن تنتصر فئات قليلة على فئات
كثيرة إذا أعدت واستعدت ماديا في حدود إمكانياتها ثم توكلت على الله واستعانت به
ثم صبرت وصابرت ورابطت عندها تكون حصيلة عناصر ميزان القوة لصالحها ويتحقق لها
النصر .
وقد قارب القرآن الكريم معادلة الكثرة
الواهنة والقلة الصابرة إلى الواحد مقابل عشرة ثم عدلها بعد غزوة بدر إلى واحد
مقابل اثنين وقال: "الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا إن يكن منكم مائة
صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفا يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين"
(الأنفال الآية 66).. وبهذا يعدل صبر القلة المؤمنة المتوكلة على الله 50%من قوة
الكثرة وهو سر انتصار قوى المقاومة في كل ساحات الصراع من أجل القضايا العادلة
مهما تعاظم جبروت القوى الغاصبة والمعتدية .
هذا التصور القرآني لميزان القوة لا يدركه
الكثير ولا يفقهون دلالته وأبعاده فينخرطون بوعي أو بدون وعي في بث الأراجيف حول
حصيلة ما حققته المقاومة من معركة طوفان الأقصى لقضية فلسطين وشعبها بعد ما حصل من
دمار ومجازر في غزة وما يحصل في الضفة الغربية ثم حول اختلال ميزان القوة لصالح
الكيان الصهيوني وحلفاءه تجاه المقاومة الفلسطينية وحلفاءها وتجاه الأمة بكل
مكوناتها.
إن عربدة الكيان وعدوانه المتواصل على الأمة ومقدساتها وشعوبها وإحكام سيطرته عل أغلب أنظمتها لن يزيد الأوضاع إلا احتقانا وتوترا وسيؤدي آجلا أو عاجلا إلى تحول طوفان الأقصى إلى طوفان للأمة يطهرها مما تردت فيه ويعيد لها الاعتبار بين الأمم
وهو تبرير للخنوع والاستسلام والوهن والهوان
والتواطؤ الذي تعيشه الأنظمة وتكاد تطبع معه الشعوب.
في ضوء هذا المشهد العاصف إقليميا ودوليا هل
يمكن أن يتحول طوفان الأقصى إلى طوفان للأمة؟
إن تواصل صمود المقاومة الفلسطينية رغم
الكلفة المادية العالية من قتل وحصار وتدمير وتصفية لقياداتها وآخرهم شهيد الأقصى
المجاهد يحيى السنوار ومن سبقه ومن سيلحق به في ظل تواطؤ عربي ودولى مخزي مع إمكانية
توسع الصراع وتطوره نحو
حرب إقليمية يستهدف الكيان الصهيوني وحلفاؤه الغربيون بها
محور المقاومة وأساسا إيران وذلك بهدف ضمان استمرار وجوده ولما لا توسعه إلى ما
يسمى بإسرائيل الكبرى، وذلك بمواصلة الضغط على غزة وشعبها لتركيعها وتهجير سكان
شمالها والقضاء على المقاومة وضم الضفة
الغربية وإنهاك حزب الله ولما لا نزع سلاحه وتعطيل المشروع النووي الإيراني وإن أمكن
إنهاؤه ثم التفرغ للحوثيين والمقاومة العراقية.
إن الحرب الإقليمية القادمة حتما ستكون حرب
وجود لا حرب حدود.. ذات بعد حضاري وديني مما سيجعلها مدمرة وطويلة الأمد قد يمتدة
لهيبها إلى كل المنطقة ولن ينجو من تداعياتها أحد لا دوليا ولا إقليميا وخاصة
أطرافها الفعلية. وستكون بداية النهاية لضعف الأمة وهوانها وتخلفها بأخذ طريقها نحو
التحرر من الهيمنة والتبعية التي بلغت حد التآمر على فلسطين وشعبها ومقدساتها والمشاركة
الفعلية في العدوان عليها بدعوى مقاومة الإرهاب، لأنها ستزيل الكثير من الحواجز
المعطلة لطاقات الأمة وقواها الحية على غرار العراق واليمن ولبنان.
إن عربدة الكيان وعدوانه المتواصل على الأمة
ومقدساتها وشعوبها وإحكام سيطرته عل أغلب أنظمتها لن يزيد الأوضاع إلا احتقانا
وتوترا وسيؤدي آجلا أو عاجلا إلى تحول طوفان الأقصى إلى طوفان للأمة يطهرها مما
تردت فيه ويعيد لها الاعتبار بين الأمم وفق ما كرمها الله تعالى به بجعلها أمة
وسطا شاهدة على الناس في قوله: "وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على
الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" (سورة البقرة الآية 143).
*كاتب وناشط
سياسي تونسي