شدد مقال نشر في مجلة "
فورين بوليسي"، على قيام
بكين باستهداف الأطفال والشباب بشكل خاص، في إطار حملتها على الأقليات المسلمة في
الصين، مشيرا إلى أن السياسات الأمنية الصينية غير المسبوقة على مدى العقد الماضي أدت إلى تطوير دولة مراقبة عالية التقنية ترصد تقريبا كل جانب من جوانب سلوك المسلمين.
وقال الكاتب رسلان يوسفوف في المقال الذي نشرته الصحيفة الأمريكية وترجمته "عربي21"، إن مدينة يوشي تعد موطنا لعدد كبير من أقلية "الهوي" العرقية المسلمة المعترف بها من قبل الدولة. وهذه الأقلية تتحدث لغة الماندرين ولا يمكن تمييز أفرادها عرقيا عن غالبية الهان. ورغم تاريخ طويل من الاندماج، فإنهم يجدون أنفسهم اليوم في قلب حملة قوميّة بدأت في أعقاب منتدى الحزب الشيوعي الصيني في نيسان/ أبريل 2016 حول الدين. وخلال هذا المنتدى، وجّه الرئيس شي جين بينغ تعليمات إلى المجموعات الدينية لـ"الالتزام بقيادة" الحزب الشيوعي الصيني و"دمج (عقائدهم) مع الثقافة الصينية".
وأضاف أن حلم الرئيس الصيني شي جين بينغ، المميز بإحياء الأمة مجالا كبيرا للتفرد الثقافي الذي كان معترفا به في الحقبة السوفييتية، حيث كانت عادات ولغات الأقليات معترفًا بها. بدلا من ذلك، يروّج الحزب الشيوعي الصيني بشكل متزايد لاندماج جميع الأقليات العرقية في جوهر واحد تحدده ثقافة الهان الصينية. وحتى الآن، ركّزت الحملة على إزالة لافتات الطعام الحلال المكتوبة بالعربية وتعديل "العمارة الأجنبية" للمساجد. وبعد أن أزيلت قباب ومآذن معظم المساجد، فإن الإشعار الأخير الذي تلقاه سكان يوشي هدفه تحديد هويّة الشباب المسلمين من الهوي تحت مسمى الفصل بين الدين والتعليم.
وأشار الكاتب إلى أنه سبق أن صُقلت التقنيات المستخدمة الآن على الهوي من قبل بكين على الأويغور وغيرهم من الأقليات المسلمة التركية التي تعيش في منطقة شينجيانغ الشمالية الغربية. وقد أدت السياسات الأمنية غير المسبوقة في المنطقة على مدى العقد الماضي إلى تطوير دولة مراقبة عالية التقنية ترصد تقريبًا كل جانب من جوانب سلوك المسلمين. وتظهر ملفات الشرطة المسربة أنه يتم اعتقال الناس بشكل جماعي بسبب الصيام خلال رمضان أو ارتداء الحجاب أو تلاوة القرآن. وتدعي بكين أن هذه الإجراءات - التي أطلق عليها "حرب الشعب على الإرهاب" - فعّالة في مكافحة الإرهاب ودمج شينجيانغ مع بقية الصين.
وذكر الكاتب أن الإشعار الأخير في يوشي يشير إلى أن تعامل الصين مع "الأقلية المسلمة النموذجية" يتخذ بشكل متزايد منحى شينجيانغ. وتظهر التقارير أن ما يسمى بـ "مراكز الشرطة الملائمة"، التي تم إنشاؤها في جميع أنحاء شينجيانغ كل بضع مئات من الأقدام لمراقبة سلوكيات السكان تمتد إلى مقاطعتي قانسو وتشينغهاي المجاورتين. وفي الوقت نفسه، يسافر كوادر الحزب من مقاطعة نينغشيا - وهي معقل آخر للهوي - إلى المنطقة لتلقي "تدريب مكافحة الإرهاب".
وأشار إلى أنه قبل وقت ليس ببعيد في شينجيانغ خلال رمضان 2015، وقع "حادث البطيخ" الشهير، حيث وزّع أساتذة في جامعة الطب شرائح البطيخ على الطلاب في منتصف النهار بينما كان الطلاب المسلمين صائمين. وقد ورد أن الذين رفضوا تناول البطيخ تعرّضوا لتهديدات بحرمانهم من شهاداتهم. أدى هذا الكشف إلى احتجاجات عنيفة في تركيا، ما وضع ضغطًا دبلوماسيًا كبيرًا على بكين لدرجة أن رئيس الحزب في شينجيانغ، تشانغ تشونشيان، انضم إلى ممثلين محليين مسلمين في إفطار للاحتفال بآخر يوم من رمضان، وهي المرة الأولى في تاريخ شينجيانغ الحديث.
وأوضح الكاتب أن الرد الإقليمي كان غير مسبوق بقدر الضجة العالمية، لكن عندما يسمع الهوي قصصا عن أحداث تشبه حادثة البطيخ، يتذكرون أنها كانت مقدّمةً لنظام مراقبة مكثّف بين الأويغور سرعان ما أصبح حملة كاملة من الإكراه والإدماج.
وأشار الكاتب إلى أن الممارسة الدينية مقيّدة بشدة في الصين رغم ادعاء بكين أنها تحافظ على حريّة المعتقد التي ينص عليها الدستور. ويُعامل الإسلام بصرامة خاصة: تُقيَّد إقامة الجنازات الإسلامية في شينجيانغ، بينما يُدعى الكهنة الطاويون ويُدفع لهم لتقديم وداع لائق للمتوفين في جميع أنحاء الصين. تعجّ المعابد البوذية والكونفوشيوسية بالآباء والأطفال من الهان للصلاة من أجل النجاح في امتحانات دخول الجامعة، بينما يُمنع أطفال الهوي من الدراسات الدينية. فعلى سبيل المثال، في سنة 2016، مُنعت مدارس الحضانة في مقاطعة قانسو من تعليم الإسلام بعد انتشار فيديو على النت لطفلة في رياض الأطفال تتلو القرآن. قالت السلطات إن هذه الممارسة تنتهك "مبدأ الفصل بين الدين والتعليم". وتم الاستشهاد بنفس السبب لإغلاق مراكز رعاية الأطفال والمدارس الدينية التي يديرها الهوي في خنان، ونينغشيا، ويونان.
وشدد على أن أطفال الهوي أصبحوا أحدث أهداف الجهود الرسمية لفصل أطفال الأقليات عن دين آبائهم وثقافتهم. ويُمنع الشباب في منطقة منغوليا الداخلية ذاتية الحكم من تعلّم لغتهم وتاريخهم، بينما يتم فصل الأطفال في التبت عن عائلاتهم وإرسالهم إلى مدارس داخلية بعيدة عن منازلهم لتعلّم لغة الماندرين. ويُرسل الأطفال الأويغور الذين أصبحوا "أيتامًا" بسبب الاعتقال الجماعي واحتجاز آبائهم في شينجيانغ إلى مدارس أو ما يسمى بمراكز الرعاية التي تهدف إلى تلقينهم معنى أن يكونوا صينيين.
وأورد الكاتب أنه عندما وقعت حادثة البطيخ، كان يقوم بعمل ميداني إثنوغرافي في شاديان، وهي مجتمع صغير لكنه ثري من الهوي يقع على بعد 90 ميلاً من يوشي حيث قُتل أكثر من 1600 من سكان الهوي في يوليو/ تموز 1975 لمقاومتهم سياسات الزعيم الصيني السابق ماو تسي تونغ المعادية للرموز الدينية خلال الثورة الثقافية. في ذلك الوقت، لم تكن المراقبة الصريحة للأطفال قد نُفّذت بعد، ولكن مراقبة الإسلام في المدارس تحت مسمى "الفصل بين الدين والتعليم" كانت جارية بالفعل. فمثلا، مُنعت الموظفات في القطاع المدني من الإدارة المحلية من ارتداء الحجاب. وكان على المعلمات المحجبات تقديم صور شخصية جديدة من دون حجاب، وأزيلت صور التخرج السابقة التي ظهرت فيها معلمات وطالبات محجبات من جدران ممرات المدارس.
فُرضت هذه الإجراءات بعد هجوم بالسكاكين في آذار/ مارس 2014 وقع في العاصمة الإقليمية لمقاطعة يونان، كونمينغ. وزعمت الحكومة الوطنية أن المهاجمين كانوا انفصاليين أويغور وصنّفت الحادثة عملًا إرهابيًا. عندما أصبح معروفًا أن المهاجمين أعدوا هجومهم في شاديان، تعهّدت حكومة المقاطعة "بإعادة الدين إلى المسار القانوني". اشتكى كل من المعلمين وأولياء الأمور من أن القيود المفروضة على الحجاب تفتقر إلى أي مرجعية قانونية وبالتالي فإنها كانت بشكل أساسي معادية للإسلام، بحسب المقال.
وذكر الكاتب أن شي دمج في عام 2018 إدارة الدولة للشؤون الدينية في إدارة عمل الجبهة المتحدة، وهي هيئة أنشأها ماو للتعامل بشكل خاص مع الكيانات والمجتمعات خارج الدائرة الرسمية للحزب الشيوعي الصيني. وعلى هذا النحو، تحوّل الدين من كونه مسألة إدارية إلى قضية أيديولوجية، ما تسبب في تدهور العلاقات المتبادلة التوافقية بين الكوادر المحلية والجماعات الدينية. وبعد ذلك بوقت قصير، أعلنت الجمعية الإسلامية الصينية، وهي الهيئة الإشرافية للحزب على الشؤون الإسلامية في البلاد، عن خطة سياسية خماسية بعنوان "التمسك بتصيّن الإسلام". وصدرت خطط مماثلة عن الهيئات الإشرافية على المجتمعات البروتستانتية والكاثوليكية في الصين. كانت جميعها تؤكد ضرورة التعليم الوطني، في حين أن الخطة التي وضعتها الجمعية الإسلامية فقط كانت تشير إلى فرض الفصل بين الدين والتعليم كشرط مسبق للوطنية.
ووفقا للكاتب، فإنه بموجب هذه الخطة، التي شملت أيضا فرض حظر ارتداء الحجاب على الأطفال في المدارس، بات يترتب عن أي ذكر للإسلام في المدارس عواقب وظيفية. وقالت معلمة لغة صينية محلية من الهوي: "كان من المعتاد أن يكتب الطلاب مقالات عن مسقط رأسهم، يصفون فيه مسجد حيّهم الجميل، والصوت العذب للأذان، والأجواء الاحتفالية لرمضان. لكن هذه الأوصاف باتت مشكلة الآن. فكلمة 'مسجد' وحدها حساسة جدًا. بدلاً من ذلك، نطلب منهم الآن الكتابة عن كيفية تنظيم الحكومة للعديد من الأنشطة المثيرة، وكيف تصبح الحياة أفضل، وكيف تتسع الشوارع. باختصار، يجب أن تعبّر المقالات عن روح الوطنية الآن".
وذكر الكاتب أن مراقبة الإسلام في شاديان أصبحت اليوم منتشرة بين الأطفال، إذ يُمنعون من المشاركة في الأنشطة والأعياد الدينية، ولم يعد يُسمح للمدارس القرآنية بتنظيمها. ويتم جلب معلمين من الهان إلى المدارس القرآنية كوسيلة لجعل المناهج التعليمية الإسلامية علمانية، لتصبح المدارس القرآنية بحسب ما أخبرني به الطلاب والمعلمون تحت مراقبة دقيقة. هذا الشكل من "التصيّن" من خلال المراقبة يعكس تركيز شي جين بينغ الخاص على تلقين قيم الحزب في أفكاره وسياساته. وفي سنة 2018، ترأّس شي المؤتمر الوطني للتعليم، حيث حثّ المعلمين على إعطاء الأولوية لترسيخ الانتماء إلى الحزب بين صفوف الشباب الوطني.
آنذاك، قال شي: "إذا تم تثبيت الزر الأول بشكل خاطئ، فستكون كل الأزرار المتبقية خاطئة. يجب تثبيت قيم الحياة بشكل صحيح منذ البداية". بدأ شي باستخدام هذه الاستعارة في أيلول/ سبتمبر 2014 خلال زيارته لجامعة بكين العادية، حيث التقى بالطلاب الذين يتدربون ليكونوا معلمين. وبعد أسبوع، برّر رئيس الحزب في شينجيانغ آنذاك، تشانغ تشونشيان، حملة "نزع التطرف" وإعادة التأهيل غير المسبوقة بين الأويغور بأنها "تثبيت الزر الأول".
وبعد عقد من تنفيذها، شملت الحملة استخدام تقنية التعرف على الوجه المصنّعة من قبل شركة هيكفيجن الأمنية المملوكة للدولة. وتشير التقارير الأخيرة إلى بدء استخدام هذه التكنولوجيا الآن في المدارس في بقية أنحاء الصين. فعلى سبيل المثال، في تموز/ يوليو 2022، فازت هيكفيجن بعطاء بملايين الدولارات لمشروع الحرم الجامعي الذكي في جامعة مينجيانغ، الواقعة في مقاطعة فوجيان الساحلية. وتضمّن العطاء تطوير نظام يسمى "التحليل المساعد لطلاب الأقليات العرقية" الذي يسمح بتتبع "سجلات الطعام" وإرسال تنبيهات إلى إدارة الجامعة عندما يُشتبه في أن الطلاب يصومون خلال شهر رمضان، وفقا لما أورده المقال.
ونبّه الكاتب إلى أن مجرّد طلب تثبيت هذا النوع من التقنيات في جامعة حكومية هو علامة تنذر بالخطر لما ينتظر الشباب من عرقيات مسلمة في الصين في حال هروبهم من المراقبة في مدارسهم ومدنهم. مثل الأويغور في شينجيانغ، يمكنهم قطع صلتهم بدينهم، لكنهم قد لا يتمكنون أبدًا من الاندماج الكامل مع أغلبية المجتمع الصيني. سيظل ولاؤهم للحزب مشكوكًا فيه، وسيظل تراثهم مبررًا لاستمرار تهميشهم واستعبادهم.