نشر موقع "
أوريون21" الفرنسي، تقريرا، سلّط من خلاله الضوء على "الوضع المحرج الذي تواجهه
السعودية بسبب تحركات الحوثيين في البحر الأحمر".
وقال الموقع، في
تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن "السعودية تحت حكم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تجذب اهتمامًا عالميًا من خلال تعدّد مشاريعها الضخمة، بدءًا من استقطاب نجوم كرة القدم المشهورين، إلى إقامة فعاليات ترفيهية، لكن أكثرها بذخًا وإثارة للجدل مشاريع ابن سلمان السياحية الفاخرة، التي يقع العديد منها على ساحل البحر الأحمر وجزره، وهي تشمل مشاريع حضرية مثل مشروع لاين في نيوم، بالإضافة إلى مدينة تروجينا للرياضات الشتوية المقرر أن تستضيف دورة الألعاب الآسيوية الشتوية لسنة 2029".
وأشار الموقع إلى أن "استكمال تلك المشاريع مشكوك فيه، مع ارتفاع التكاليف وبقاء سعر النفط ثابتًا بشكل كبير. وقد اكتمل واحد منها على الأقل الآن. ففي أيار/ مايو، افتتحت محمية كارلتون، وهي أغلى فندق فخم في المنطقة في جزيرة أمهات النائية، على بعد 180 كيلومترًا شمال غربي ينبع، في الجزء الشمالي من البحر الأحمر".
وتابع: "من الواضح أن أسعار الليلة التي تبدأ من 2600 دولار أمريكي وترتفع إلى 20,000 دولار أمريكي ليست موجّهة للباحثين عن الحياة المرجانية والبحرية من الطبقة المتوسطة".
وأردف التقرير نفسه: "قد يساعد هذا المشروع الخيالي، الذي يواجه ضغوطًا تقنية ومالية، في فهم سبب صمت نظام محمد بن سلمان المفاجئ بشأن التدخلات العسكرية للحوثيين
اليمنيين في البحرين الأحمر والخليج العربي دعمًا لفلسطين".
واسترسل: "عندما بدأت الحرب على غزة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، كان النظام السعودي والحوثيون على وشك إتمام اتفاقية من شأنها أن تنهي رسميًا عقدًا من التورط السعودي في الحرب الأهلية اليمنية. لكن مع تصاعد فعالية الضربات، بما في ذلك الاستيلاء على سفينة غالاكسي ليدر، فقد أصبحت مشكلة البحر الأحمر قضية دولية خطيرة".
إلى ذلك "تزايد عدد السفن التي تحولت بعيدًا عن قناة السويس، متخذة الطريق الأطول حول رأس الرجاء الصالح ما أدى إلى زيادة مدة الشحن بنحو 10 أيام ورفع التكاليف التشغيلية للشحنات المسافرة بين آسيا وأوروبا، كما أنه حرم مصر من الدخل الذي كانت في أمس الحاجة إليه".
رد عسكري غير فعال
أورد
الموقع أن التدخل الدولي المباشر ضد هذه الهجمات بدأ رسميًا في كانون الأول/ ديسمبر مع عملية "حارس الازدهار" بقيادة الولايات المتحدة، التي تميّزت بشيئين رئيسيين: أولهما تأثيرها الطفيف على الوضع، حيث أبقت على قدرة الحوثيين على الإزعاج سليمة، وثانيهما غياب قوات الدول المجاورة.
وفي كانون الثاني/ يناير 2024 تبعتها عملية "بوسيدون آرتشر"، وهي عملية أمريكية بريطانية زادت من تفاقم الوضع، لأنها تضمنت غارات جوية مباشرة في عمق الأراضي اليمنية. وبين كانون الثاني/ يناير ونهاية أيار/ مايو، نفذوا 177 غارة جوية معظمها من قبل الولايات المتحدة.
ورغم تجنّب الأهداف المدنية في الغالب، فإنها لم تظهر للعلن بيانات موثوقة عن تسجيل خسائر بشرية، لكن عودة الغارات الجوية حطّمت التصورات اليمنية للهدوء السائد منذ بدء الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة في نيسان/ أبريل 2022 رغم انتهائها رسميًا في تشرين الأول/ أكتوبر من تلك السنة. ولم تكن هناك أي غارات جوية من قبل التحالف الذي تقوده السعودية على اليمن لأكثر من 18 شهرًا، ما أدى فعليًا إلى تجميد النزاع.
فخّ للسعوديين
أشار الموقع إلى أن "النظام السعودي عالق في تناقضاته الخاصة: من جهة، مفاوضاته مع الولايات المتحدة نحو "تطبيع" العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تهدف (بشكل غير واقعي) إلى منح الإسرائيليين "مكافأة" الاعتراف مقابل التزام جدي مفترض نحو دولة فلسطينية، ومن جهة أخرى، "حل الدولتين" المتكرر الذي يتجاهل رفض القادة الإسرائيليين المتكرّر بنفس القدر لأي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية. وعلى عكس الحظر النفطي في حرب 1973، لم يتّخذ النظام السعودي الحالي أي إجراء عملي لدعم الفلسطينيين".
وأضاف الموقع أن "التصريحات السعوديّة التي تدعو إلى تنفيذ مبادرة الملك عبد الله لسنة 2002 هي مجرّد تكرار دوري. وتتضمن المبادرة إقامة علاقات دبلوماسية من قبل جميع الدول العربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ضمن حدود حزيران/ يونيو 1967 مقابل إقامة دولة فلسطينية مستقلة بالكامل".
وأردف: "لكن ابن سلمان لم يشترط أن يكون هذا شرطًا أساسيًا لـ "التطبيع" مع الاحتلال الإسرائيلي في المفاوضات التي سبقت 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وبهذا، يهدر ابن سلمان فرصة كبيرة للمطالبة بالقيادة كمدافع عن الحقوق التاريخية الفلسطينية. ولو فعل ذلك، فمن المؤكد أن العالم العربي والإسلامي بأسره سينسى عدم احترامه لأبسط حقوق الإنسان".
ومضى
التقرير بالقول: "إن سلبية النظام (وجميع الدول العربية الأخرى) تتناقض مع غضب المواطنين من الإبادة الجماعية الإسرائيلية التي تُرتكب في غزة على مرأى ومسمع العالم. وفي حين يُمنع السعوديون من إظهار دعمهم لأهل غزة، فإن النظام لا يستطيع معارضة أفعال الحوثيين علنًا، لأن الحوثيين هم السلطة الوحيدة في المنطقة التي تعمل لدعم فلسطين، بغض النظر عن أن تدخّلاتهم لها تأثير أكبر على التجارة العالمية بدلاً من التأثير المباشر على دولة الاحتلال الإسرائيلي".
وأورد الموقع أن "الصمت الرسمي السعودي يعترف بشعبية أفعال الحوثيين وحقيقة أن انتقادهم سيُعتبر دعمًا مفتوحًا لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا من شأنه أن يعرّض انسحاب السعودية من المستنقع اليمني للخطر. ومن المحتمل أن يكون هذا أيضًا أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت السعوديين إلى منع استخدام أراضيهم لشنّ ضربات أمريكية وبريطانية ضد الحوثيين، وإنكارهم تورّط السعودية في إسقاط الصواريخ الإيرانية التي استهدفت الاحتلال الإسرائيلي في 13 نيسان/ أبريل الماضي".
"لقد كان عزم السعودية على إنهاء تورطها في اليمن واضحًا منذ ثلاث سنوات على الأقل، وبعد الفشل في هزيمة الحوثيين عسكريًا وإعادة الحكومة المعترف بها دوليًا إلى السلطة، فقدت القيادة السعودية، وخاصة ابن سلمان، الاهتمام تمامًا بالقضية اليمنية" يتابع التقرير نفسه.
ويوضح: "هذا الفشل يذكِّر بسياساته الإقليمية المبكّرة، وتركيز جهوده الدبلوماسية الحالية منصب على نجاح العناصر الاقتصادية لرؤية 2030. لذلك، فإن إنهاء تورط السعودية في الحرب في اليمن وضمان أمن الحدود يعد الأولوية".
الاستقرار في غياب السلام
أوضح الموقع أن "السعوديين كانوا يتفاوضون بشكل مباشر على اتفاق أحادي الجانب مع الحوثيين في عملية تهمّش أيضًا الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا؛ ويذكّر منهجهم هذا باتفاقية إدارة ترامب الأمريكية مع طالبان في سنة 2020، التي تجاهلت بالكامل الحكومة الرسمية للبلاد، والتي انتهت بفوضى آب/ أغسطس 2021 عندما استولت طالبان على كابول".
وتابع: "يكمن الفرق الرئيسي في حالة السعودية واليمن، في ترتيب شكلي يتم فيه تمويه طبيعة الصفقة بحيث تتخذ شكلًا من أشكال الاتفاق بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، حيث يوقّع السعوديون باعتبارهم مجرد شهود".
"بإقناعهم الحوثيين بقبول هذا التعريف الجديد للدور السعودي، يتجنب النظام السعودي احتمالا حقيقيا لتوجيه تهم ضده في المحاكم الدولية بارتكاب جرائم حرب بسبب الأفعال المرتكبة بين سنتي 2015 و2020. وبالنسبة للحوثيين، فإن الاتفاق يخدم مصالحهم، ذلك أنه يعترف بهم رسميًا كمنتصرين في ما كانوا دائمًا يؤكدون أنها حرب بين اليمن والسعودية، معتبرين أنفسهم الممثلين الشرعيين للدولة اليمنية" بحسب
التقرير.
ونبّه الموقع إلى أن "صيغة هذا الاتفاق الذي تم فرضه على كل من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والوسطاء التابعين للأمم المتحدة، سوف تضعف الأولى بشكل أكبر، تاركةً الحوثيين في موقف قوي للمرحلة التالية، وهي مفاوضات السلام بين الفصائل اليمنية المتناحرة بوساطة الأمم المتحدة".
وتابع: "بالإضافة إلى قوتهم العسكرية وسيطرتهم على 70 بالمئة من سكان البلاد، فإنهم يتمتعون الآن بمكانة دولية بفضل دعمهم فلسطين ومهاجمة المصالح الإسرائيلية وكونهم قوة معترفا بها دولياً. في المقابل، فإنه من غير المحتمل أن يقدّم السعوديون أي دعم دبلوماسي أو سياسي كبير، ناهيك عن الدعم العسكري، للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا المنقسمة والضعيفة".
مماطلة الولايات المتحدة
منذ كانون الثاني/ يناير، عندما شنّت الولايات المتحدة غارات جويّة على اليمن، أرسلت واشنطن رسائل متناقضة حول حكمة إتمام الصفقة بين الحوثيين والسعودية. في البداية، دعت إلى تأجيل الصفقة بنشاط أو إلغائها، ومؤخرًا عادت لطلب المضي فيها قدمًا، وربما يكون الإصرار السعودي على المضي قدما هو السبب وراء تغير الموقف الأمريكي.
وأحد مبررات الحوثيين الرئيسية لإبرام اتفاق نهائي مع السعوديين الصعوبات المالية الحالية. فإن الدعم الإنساني أقل بكثير مما كان عليه في السنوات الأخيرة حيث تم تمويل 21 بالمئة فقط من خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة حتى 31 أيار/ مايو.
كما أن تراجع الحركة التجارية في موانئ البحر الأحمر اليمنية يؤثّر على إيرادات الجمارك الخاصة بهم، وبالتالي فإن دفع السعوديين لرواتب الدولة بما في ذلك رواتب العسكريين وموظفي الأمن لمدة تصل إلى سنة هو حافز رئيسي لإتمام الاتفاقية المقترحة. ولكن الاتفاقية تتأثر بتصنيف الولايات المتحدة للحوثيين "مجموعةً إرهابية عالمية محددة بشكل خاص" في كانون الثاني/ يناير 2024، ما سيعقّد بلا شك إجراءات المعاملات المالية القياسية.
التأقلم مع الحوثيين
مع أن الاتفاق الحوثي السعودي لن يُظهر نجاح المشروع السعودي في اليمن، إلا أنه سيفي بالطلبات الرئيسية الحالية للنظام السعودي: حدود آمنة على طول المناطق الغربية المكتظة بالسكان في اليمن، وحريّة التركيز على خططهم الاقتصادية الداخلية. وتفسر قضية الحدود الطويلة مع حضرموت استمرار إصرار السعودية على منع وقوع تلك المحافظة المهمة تحت سيطرة القوات المدعومة من الإمارات.
وتحظى السعودية بدعم كبير من القوى السياسية والاجتماعية والعسكرية الحضرمية ما منع حدوث ذلك حتى الآن. وحضرموت هي المكان الذي تتزايد فيه التباينات مع الإمارات، وكذلك في النزاعات المستمرة بين أعضاء المجلس الرئاسي الذين تم اختيارهم بشكل مشترك من قبل السعودية والإمارات سنة 2022. ويبقى أن نرى ما إذا كانت الإمارات ستحافظ على التزامها العميق تجاه الفصائل اليمنية المتنازعة بمجرد عدم انخراط السعوديين.
يجدر أيضًا التساؤل عن ما إذا كان النظام السعودي الجديد "الليبرالي" سيكون سعيداً بوجود جار إسلامي أصولي، نظرًا لأن الحوثيين ليسوا من السنة الوهابيين. وتوجد اختلافات دينية ولكن ممارساتهم اليومية متشابهة إلى حد كبير اجتماعيًا وسياسيًا. وعلى الرغم من أن ابن سلمان قد سيطر على الأصوليين في مملكته، إلا أنه لم يتخلَ عن الدين كوسيلة للسيطرة الاجتماعية.
ومع إصرارها على إحراز تقدم في صفقتهم ذات المنفعة المتبادلة، فقد تجنّبت السعودية التعبير عن معارضتها لمغامرات الحوثيين في البحر الأحمر، وحافظت على تقاربها مع إيران. لكن هذا الاتفاق سيترك الصراع الداخلي اليمني في مأزق، مع وجود خلل عميق مثير للقلق في ميزان القوى بين الأطراف المتنازعة، ولا شك أن الضحية الرئيسية، كما كان الحال طوال هذا الصراع، هو الشعب اليمني.