تصاعدت في الآونة الأخيرة الدعوات لوقف تنفيذ أحكام في
العراق إذ شهد الشهر الماضي إعدام نحو 32 شخصا دون الإعلان رسميا عن هذه العمليات.
وأدانت العديد من المنظمات الحقوقية إقدام السلطات العراقية على تنفيذ أحكام الإعدام بمعتقلين انتزعت اعترافاتهم تحت التعذيب، ومن دون مراعاة طلبات إعادة النظر بقضاياهم.
وتتهم السلطات العراقية من قبل منظمات حقوقية دولية بممارسة التعذيب ضد المعتقلين في
السجون وتنفيذ
إعدامات ممنهجة بناء على خلفيات طائفية.
إعدامات مفاجئة
"عربي21” تواصلت مع ذوي أحد المنفذ بهم حكم الإعدام والذي بدوره تحدث عن التفاصيل التي رافقت تنفيذ حكم الإعدام بشقيقه.
يقول قتيبة العبيدي: "اعتقل شقيقي عبد العزيز أواخر عام 2011 في طريق عودته من الأنبار إلى بغداد، واستمرت جهود البحث عنه نحو 8 أشهر لنعرف بعدها أنه معتقل في سجن مطار المثنى، من دون توجيه أي تهمة له".
ويتابع: "استمر الاعتقال بدون تهمة قرابة السنة والنصف، حتى فوجئنا برفع أوراق عبد العزيز إلى المحكمة وعند الجلسة الثانية التي استمرت 15 دقيقة حكم عليه بالإعدام".
"نقل بعدها عبد العزيز إلى سجن الناصرية -سيئ الصيت- ومنذ ذلك الحين حاولنا بشتى الطرق إعادة محاكمته حتى وصلت تكاليف المحاولات إلى نحو 80 ألف دولار"، وفقا لقتيبة.
ويقع سجن الحوت في مدينة الناصرية، في محافظة ذي قار، جنوب العراق، ويضم نحو 40 ألف معتقل، وهو أكبر السجون العراقية بعد إغلاق سجن أبو غريب.
وتابع، "كان الحكم مبنيا على اعترافات انتزعت تحت التعذيب الشديد والتهديد بالاغتصاب حتى اعترف شقيقي على قضايا في مدن لم يزرها قط".
وأردف: "فوجئنا أواخر نيسان/ أبريل الماضي باتصال من السجن يطلب منا استلام جثة شقيقي الذي أعدم من دون إخبارنا ولا إبلاغه حتى".
وختم، "لم نستطع استلام الجثمان إلا بعد دفع رشوة وهددنا ضباط الاستخبارات بالاعتقال في حال أقمنا له مجلس عزاء".
المشنقة فوق القانون
في قصة أخرى يروي عبدالاله القيسي حادثة إعدام نجله في سجن "الحوت" الناصرية رغم امتلاكه تقارير طبية تثبت تعرضه للتعذيب.
يقول القيسي: "اعتقل ولدي عمر خلال عودته إلى العراق بعد إكمال شهادة الماجستير في مصر عام 2016 وبعد طول بحث وجدنا أنه قابع في سجن سري ببغداد".
واتهم الشاب المعتقل بالمسؤولية عن تفجيرات حدثت في بغداد، يقول والده إن "تواريخها تتطابق مع تواريخ وجود نجله خارج القطر، إلا أنه اعترف بذلك تحت التعذيب".
وأعدمت السلطات عمر القيسي "36 عاما" في سجن الناصرية خلال شهر شباط/ فبراير الماضي من دون الإعلان عن ذلك رسميا.
وأكد القيسي أن محكمة التمييز لم تنظر للتقارير الطبية التي تثبت تعرض نجله للتعذيب الشديد ولا حتى بوجود ابنه خارج العراق عند وقوع التفجيرات التي اتهم بالتورط فيها.
وبحسب القيسي، فقد أبلغته السلطات بمنع إقامة مجلس عزاء وحذرته من الحديث لوسائل الإعلام أو في مواقع التواصل الاجتماعي.
أشار القيسي نقلا عن معتقلين كانوا برفقه ولده، إن سلطات جاءت يوم تنفيذ الإعدام وأخبرت من نودي عليهم بأنهم سيُنقلون إلى سجن آخر، لكنهم تفاجأوا ليلا بخبر تنفيذ أحكام الإعدام بحقهم.
"انعدام مروع للشفافية"
في أواخر نيسان/ أبريل الماضي، قالت
منظمة العفو الدولية إن السلطات العراقية أقدمت على إعدام 13 رجلا على الأقل في الـ 22 من ذات الشهر في سجن الناصرية المركزي، بمحافظة ذي قار الجنوبية، بعد إدانتهم بتهم إرهاب فضفاضة ومبهمة للغاية.
وذكرت المنظمة أنه يساورها القلق من أن العديد من الأشخاص غيرهم ربما أُعدموا سرا وسط انعدام مقلق للشفافية في ما يتعلق بالإعدامات التي نُفّذت في العراق في الأشهر الأخيرة.
وكانت مصادر أمنية قد أكدت سابقا لوسائل الإعلام إعدام 13 رجلًا في 25 كانون الأول/ ديسمبر 2023، إلا أن نشطاء ومحامين يمثلون سجناء محكوما عليهم بالإعدام أبلغوا العفو الدولية أن العشرات من الأشخاص الإضافيين قد أُعدموا منذ 10 نيسان/ أبريل، مضيفين أن السلطات لم تعطِ إشعارا مسبقا للسجناء، أو لأسرهم ومحاميهم.
ونقلت المنظمة عن رازاو صالحي، الباحثة المعنية بالعراق في منظمة العفو الدولية قولها، إن "الإعدامات الأخيرة في العراق مروّعة وتُسبّب الإحباط. فعلى مدى سنوات، ابتُلي نظام
القضاء في العراق بإرث من
الانتهاكات والتجاوزات في ما يخص حقوق الإنسان، ما أدى إلى الحكم بالإعدام على الآلاف من الأشخاص عقب محاكمات بالغة الجور”.
وأضافت: "قد ترقى الإعدامات التي تُنفَّذ عقب محاكمات لا تستوفي المعايير الدولية لحقوق الإنسان إلى حد الحرمان التعسفي من الحياة. وعلى الحكومة العراقية أن تفرض على الفور وقفًا رسميًا لعمليات الإعدام وأن تعمل على إلغاء عقوبة الإعدام برمتها”.
"محاكمات فادحة الجور"
وذكرت المنظمة، أن "من بين الرجال الذين أُعدموا في 22 نيسان/ أبريل أُدين 11 رجلًا على أساس انتمائهم لتنظيم الدولة.
وأخبرت محامية معتقلين آخرين منظمة العفو الدولية بأنهما أُدينا بتهم تتعلق بالإرهاب بموجب قانون العقوبات عقب محاكمة فادحة الجور، وكانا قد احتُجزا منذ عام 2008.
وقالت المحامية إنهما تعرضا للتعذيب ثم أُرغما على توقيع مستندات لم يُسمح لهما بقراءتها. وقالت المحامية إن قاضيًا أبلغهما فيما بعد بأن المستندات كانت اعترافات وحكم عليهما بالإعدام. وتقدّم الرجلان بطلب لإعادة محاكمتهما بسبب زعميهما بأن اعترافيهما قد انتُزعا تحت وطأة التعذيب.
وقد اطلعت العفو الدولية على مستندات صادرة عام 2020 عن اللجنة القضائية المكلفة بمراجعة هذه الطلبات، والتي قالت إنه لا يمكن إجراء مراجعة للقضيتين بموجب القانون لأن ملفات القضيتين قد فُقدت.
وتحدث محاميان للمنظمة عن وجود نحو 150 شخصا معرّضين لخطر الإعدام الوشيك بعدما صدق على الطلبات.
ويُعتقد أن هناك ما يزيد على الـ 8,000 سجين محكوم عليهم بالإعدام في العراق.
وتشير المعلومات المتوافرة لدى منظمة العفو الدولية إلى أن عددًا غير محدد من السجناء قد أُعدموا في 6 كانون الثاني/ يناير.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه أخبر أحد النشطاء العفو الدولية بأن أحد أفراد أسرة سجين محكوم عليه بالإعدام فيه في الناصرية قال إن الحراس أخرجوا 12 سجينًا على الأقل من زنازينهم في منتصف نيسان/ أبريل ولم يُعيدوهم بتاتا، وإن الحراس أعلموا فيما بعد باقي نزلاء هذه الزنازين بأن بإمكانهم أن يأخذوا متعلقات الرجال الذين أُخرجوا. ويساور منظمة العفو الدولية القلق من أن يكون أولئك الرجال قد أُعدموا.
أعداد كبيرة
ومنتصف الشهر الجاري، كشف مرصد "أفاد" الحقوقي العراقي عن تنفيذ السلطات عشرات أحكام الإعدام في العراق خلال الأسابيع الماضية.
وذكر مرصد "أفاد" الحقوقي في بيان، تسجيل 63 حالة إعدام لم تعلن عنها السلطات العراقية في سجن الناصرية جنوب البلاد.
وقال المرصد: "من خلال إفادات حصل عليها لمعتقلون داخل سجن الحوت بالناصرية، يظهر أن السلطات، وبإيعاز من رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، سرعت وتيرة تنفيذ أحكام الإعدام في العراق خلال الشهرين الماضيين بحق محكومين بتهم الإرهاب تحديدا".
وتابع: "أظهرت عمليات الإعدام الأخيرة لمحكومين منذ سنوات طويلة بعضهم من عام 2008 و2007، أنهم كانوا قد قدموا تظلمات تطالب بعرضهم على القضاء، وتؤكد براءتهم من تهم نسبت إليهم أو باعترافات انتزعت تحت التعذيب".
واتهم المرصد الحكومة العراقية "بتجاهل كل الدعوات الأممية والدولية بإعادة النظر بأحكام الإعدام في العراق التي استسهلتها الحكومات السابقة والأجهزة القضائية في أجواء تفتقر للعدالة والمحاكمات الشفافة"، وفق البيان.
ووفقا للمرصد، فقد "تصدرت محافظة صلاح الدين أعلى نسبة بمن تم تنفيذ حكم الإعدام بحقهم، حيث تجاوز العدد الـ32 محكوما بينهم شقيقان اثنان، وقد نُفذ حكم الإعدام بشخص تجاوز عمره الـ74 عاما من مدينة تكريت، وبمعتقل آخر قبع ما يزيد على الـ 16 عاما في السجن".
وسجل المرصد "وصول جثمان شخص من سكان مدينة الرمادي سبق أن أيد تقرير طبي صادر عن لجنة بوزارة الصحة تعرضه للتعذيب والضرب في الفترة التي تم التحقيق معه فيها في سجن ببغداد عام 2018، لكن تم تجاهل التقرير، وطلبت إعادة المحكمة إعدامه مطلع الشهر الحالي".
تكتم شديد
وأكد المرصد، أن "عمليات الإعدام متواصلة بأسلوب جديد، من خلال إعدام المحكومين دون الإعلان عن ذلك رسميا، وإبلاغ ذويهم عبر الهاتف بالمجيء إلى الطب العدلي في الناصرية؛ بغية تسليمهم، مع توقيعهم على تعهدات بعدم الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي أو التحدث لوسائل إعلام، وعدم إقامة مجالس عزاء لذويهم، وحتى منعهم من فتح النعش لمعاينة الجثة".
واستدرك بأن "قوة أمنية ترافق ذوي المعدومين إلى المقبرة لدفن الجثة، تمثل واحدة من أسوأ صور انتهاكات حقوق الإنسان".
وقال المرصد، إن رفض السلطات النظر بطلبات عرض المعتقلين المحكومين بالإعدام على لجان طبية أو استئناف محاكمتهم يمثل دليلا على "رغبة تنكيل جديدة بحق المعتقلين المحكومين بالإعدام، ممن يتخطى عددهم الحالي الآلاف".
وحمل المرصد رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد "مسؤولية إعدام الكثير من الأبرياء، عبر التوقيع على أوامر الإعدام".
وطالب المنظمات الأممية والحقوقية بالتدخل لوقف عمليات الإعدام، التي باتت تنفذ بشكل أسبوعي، دون إعلان مسبق، مع إجراءات تنفيذ غير إنسانية تتضمن ترهيبا وحربا نفسية تستمر لساعات.
"أوقفوا الإعدامات"
ودشن ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة تطالب بإيقاف عمليات الإعدام في العراق.
واتهم المشاركون في الحملة الحكومة العراقية بتصفية المعتقلين واستهداف الغالبية منهم وفق أجندة طائفية.