منذ أيام تشهد الساحة
العراقية، أزمة حادة بين أعلى محكمتين في البلد، وذلك بعدما تصدّت محكمة التمييز، لأحد قرارات
المحكمة الاتحادية العليا واعتبره "غير بات"، الأمر الذي أثار جدلا حول ما أصدرته الأخيرة سابقا من قرارات تسببت بأزمات سياسية كبيرة في العراق.
قرار المحكمة الاتحادية كان يتعلق بحكم أصدرته لصالح محام تقدّم بشكوى ضد رئيس مجلس
القضاء الأعلى، فائق زيدان، لرفضه الموافقة على إحالته إلى التقاعد، لكن محكمة التمييز وجدت غير ذلك، وأن قرار الأولى "تجاوز على السلطة التشريعية وماس بالشأن القضائي".
وأصدرت "الاتحادية" مؤخرا قرارات عدة أثارت جدلا واسعا في البلاد، كان من أبرزها، إنهاء عضوية رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، وأخرى كثيرة تتعلق بإقليم كردستان، تخص الجوانب المالية والنفطية وحتى الانتخابية، والتي عدّتها سلطات الإقليم استهدافا سياسيا متعمدا.
"تحجيم الاتحادية"
وفي تطور متسارع، استضاف رئيس مجلس القضاء العراقي، فائق زيدان، الاثنين، اجتماعا مشتركا ضم نواب رئيس محكمة التمييز ورئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية بحضور رئيس الإشراف القضائي.
ووفقا لبيان صادر عن القضاء الأعلى، فإن زيدان ناقش مع المجتمعين، اختصاص المحكمتين، واتفقوا على الالتزام بما نص عليه
الدستور والقوانين النافذة التي حددت اختصاصات المحكمتين.
وشدد رئيس مجلس القضاء الأعلى على أنه "في حال التوجه للاجتهاد بما لم يرد به نص دستوري أو قانوني، يصار إلى عقد اجتماع مشترك للوصول إلى رأي متفق عليه"، بحسب البيان.
وتعليقا على ذلك، قال عماد باجلان، الكاتب والمحلل السياسي من إقليم كردستان لـ"عربي21"، إن "هناك صراعا واضحا بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية، وأن الأخيرة في كثير من الأحيان تجاوزت اختصاصاتها الحصرية التي نص عليها الدستور، لأن قراراتها باتة وملزمة وفق المادة الدستورية رقم 94".
ورأى باجلان ضرورة "سن قانون للمحكمة الاتحادية للابتعاد عن الجدلية الأزلية للقرارات، وذلك بأغلبية ثلثي مجلس النواب، حتى يتبين ما هو للمحكمة وما عليها، لأنها أصبحت في كثير من الأحيان محكمة تحقيقية أو جنائية، تبت في قضايا التزوير وغيرها، وهذا مخالف للدستور".
وأكد الباحث الكردي أن "الكثير من قرارات المحكمة الاتحادية العليا كانت ذات طابع سياسي بحت، وخصوصا ما يتعلق بإقليم كردستان العراق، كونها بعيدة عن الدستور والواقع".
ولفت باجلان إلى أن "مجلس القضاء الأعلى لم يخط هذه الخطوة الأخيرة من أجل إقليم كردستان، وإنما هناك صراع واضح بين الجهتين القضائيتين من أجل المناصب والصلاحيات، وأن الأول استطاع إلى حد ما تحجيم وكبح جماح المحكمة الاتحادية".
وتابع: "بنود الدستور التي تخص القضاء والمحكمة الاتحادية، واضحة ولا تحتاج إلى تأويلات وتفسيرات، ولكن للأسف غالبية قوى الإطار التنسيقي استخدمت هذه المحكمة سلاحا فتاكا ضد كل خصومهم، سواء الأكراد أو السنة أو التيار الصدري، وهذا مخالف للأعراف والقوانين".
وشدد على أن "الصراع قوي جدا بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية، وأن الأيام المقبلة ستثبت كيف ستكون نتائج الاجتماع الأخير على أرض الواقع من خلال القرارات التي تصدر عنهما لاحقا".
"خطوة ممتازة"
وفي المقابل، قال الخبير القانوني علي التميمي، إن "الاتفاق الذي حصل تحت خيمة مجلس القضاء الأعلى بين المحكمتين الاتحادية والتمييز، ينسجم مع الدستور العراقي، حيث أن مجلس القضاء هو السلطة الأولى في البلد والخيمة التي تكون تحتها مكونات السلطة القضائية".
وأوضح التميمي لـ"عربي21" أن "مجلس القضاء الأعلى بموجب المادة 89 من الدستور، تنضم تحت خيمته محكمتا التمييز والاتحادية والادعاء العام والإشراف القضائي وبقية المحاكم، هذا من ناحية القرار الداخلي، وبالتالي الاتفاق يكون في مسألة الاجتهادات التي لم يرد فيها نص دستوري"".
وأعرب عن اعتقاده بأن "قرار مجلس القضاء سيؤسس لهيئة تنسيق بين الجهات القضائية، وربما يؤدي إلى تشريع قانون خاص، وذلك بتقديم مقترح من مجلس القضاء إلى مجلس الوزراء أو رئاسة الجمهورية، أو يضاف إلى قانون المحكمة الاتحادية إذا جرى تشريعه في البرلمان".
ورأى التميمي أن "ما ذهب إليه مجلس القضاء الأعلى، يُعدّ حلا ممتازا، خصوصا أن النصوص الدستورية في العراق عائمة وفيها عوارض، وتحتاج إلى تفسيرات".
ونفى الخبير القانوني أن "ما حصل ليس له علاقة بقرارات المحكمة الاتحادية التي اتخذتها مؤخرا وتتعلق بالقضايا السياسية، لأنها تعمل وفق قانونها المقر في البرلمان عام 2005، وطبقا لمواد الدستور 92، 93، 94، وكذلك محكمة التمييز تعمل وفق قوانين خاصة بها، بالتالي هذا الاتفاق لا يعني التدخل في شؤون المحكمتين".
وتابع: "الاتفاق يتحدث عن الأمور التي لا يوجد فيها نصوص دستورية، وهذه تتعلق بالأمور الطارئة التي تفتح باب الاجتهاد، وهذا الأمر يشير إلى الاستثناء وليس بالعموم".
وأردف التميمي، قائلا: "كل أعمال المحاكم العراقية منظمة بنصوص قانونية، لكن توجد وقائع ليست فيها نصوص، وهنا يحصل الاجتماع بين المحاكم تحت خيمة مجلس القضاء الأعلى، إلا أنه ليس معلوما كيف تتم عملية الاجتماع هل تشكّل هيئة خاصة بذلك أم ماذا؟".
ونوه الخبير القانوني إلى أن "قرارات المحكمة الاتحادية السابقة لا يمكن التراجع عنها فهي باتة وفق المادة 94 من الدستور، وتسمى في القانون حجية الأحكام وفق المادتين 105 و106 من قانون الإثبات، ولا يمكن الرجوع إليها والتعديل فيها قطعا".
وتشير المواد (92، 93، 94) من الدستور العراقي، إلى أن "المحكمة الاتحادية العليا"، هيئة قضائية مستقلة ماليا وإداريا، ويسن قانونها بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب. وتختص في الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وتفسير نصوص الدستور. وقراراتها باتة وملزمة للسلطات كافة.