نشرت
صحيفة "
الغارديان" مقالا لمدير مركز هاكوبكيفوركيان لدراسات الشرق
الأدنى، وأستاذ الصحافة في جامعة نيويورك، محمد بزي، قال فيه إن الرئيس الأمريكي أهدر نفوذه على
نتنياهو حتى مع
استمرار الزعيم الإسرائيلي في تقويضه.
فمنذ هجمات
السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أظهر جو
بايدن دعما شبه مطلق لـ"إسرائيل"
وقادتها. وأرسلت إدارته المئات من شحنات الأسلحة التي مكنت الجيش الإسرائيلي من
مواصلة حربه الوحشية على
غزة. كما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في
مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنع قرارات متعددة تطالب بوقف إطلاق النار.
وقوضت شرعية كل من محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية بسبب
انتقاداتهما للإجراءات الإسرائيلية. كان بايدن على استعداد لتدمير واجهة النظام
الدولي القائم على القانون لحماية "إسرائيل" والحكومة المتطرفة لرئيس
وزرائها بنيامين نتنياهو.
قد يعتقد
الشخص أن نتنياهو سيُظهر امتنانا عميقا لحليف مثل بايدن الذي يُظهر مثل هذا الدعم
غير المشروط لما يقرب من تسعة أشهر، وغالبا ما يتصرف ضد مصالحه الخاصة ومصالح
الولايات المتحدة الأكبر. وبدلا من ذلك، دأب نتنياهو على تجاهل وتحدي حليف "إسرائيل"
الأكثر أهمية ــ ولم يدفع أي ثمن في مقابل ذلك.
والآن،
يسخر رئيس الوزراء الإسرائيلي علنا من بايدن وإدارته: ففي 18 حزيران/ يونيو، أصدر
نتنياهو مقطع فيديو باللغة الإنجليزية يدعي فيه أن الولايات المتحدة تحجب الأسلحة
التي تحتاجها "إسرائيل" لمواصلة حربها. وفي 23 حزيران/ يونيو، واصل
نتنياهو التنفيس عن ازدرائه لبايدن والدعم الأمريكي الشامل، وأخبر مجلس الوزراء
الإسرائيلي أن إدارة بايدن خفضت بشكل كبير إمدادات الأسلحة في الأشهر الأخيرة.
في
الواقع، قام بايدن بتعليق شحنة ذخيرة واحدة إلى "إسرائيل"، والتي تتكون
في الغالب من قنابل تزن 2000 رطل والتي يمكن أن تسبب خسائر مدمرة عند إسقاطها على
المراكز السكانية، كما فعل الجيش الإسرائيلي باستمرار في غزة. ولكن بعد أقل من
أسبوع، غيّر بايدن مساره واستأنف إرسال أسلحة أكثر بكثير من تلك التي أخرها. وفي
منتصف شهر أيار/ مايو، أبلغت الإدارة الكونغرس بأنها ستمضي قدما في صفقات أسلحة
جديدة لـ"إسرائيل" تزيد قيمتها تزيد عن مليار دولار، حتى عندما أصبح من
الواضح أن نتنياهو تحدى شهورا من تحذيرات بايدن وكان يمضي قدما في الغزو البري لمدينة
رفحفي أقصى جنوب قطاع غزة، حيث لجأ إليها أكثر من مليون فلسطيني.
فشل
بايدن في استخدام النفوذ الأكثر فعالية الذي يتمتع به على الحكومة الإسرائيلية:
وقف شحنات الأسلحة الأمريكية وإجبار نتنياهو على قبول اتفاق وقف إطلاق النار الذي
تحاول إدارة بايدن التوسط فيه منذ أشهر. وبدلا من ذلك، أظهر بايدن ضعفا وبدد أي
تأثير كان يمكن أن يكون له على نتنياهو والحرب الإسرائيلية، التي أودت بحياة أكثر
من 37 ألف فلسطيني ودفعت غزة إلى حافة المجاعة.
لقد
تحولت غزة إلى فشل بايدن الأخلاقي والسياسي الخارجي الأكثر إثارة للحيرة كرئيس:
لماذا سمح لنتنياهو بتقويضه، ولماذا تستمر إدارة بايدن في الرد بطريقة غير كفؤة
على زعيم أجنبي يعتمد على الولايات المتحدة أكثر بكثير من عكس ذلك؟
لقد بنى
بايدن ما يسمى بإستراتيجية "عناق الدب" لإبقاء نتنياهو قريبا منذ بداية
الحرب - حيث عانق الرئيس الأمريكي الزعيم الإسرائيلي حرفيا خلال زيارة إلى تل أبيب
في تشرين الأول/ أكتوبر. وقال بايدن ومساعدوه إنه يمكن أن يكون له تأثير أكبر على
تصرفات "إسرائيل" من خلال تقديم الدعم في العلن، بينما يقيد نتنياهو
وحلفائه المتطرفين سرا. لكن هذا النهج لم ينجح قط، وكان نتنياهو يستغل بايدن منذ
البداية، كما حاول أصدقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي وأعداؤه أن يقولوا للإدارة
الأمريكية. ولسبب غير مفهوم، بالكاد قام بايدن بتعديل استراتيجيته: فقد انتقد
نتنياهو علنا، ولكن عندما يتجاهل الزعيم الإسرائيلي الولايات المتحدة أو يتحداها،
يواصل بايدن مساعدته غير المشروطة بتدفق مستمر للأسلحة والغطاء الدبلوماسي لحماية "إسرائيل"
من اتهامات بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في غزة.
في
الواقع، لا يُظهر نتنياهو فقط افتقارا ملحوظا للامتنان لبايدن في شكواه الأخيرة
بشأن تأخر شحنات الأسلحة - بل يحاول رئيس الوزراء تدمير قدرة بايدن على استخدام
الأسلحة الأمريكية كوسيلة ضغط على "إسرائيل". ولأن بايدن تردد بسرعة بعد
تعليق حزمة واحدة من القنابل في شهر أيار/ مايو، فإن نتنياهو يحقق النجاح. ولم تعد
إدارة بايدن تهدد بتأخير أو إلغاء شحنات الأسلحة الأخرى لإجبار "إسرائيل"
على تغيير تكتيكاتها. وبدلا من ذلك، تنفق الإدارة طاقتها في الدفاع عن نفسها ضد
ادعاءات نتنياهو المحسوبة بأن الولايات المتحدة لا تزود "إسرائيل" بما
يكفي من الأسلحة.
زار الأمن
الإسرائيلي، يوآف غالانت، واشنطن الأسبوع الماضي والتقى بمسؤولين أمريكيين قاموا باستعراض
مئات شحنات الأسلحة الأمريكية إلى "إسرائيل" منذ تشرين الأول/ أكتوبر سطرا
بسطر. ومن أجل دحض اتهامات نتنياهو بشكل أكبر، كشفت إدارة بايدن علنا لأول مرة عن
ثمن الدعم الأمريكي لـ"إسرائيل" منذ هجوم حماس: 6.5 مليار دولار من
الأسلحة والمساعدات الأمنية الأخرى، مع الموافقة على ما يقرب من 3 مليارات دولار
من هذا المبلغ في أيار/ مايو. ويتم دفع كل هذا من قبل دافعي الضرائب الأمريكيين،
لأن "إسرائيل" هي أكبر متلق إجمالي للمساعدات الخارجية الأمريكية في
العالم، حيث تلقت حوالي 310 مليار دولار (معدلة حسب التضخم) منذ تأسيس الدولة في
عام 1948.
وذكرت
صحيفة واشنطن بوست أن مذكرة داخلية تم توزيعها على الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس
أوضحت أن الدفعة الوحيدة من الذخائر الثقيلة التي علقها بايدن في أيار/ مايو تمثل "أقل
من 1٪ من إجمالي الدعم العسكري الذي قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل منذ بداية
هذا الصراع".
ومع
ذلك، يتجاهل نتنياهو شحنات الأسلحة الأمريكية الضخمة منذ تشرين الأول/ أكتوبر،
ويستخدم بنجاح تلك الشحنة المؤجلة لتقويض بايدن والتشكيك في التزامه تجاه الدولة
اليهودية. ويشعر بايدن ومساعدوه الآن بالقلق من أن نتنياهو سيستخدم خطابا أمام
جلسة مشتركة للكونغرس في 24 تموز/ يوليو لمهاجمة الرئيس مرة أخرى، وهو ما يصب في
مصلحة الجمهوريين في مجلس النواب الذين دعوا نتنياهو للتحدث رغم اعتراضات الإدارة.
قاوم الزعماء الديمقراطيون في الكونغرس في البداية، لكنهم تراجعوا بعد ذلك وانضموا
إلى الدعوة التي قادها الجمهوريون.
وفي عام
2015، استخدم نتنياهو خطابا مماثلا في الكونغرس لانتقاد الرئيس الأمريكي باراك
أوباما، وجهود إدارته في ذلك الوقت للتفاوض على اتفاق للحد من برنامج إيران
النووي. ويبدو أن نتنياهو سيستخدم خطابه هذه المرة لمهاجمة بايدن خلال الانتخابات
الرئاسية الأمريكية لكونه غير داعم بشكل كافٍ للحرب الإسرائيلية - على الرغم من كل
الأدلة التي تشير إلى عكس ذلك. ويحاول رئيس الوزراء وحلفاؤه تقويض بايدن ويفضل أن
يكون دونالد ترامب رئيسا مرة أخرى.
كان من
الواضح منذ أشهر أن نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب في غزة، وقد عمل على تخريب
المفاوضات التي تتوسط فيها الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار والاتفاق على إطلاق
سراح الرهائن المتبقين الذين تحتجزهم حماس. وبمجرد انتهاء الحرب، يشعر نتنياهو
وحلفاؤه من اليمين المتطرف بالقلق من احتمال مواجهة انتخابات برلمانية مبكرة
وتحقيقات عديدة في الإخفاقات الاستخباراتية للحكومة الإسرائيلية التي أدت إلى هجوم
حماس. إذا أُجبر على ترك السلطة، فسيواجه نتنياهو أيضا محاكمة طال انتظارها بتهمة
الرشوة وتهم الفساد الأخرى بسبب أفعال يُزعم أنه ارتكبها خلال فتراته السابقة
كرئيس للوزراء.
نتنياهو
ناج سياسي، وهو على استعداد لإطالة أمد الحرب للبقاء في السلطة وتجنب المساءلة. ومن
الواضح أن نتنياهو سيقوض بايدن – والمصالح الأمريكية الأوسع – لإنقاذ نفسه. كل هذا
يجعل استجابة بايدن الضعيفة وعجزه في مواجهة نتنياهو أمراً محيراً أكثر: لماذا
يخاطر الرئيس الأمريكي بمستقبله السياسي من خلال الاستمرار في دعم زعيم أجنبي يعمل
على زعزعة استقراره؟
لقد وقع
بايدن وإدارته في نوع من التفكير السحري [القائم على الخرافة والاعتقاد بالخوارق]:
فهم يطالبون نتنياهو وحكومته بوقف حرب وحشية، مع الاستمرار في توفير الأسلحة
والغطاء السياسي الذي يمكن "إسرائيل" من إطالة أمد إراقة الدماء.