زادت دعوات مقاطعة
الاحتلال الإسرائيلي حول العالم مع استمرار حرب الإبادة على قطاع
غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وأثرت على نفوذ الاحتلال عالميا،
كما أثرت على الاحتلال الإسرائيلي اقتصاديا.
ونشرت صحيفة
"
وول ستريت جورنال" تقريرا أعدته عنات بيليد وكري كيلر- لين قالتا فيه
إن
المقاطعة ضد الاحتلال الإسرائيلي تنتشر حول العالم وتثير قلق المستوطنين، حيث تشمل
مقاطعة الدفاع والأكاديميات وعرضت موارد الأبحاث للخطر.
فسنوات من حملات
الجماعات المؤيدة للفلسطينيين للمقاطعة العالمية ضد الاحتلال الإسرائيلي لم تحقق
سوى دعم محدود، إلا أن الأشهر التي أعقبت الحرب على غزة، أدت لتوسع ونمو حملات
عزل الاحتلال الإسرائيلي وشملت مجالات أبعد من الجهود الحربية لإسرائيل في غزة.
وقالت الصحيفة
إن التحول هذا يحمل إمكانيات التأثير على عمل المستوطنين والتسبب بضرر للتجارة
ويترك أثره على اقتصاد الكيان الذي يعتمد على التعاون الدولي والدعم الدفاعي
والتجاري والأبحاث العلمية.
وعندما أوصت
لجنة الأخلاق في جامعة غينت البلجيكية بوقف كل التعاون البحثي مع المؤسسات
الإسرائيلية في نهاية أيار/مايو، لم يكن يتوقع الباحث في البيولوجيا الحاسوبية
عيران سيغال حدوث هذا.
فلم تر العلوم
أي تأثير عليها من حركات المقاطعة، وحتى بعد أشهر من الحرب. كما أن أبحاث سيغال لا
علاقة لها بجيش الاحتلال الإسرائيلي. ويشمل التعاون البحثي مع جامعة غينت مجالات
أمراض التوحد والزهايمر وتحلية المياه والزراعة المستدامة. وكتبت لجنة الأخلاق:
"تقوم المؤسسات الأكاديمية بتطوير التكنولوجيا للخدمات الأمنية التي تسيء
استخدامها في انتهاكات حقوق الإنسان وتقدم التدريب للجنود والخدمات الأمنية حيث يقوم أفرادها بإساءة استخدام المعرفة للقيام بانتهاكات لحقوق الإنسان".
وقال سيغال الذي
يعمل من مختبره في معهد وايزمان للعلوم، جنوب تل أبيب وله علاقة شراكة مع جامعة
غينت ويركز على العوامل التي تساهم في السمنة إن البيان من الجامعة "مثير
للقلق"، ولا يعرف إن كان البرنامج قد أوقف أم لا. ودعت اللجنة في جامعة غينت
إلى تعليق أوروبي لمشاركة إسرائيل في البرامج التعليمية والتي اعتمدت دائما على
تمويل الاتحاد الاوروبي.
وعلق سيغال أن
استجابة الشركاء الأوربيين لهذه الدعوة "ستكون بمثابة ضربة قوية لقدراتنا على
مواصلة البحث العلمي الأكاديمي". وقال عيران شامير- بورر، الرئيس السابق
لدائرة القانون في الجيش الإسرائيلي إن المبادرات المتفرقة القانونية والسياسية ضد
إسرائيل غير مسبوقة. وتضم تحركات ضد القادة الإسرائيليين في محكمة الجنايات
الدولية التابعة للأمم المتحدة.
وقال شامير
بورر، الذي يعمل حاليا في معهد "إسرائيل الديمقراطي": "أعتقد أن هذا
بالتأكيد يدعو إلى القلق لإسرائيل"، مضيفا بأن تحول إسرائيل إلى دولة مارقة
"يعني أنه حتى لو لم تحدث الأمور بشكل رسمي، فإن عددا قليلا من الشركات تريد الاستثمار
داخل الاحتلال الإسرائيلي بالمقام الأول، وجامعات أقل تريد التعاون مع المؤسسات
الإسرائيلية، وتحدث الأمور عندما تحصل على هذا الوضع الرمزي". ويشعر المستوطنون
أنه لم يعد مرحب بهم في عدد من الجامعات الأوروبية، بما في ذلك المشاركة في
التعاون العلمي. وباتت المشاركة في المناسبات الثقافية والمعارض الدفاعية تابو.
وكمثال جهز
ليدور مادوموني الذي يدير شركة دفاعية ناشئة نفسه ولعدة أشهر كي يشارك في مؤتمر
"يوروساتوري" في باريس الذي انعقد الشهر الماضي، حتى تلقى رسالة
إلكترونية تخبره أن شركته ممنوعة من المشاركة بسبب قرار محكمة. وأخبره المنظمون
"نحن مجبرون على منع مشاركتك في المعرض غدا"، وأشاروا إلى قرار وزارة
الدفاع الفرنسية الصادر ردا على عملية الجيش الإسرائيلي في رفح.
وقالت نعومي
عليل، المديرة الإدارية في إسرائيل لشركة ستابيرست إيروسبيس، وهي شركة استشارات
دولية التي تطور وتستثمر في الشركات الناشئة في مجال الطيران والدفاع إن القرار
الفرنسي "صدم كامل مجتمع" الصناعات الدفاعية والتكنولوجية في إسرائيل.
وقال المنظمون
إنهم قدموا استئنافا لإلغاء قرار المحكمة وأنهم يعملون كل ما بوسعهم لمشاركة
الشركات الإسرائيلية. وبعد افتتاح المعرض تم إلغاء القرار، لكنه كان متأخرا حيث
انسحبت معظم الشركات الإسرائيلية.
وتقول الصحيفة
إن حركة المقاطعة أو بي دي أس، أنشئت في 2005 بمبادرة من منظمات المجتمع الفلسطيني
وحاولت ممارسة الضغط الدولي على إسرائيل لتأمين حقوق الفلسطينيين، إلا أنها لم
تحقق نجاحا واسعا، لكن المناخ تغير بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، والتي حققت
بعضا من أهداف حركة بي دي أس الطويلة الأمد والجماعات المؤيدة لفلسطين. فقد أدت
حصيلة القتلى التي زادت عن 38,000 والدمار الواسع في غزة إلى زيادة الدعم لحركة
المقاطعة.
وقال مؤسس
الحركة عمر برغوثي: "كلما أصبحت الشركات والمؤسسات الإسرائيلية معزولة، وجدت إسرائيل صعوبة في اضطهاد الفلسطينيين". وعندما بدأت الحرب، ظهرت
حركة مقاطعة جديدة، وبخاصة من دوائر الإنسانيات والعلوم الاجتماعية، كما تقول نيتا
باراك- كورين، أستاذة القانون ورئيسة قوة مهام لمكافحة المقاطعة في الجامعة
العبرية بالقدس. وبدأت المقاطعة بالتوسع حيث وصلت إلى العلوم المجردة وعلى مستوى
الجامعات و"حركات الجامعات الواسعة والأهم قرار قطع العلاقات مع الأكاديميين
الإسرائيليين" كما قالت.
وتبنت أكثر من
20 جامعة في أوروبا وكندا الحظر. ووجدت طالبة إسرائيلية كانت تحضر للدراسة في
جامعة هيلنسكي وتبحث عن سكن في فنلندا، حتى أبلغتها الجامعة في أيار/مايو أنها
علقت اتفاق التبادل مع الجامعات الإسرائيلية.
وبحسب مينا
كوتانيمي، مديرة خدمة التبادل الدولية فقد توقفت جامعة هيلنسكي عن إرسال الطلاب
إلى الاحتلال الإسرائيلي بعد أحداث هجمات السابع من تشرين الأول/أكتوبر تعبيرا عن
قلقها من الحرب. وقالت إن الجامعة لم تقصد تقييد باحثيها من التعاون مع الاحتلال، وامتدت
المقاطعة على طول المنظور الأكاديمي.
وفي أيار/مايو
أخبرت مجلة "كالتشرال كريتيك" (النقد الثقافي) والتي تصدرها دار نشر
جامعة مينسوتا، باحثا إسرائيليا بعلم الاجتماع بأن مقالته لن ينظر فيها لأن
الناشرين يعتقدون بانتمائه لمؤسسه تابعة للاحتلال الإسرائيلي، وقالت المجلة إنها
تتبع إرشادات بي دي أس والتي تشمل "سحب الدعم من الاحتلال الإسرائيلي
ومؤسساته الأكاديمية والثقافية".
واعتذرت المجلة
لاحقا عن استبعادها المقالة بناء على الانتماء الثقافي للباحث وقامت بتعديل موقعها
قائلة إن المقالة ستكون محلا للتقييم وطلبت من الباحث إعادة تقديم مقالته. وكان
الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هيرتسوغ قد انتقد حركة المقاطعة وأخبر مؤتمرا في أيار/ مايو قائلا إن أعداء إسرائيل "يحاولون عزلنا من أجل إيذائنا". وقال: "العدو، إمبراطورية الشر الإيرانية ووكلاؤها إلى جانب عدد من دعاة المقاطعة
يحاولون وبكل وسيلة الإضرار بعلاقاتنا التجارية عبر حملات تخدم النفس وقاسية
وموجهة ضدنا".
وشعرت صناعة
الدفاع الإسرائيلية التي وصلت مبيعاتها في 2023 إلى 13 مليار دولار بأنها
مستهدفة، حيث منعت تشيلي في آذار/مارس الشركات الإسرائيلية من المشاركة في أكبر
معرض للطيران بأمريكا اللاتينية ثم تبعتها فرنسا في حزيران/يونيو. وتقدم الولايات
المتحدة الداعم الأكبر للاحتلال الإسرائيلي مساعدات سنوية بـ 3 مليارات دولار وقدمت
لها كما من الأسلحة بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وحاولت بعض
المنظمات غير الحكومية تحدي دعم دولها لإسرائيل عسكريا وقدمت دعاوى للمحاكم في
بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والدنمارك. وفي ضوء الحرب في غزة قالت
كندا إنها لن تبيع إسلحة لإسرائيل.
وفي أوروبا يقوم
مدراء الصناديق بمراجعة المواقف بناء على الحرب في غزة، حسبما تقول كيران عزيز
التي تقوم شركتها بفحص أكبر صندوق تقاعد خاص في النرويج، وهو كي أل بي والتحقق من
عدم وجود نشاطات تتعارض مع الإرشادات الأخلاقية. وقالت: "أعرف أن هذا شيء ينظر
فيه كل شخص".
وسحب صندوق كي أل بي أسهما بقيمة 85 مليون دولار في الشركة
الأمريكية كاتربيلر، مستندا على بيان من مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قال
فيه إن نقل الأسلحة للاحتلال الإسرائيلي يمكن أن يكون انتهاكا لحقوق الإنسان
والقانون الدولي الإنساني. ودعا البيان 11 شركة دولية بما فيها كاتربيلر لوقف
صادراتها إلى إسرائيل.
ولا يزال
التعاون الدولي الإسرائيلي قائما، وفي أيار/مايو وقع أكثر من ألف فنان اسكندنافي
على عريضة تطالب بمنع إسرائيل من المشاركة في يورو فيشن بدون نجاح، حيث غنت
الإسرائيلية عيدن غولان أغنيتها.
وهناك عدد من الفنانين المبدعين أبعدوا أنفسهم عن
إسرائيل. ومنذ بداية الحرب، رفض عدد كبير من المؤلفين، معظمهم من أمريكا السماح
بترجمة أعمالهم إلى العبرية أو بيعها في إسرائيل، حسب إفرات ليف، مدير الحقوق
الأجنبية في وكالة ديبورا هاريس في إسرائيل.