عندما وصل عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في
مصر بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي في عام 2013، أصبح السيسي شخصية
مركزية في السياسة الإقليمية، ولا سيما فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
فتكررت العمليات العسكرية الإسرائيلية في
غزة على مدار 10 سنوات منذ حرب 2014 إلى "طوفان الأقصى" الذي اندلع يوم
7 أكتوبر. يواجه السيسي الانتقادات الموجّهة نحو دوره في
الحصار المفروض على غزة،
واعتبره البعض شريكا في الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين. وهنا يبرز السؤال حول
إمكانية محاكمة السيسي على مشاركته في حصار غزة والمساهمة في الإبادة الجماعية
التي تحدث للشعب الفلسطيني على مدار سنوات حكمه.
اتخذ السيسي بعد توليه السلطة موقفا صارما
ضد حركة حماس في غزة التي يعتبرها امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين، خصمه الرئيسي
في الداخل المصري. فأغلقت السلطات المصرية معبر رفح، المنفذ الوحيد لقطاع غزة إلى
العالم الخارجي خارج سيطرة إسرائيل، مما زاد من معاناة سكان غزة. يأتي ذلك في ظل
الحصار الإسرائيلي المستمر منذ عام 2007، والذي يفرض قيودا صارمة على حركة الأشخاص
والبضائع، وزاد من معاناة الشعب الفلسطيني في الحرب الأخيرة بإطلاق حاشيته متمثلة
في إبراهيم العرجاني عبر شركة هلا للتنسيق لدخول الغزازوة لمصر بمبالغ وصلت بعض
التقديرات إلى 10 آلاف دولار للشخص الواحد.
التصريحات الدولية وتفاقم الأزمة
في سياق العمليات العسكرية الإسرائيلية
المتكررة في غزة، صدرت تصريحات من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
والرئيس الأمريكي جو بايدن تدعم بشكل غير مباشر الدور المصري في السيطرة على غزة.
هذه التصريحات زادت من حدة الانتقادات الموجّهة إلى السيسي، واعتبرها البعض تأكيدا
على مشاركة مصر في أعمال قد تصل إلى مستوى الإبادة الجماعية، وتصريح رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه طلب من السيسي فتح معبر رفح لإدخال المساعدات
الإنسانية إلى القطاع مما يجعل السيسي شريك أساسي في تلك الإبادة الجماعية لشعب
فلسطين في غزة .
وهنا يظهر السؤال: ما هو الإطار القانوني
لمحاكمة السيسي؟
لتحديد إمكانية محاكمة السيسي، يجب النظر في
الإطار القانوني الدولي المتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية:
تظل إمكانية محاكمة السيسي على مشاركته في حرب غزة وحصارها موضوعا معقدا يتداخل فيه القانون والسياسة والدبلوماسية. رغم وجود فرص قانونية ونظريات قانونية تسمح بملاحقته، إلا أن التحديات القانونية والسياسية تجعل من هذا السيناريو صعب التحقيق في الوقت الحالي. مع ذلك، يمكن أن تساهم الضغوط الدولية والمحلية في زيادة التوعية والضغط على النظام المصري لتغيير سياساته تجاه غزة وتحسين الوضع الإنساني في المنطقة.
أولا ـ القانون الدولي الإنساني:
يحظر القانون الدولي الإنساني، وخاصة
اتفاقيات جنيف، استهداف المدنيين واستخدام الحصار كوسيلة حرب تؤدى إلى تجويع
السكان المدنيين.
ثانيا ـ القانون الجنائي الدولي:
يمكن محاكمة الأفراد بتهم جرائم الحرب
والجرائم ضد الإنسانية بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
الفرص القانونية لمحاكمة السيسي
المحكمة الجنائية الدولية:
يمكن نظريا تقديم قضية ضد السيسي أمام
المحكمة الجنائية الدولية. رغم أن مصر ليست دولة طرفا في نظام روما الأساسي، يمكن
لمجلس الأمن الدولي إحالة القضية إلى المحكمة.
الولاية القضائية العالمية:
تطبق بعض الدول مبدأ الولاية القضائية
العالمية، الذي يسمح بمحاكمة الجرائم الدولية الخطيرة بغض النظر عن مكان ارتكابها
أو جنسية الجناة أو الضحايا مثل المانيا التي كان لها حكم تاريخي ضد أحد أفراد
النظام السوري المرتكب لجرائم ضد الإنسانية.
المبادرات الشعبية والدعاوى المدنية:
يمكن لمجموعات حقوق الإنسان والفلسطينيين
المتضررين تقديم دعاوى مدنية ضد السيسي في محاكم بعض الدول، رغم التحديات الكبيرة
التي تواجه هذه المساعي.
التحديات القانونية والسياسية
1 ـ السيادة الوطنية: محاكمة رئيس دولة يتطلب
تجاوز عقبات سياسية وقانونية تتعلق بمفهوم السيادة الوطنية والحصانة الرئاسية.
2 ـ التوازنات الدولية: يشكل الدعم الدولي للسيسي،
خاصة من القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة ودعم إسرائيل للنظام المصري وخاصة قبيل
الانقلاب عقبة رئيسية أمام أي جهود قانونية لملاحقته.
3 ـ التعقيدات القانونية: يتطلب إثبات تورط السيسي
في جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أدلة قوية ومباشرة، وهو أمر قد يكون صعبا نظرا
للقيود على جمع الأدلة في المناطق المتأثرة بالنزاع ولكنه ليس مستحيلا فى ظل تنامى
دور الاعلام الشعبي والسوشيال ميديا.
الفرص السياسية والتحديات الداخلية
1 ـ التغيير السياسي الداخلي: يمكن ان يساهم الضغط
الدولي والمحاكمات المحتملة في زيادة الضغط على النظام المصري داخليا. قد يؤدي ذلك
إلى تحفيز المعارضة الداخلية والمطالبة بالإصلاحات إذا اتيحت لهم اقتناص الفرص
وتنامى حالة السخط الشعبي.
2 ـ التداعيات الاقتصادية: يمكن أن تؤدي الإجراءات
القانونية والعقوبات الدولية إلى تأثيرات اقتصادية سلبية على مصر مثل قطع المعونات
الاقتصادية والعسكرية، مما يزيد من الضغط على الحكومة المصرية.
3 ـ
الرأي العام الدولي: إذا قامت المؤسسات الداعمة
للقضيتين الفلسطينية والمصرية بعمل زيارات دولية لتعزيز الوعي الدولي حول دور
السيسي في حصار غزة يمكن أن يزيد من الضغط على الحكومات والمنظمات الدولية لاتخاذ
إجراءات ضد النظام المصري.
الأبعاد الأخلاقية والدينية
1 ـ الأبعاد الأخلاقية:
يساهم الحصار المفروض على غزة والنظام
المصري له رصيد كبير به، يطرح أسئلة أخلاقية عميقة حول
المسؤولية الإنسانية
والإسلامية تجاه الشعب الفلسطيني.
فيتعين على العالم الإسلامي أن ينظر في مدى
توافق هذه السياسات مع القيم الإسلامية التي تدعو إلى العدالة والرحمة وإرساء
المبدأ النبوي انصر اخوك ظالما أو مظلوما... فيجب الضرب على يد الظالم لردعه عن
الظلم.
2 ـ الأبعاد الدينية:
يعتبر الكثير من المسلمين أن دعم القضية
الفلسطينية هو واجب ديني وأخلاقي. وبالتالي، فإن أي دور يلعبه النظام المصري في
تضييق الخناق على غزة يتعارض مع هذه القيم والمبادئ.
الاستراتيجيات القانونية الممكنة التي تتيح
محاكمة السيسي في قضية غزة
أولا ـ تقديم شكاوى إلى الهيئات الدولية: يمكن لمجموعات حقوق
الإنسان تقديم شكاوى إلى هيئات الأمم المتحدة المختلفة مثل مجلس حقوق الإنسان
ولجان التحقيق الخاصة بغزة. هذه الشكاوى قد لا تؤدي إلى محاكمات فورية لكنها تساعد
في بناء قضية قوية ضد السيسي.
ثانيا ـ استخدام تقارير المنظمات غير
الحكومية: استخدام الحركات والمؤسسات
لتقارير منظمات مثل هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية كأدلة لتوثيق
الانتهاكات التي ساهم فيها النظام المصري ضد غزة وشعبها.
يتعين على العالم الإسلامي والمجتمع الدولي الوقوف بحزم ضد أي انتهاكات لحقوق الإنسان في غزة إذا توفرت لديها نية صادقة لتحقيق العدالة لغزة وشعبها ويتطلب هذا جهودا مستمرة من قبل الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني لضمان احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
ثالثا ـ الضغط الإعلامي: إذا أُحسن توظيف وسائل
الإعلام الدولية والمحلية لنشر الوعي حول دور السيسي في حصار غزة يمكن أن يزيد من
الضغط الشعبي والدولي على النظام المصري المرتكب لجرائم حرب وضد الإنسانية تجاه
غزة وشعبها .
الأبعاد الاجتماعية والإنسانية
1 ـ المعاناة الإنسانية في غزة: عاني قطاع غزة وشعب القطاع
من حصار مفروض عليه منذ ما يقرب من 20 عاما مما زاد من معاناة سكان القطاع، بما في
ذلك نقص الغذاء والدواء والكهرباء. مما أدى إلى تدهور الأوضاع الصحية والاقتصادية
بالقطاع.
2 ـ التضامن الشعبي مع غزة: تظل قضية فلسطين عامة وغزة خاصة قضية محورية
بالنسبة للكثير من الشعوب العربية والإسلامية. يعتبر التضامن الشعبي مع غزة دافعاً
قوياً للضغط على الحكومات العربية، بما في ذلك الحكومة المصرية، لتغيير سياساتها
تجاه الحصار.
ومما سبق يجعلنا نفكر بالسيناريوهات
المحتملة لمحاكمة السيسي ونظامه
أولا ـ إحالة من مجلس الأمن: يتطلب هذا السيناريو توافق
القوى الكبرى، وهو أمر غير مرجح في ظل الوضع الحالي، والذي يدل عليه غض البصر عن
انتهاكات حقوق الإنسان في مصر.
ثانيا ـ الدعاوى المدنية الدولية: يمكن أن تكون هذه
المبادرات محدودة التأثير، لكنها تساهم في إبراز القضية وإبقاء الضغط الدولي.
ثالثا ـ التحركات الشعبية والدبلوماسية: يمكن للمجتمع المدني
والمنظمات الحقوقية مواصلة الضغط على الحكومات والمنظمات الدولية لإتخاذ موقف أكثر
حزما تجاه السيسي ونظامه في حصار غزة.
تظل إمكانية محاكمة السيسي على مشاركته في
حرب غزة وحصارها موضوعا معقدا يتداخل فيه القانون والسياسة والدبلوماسية. رغم وجود
فرص قانونية ونظريات قانونية تسمح بملاحقته، إلا أن التحديات القانونية والسياسية
تجعل من هذا السيناريو صعب التحقيق في الوقت الحالي. مع ذلك، يمكن أن تساهم الضغوط
الدولية والمحلية في زيادة التوعية والضغط على النظام المصري لتغيير سياساته تجاه
غزة وتحسين الوضع الإنساني في المنطقة.
ويتعين على العالم الإسلامي والمجتمع الدولي
الوقوف بحزم ضد أي انتهاكات لحقوق الإنسان في غزة إذا توفرت لديها نية صادقة
لتحقيق العدالة لغزة وشعبها ويتطلب هذا جهودا مستمرة من قبل الحكومات والمنظمات
الدولية والمجتمع المدني لضمان احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
في
نهاية المطاف، يبقى دور السيسي في حصار غزة ومسؤوليته عن الأعمال التي تعتبر جرائم
ضد الإنسانية موضوعا يستدعي النظر الدقيق من قبل المجتمع الدولي والمنظمات
الشعبية، ولتحقيق العدالة يتطلب التزاما جادا وتعاونا دوليا للوقوف في وجه
الانتهاكات وضمان حماية حقوق الإنسان في جميع الظروف.