كشفت بعض
المنظمات الإنسانية في أوروبا والولايات المتحدة التي تحاول مكافحة
المجاعة في قطاع
غزة بفعل حرب الإبادة الإسرائيلية أن حساباتها المصرفية أغلقت دون إبداء الأسباب، كما أنها جمدت معاملاتها منذ أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وأكدت صحيفة "
وول ستريت جورنال" في تقرير لها أن هذه الخطوة "تنبع من جانب البنوك لتقليل المخاطر من التحديات التي تواجهها العديد منها في المناطق التي تحكمها مجموعات خاضعة للعقوبات والتي يُزعم أن لها تاريخا في تحويل المساعدات، حيث قد يكون من الصعب تحديد المستفيدين النهائيين من المعاملات. وقد لا تكون الأساليب العادية التي تستخدمها البنوك للتحقيق في المعاملات متاحة في مناطق الحرب النشطة".
ونقلت الصحيفة عن ألما أنجوتي، الشريكة في شركة الاستشارات "جايد هاوس" المتخصصة في الجرائم المالية: "من الصعب (على البنوك) الحصول على خط رؤية لما يحدث على الأرض، وبدلا من تحليل أي شركة أو منطقة قد تكون مقبولة، فإنه يكون من الأسهل أحيانا على البنوك الخروج".
وأوضحت الصحيفة: "كانت المعاملات المالية والحسابات المصرفية المتعلقة بالأراضي
الفلسطينية في غزة أو الضفة الغربية موضع تساؤل من جانب البنوك حتى قبل الصراع الأخير، وأحد أسباب ذلك هو أن غزة كانت تحت سيطرة حماس، وهي منظمة إرهابية عالمية صنفتها الولايات المتحدة، حتى غزو إسرائيل في أواخر عام 2023".
لكن العناية الواجبة المطلوبة لمثل هذه المعاملات ارتفعت في الأشهر الأخيرة، وارتفع عدد المنظمات التي تم إغلاق حساباتها المصرفية دون تقديم سبب.
من 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى أواخر أيار/ مايو الماضي، كانت هناك 30 حادثة حيث تم إغلاق حسابات مصرفية لمجموعات أو أفراد لديهم روابط أو أنشطة موجهة نحو الأراضي الفلسطينية في أوروبا ودول أخرى، وفقا لآغنيس فالنتي، وهي محامية مقرها أمستردام في مركز الدعم القانوني الأوروبي، الذي يدافع عن حقوق الفلسطينيين في أوروبا.
في إحدى الحالات في الولايات المتحدة، أغلقت شركة "ترويست" الحساب المصرفي لمنظمة المساعدات الأمريكية للاجئين في الشرق الأدنى "أنيرا" في نيسان/ أبريل، دون توفير طريقة للطعن في الإغلاق، وفقًا لوثائق استعرضتها الصحيفة.
وفي حالة أخرى، تلقت منظمة "اللاعنف الدولية - Nonviolence International"، وهي منظمة غير ربحية أسسها فلسطينيون أمريكيون لرعاية الحملات اللاعنفية والدعوة إليها في جميع أنحاء العالم، رسالة إلكترونية من شركة التكنولوجيا المالية Stripe في شباط/ فبراير تطلب منها إلغاء حملة لجمع التبرعات لمنظمة شريكة مرتبطة بفلسطين دون سبب واضح، وفقًا لمايكل بير، أحد مديري المنظمة غير الربحية.
وقال بير إن أيًا من المجموعات التي تجمع المنظمة الأموال لها لا تخضع للعقوبات الأمريكية.
وقد تم إغلاق حساب "أنيرا" لأن ترويست قال إن وزارة الخزانة كانت تصدر تنبيهات حول زيادة اليقظة بشأن المدفوعات المرسلة إلى غزة، وفي النهاية أخبر ممثل ترويست أحد مسؤولي أنيرا شفهيًا أنه وجد أن المنظمة كانت لها علاقة بجمعية الصلاح، وهي مجموعة خاضعة للعقوبات، على حد قوله.
وقالت أنيرا إنها لم تعد تعمل مع المجموعة وأن المجموعة لم تكن خاضعة للعقوبات عندما تلقت مساعدات طبية من أنيرا في عام 2000.
وفي عام 2007 فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على جمعية الصلاح بزعم تقديم الدعم المادي لحركة حماس.
وفي حالة منظمة اللاعنف الدولية، قال بير إن شركة سترايب، التي تسمح للمستخدمين بقبول مدفوعات بطاقات الائتمان، رأت أن خدماتها تُستخدم لجمع الأموال لمنظمة شريكة فلسطينية غير ربحية على موقعها على الإنترنت. وقال بير إن منظمة اللاعنف الدولية اضطرت إلى نقل جمع التبرعات لهذه المجموعة إلى باي بال "بخوف".
وقال: "لقد رددنا بأفضل ما في وسعنا". "نحن خائفون من أن [سترايب] سوف تغلق قدرتنا على الحصول على مدفوعات بطاقات الائتمان لهذا المشروع الذي ندعمه، أو قد يمحونا ويسقطنا تمامًا".
إن البنوك الأمريكية والأجنبية التي تصل إلى النظام المالي الأمريكي ملزمة بالامتثال لقوانين العقوبات الأمريكية أو مواجهة غرامات كبيرة محتملة، تصل أحيانًا إلى مليارات الدولارات بما في ذلك الإقرار بالذنب.
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية إن المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية معفاة بشكل عام من هذه المحظورات.
ولكن على الرغم من الاستثناءات للمساعدات، فإن أكثر من عقد من حزم العقوبات الموسعة جعلت البنوك، التي تميل إلى النفور من المخاطرة، تميل ببساطة إلى "التخلص من المخاطر"، والتخلي عن العملاء الذين تعتبرهم مشكلة محتملة.
وقال المسؤول في أنيرا إن البنوك يجب أن توفر وسيلة للطعن في مثل هذه القرارات. وأضاف أن وزارة الخزانة يمكن أن تفعل المزيد لإبلاغ البنوك بأهداف سياستها العامة والإعفاءات من قانون العقوبات لمنع إغلاق الحسابات الشاملة. ولم تدل المتحدثة باسم وزارة الخزانة بأي تعليق.
"يعتقد بعض الناس أن هناك بيئة هنا حيث نسمح بالكثير من الأشياء أن تحدث دون أن يتم التحقق منها. ولكن العكس هو الصحيح. إن حجم التدقيق الذي يتعين علينا القيام به يعيق العمل"، كما قال المسؤول.
وقالت وزارة الخزانة في تقريرها الاستراتيجي حول إزالة المخاطر الذي نُشِر العام الماضي، إن التحركات التي تقوم بها البنوك لخفض المخاطر، وإن لم تكن غير قانونية، فإنها تقوض أهدافا سياسة الحكومة الأمريكية.
وأصدرت وزارة الخزانة في تشرين الثاني/ نوفمبر إرشادات الامتثال بشأن إرسال المساعدات إلى غزة. وحذرت من أن جماعات مثل حماس تجمع الأموال باستخدام الجمعيات الخيرية كواجهات لجمع التبرعات، لكنها أوضحت أنه لا يوجد حظر على تقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة أو الضفة الغربية وأن تقديم المساعدات مثل الغذاء والدواء ليس محظورا بشكل عام.
وأوضحت الإرشادات كذلك أن الأنشطة الإنسانية التي تنطوي على معاملات ضرورية مع الجماعات الخاضعة للعقوبات، مثل تقديم المساعدات الطبية المنقذة للحياة للمدنيين في غزة في مستشفى يعمل به أو تحتله حماس، ليست محظورة أيضاً.
ومما يؤسف له بالنسبة للمنظمات غير الربحية أن المبالغ الصغيرة نسبياً من المال التي تتعامل بها لا توفر حوافز قليلة للبنوك للقيام بأعمال العناية الواجبة المكلفة.
وقال فالنتي من المركز الأوروبي للدعم القانوني: "إن المنظمات ترغب في إثبات التزامها بالقانون، لكن البنوك رفضت التعامل معها. والبنوك غير مهتمة على الإطلاق لأن هذه المنظمات غير الحكومية صغيرة".