أوضح رئيس حركة المقاومة الإسلامية
حماس، في إقليم الخارج، خالد
مشعل، في حوار مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، شروط المقاومة من أجل الوصول إلى صفقة تبادل أسرى، ووقف الحرب، مؤكدا على تمسك المقاومة بشروطها.
تقول إسرائيل إنها قتلت الآلاف من عناصر
حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس"، وإنها دمرت الهيكل للقيادي
لكل كتائبها تقريباً، وضربت شبكة أنفاقها. لقد كانت حملة القصف التي شنت على
غزة
مدمرة، لدرجة أنه لم يعد بالإمكان التعرف على المعالم الحضرية فيها.
ومع ذلك، يقول الجيش الإسرائيلي إن
القضاء على حماس غير ممكن – حتى وإن دعا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى
"انتصار تام" على الحركة.
ويقول مشعل، إن الحركة تكسب الحرب، وإنها سوف تلعب دوراً حاسماً في مستقبل غزة.
وقال مشعل في مقابلة مع صحيفة
نيويورك
تايمز في الدوحة، قطر، حيث يقيم: "باتت حماس صاحبة اليد العليا؛ فقد بقيت
صامدة، وأدخلت الجيش الإسرائيلي في حالة من الاستنزاف".
تفسير ذلك من وجهة نظر حماس بسيط
للغاية، فالفوز يعني ببساطة البقاء على قيد الحياة، على الأقل حتى الآن، ولقد
تمكنت الحركة من تحقيق ذلك، حتى وإن كانت قد أوهنت بشدة.
توفر تصريحات مشعل، ضمن مقابلة أجريت
معه على مدى ساعتين داخل غرفة المعيشة في منزله بالدوحة، إطلالة نادرة على طريقة
تفكير المسؤولين في حماس. فهو واحد من أكبر شخصيات المكتب السياسي لحركة حماس،
ويعتبر أحد أهم مهندسي استراتيجية الحركة.
كان مشعل قد استهدف من قبل إسرائيل
بمحاولة اغتيال فاشلة في عام 1997 في الأردن. وقد ترأس المكتب السياسي للحركة لما
يزيد على عقدين من الزمن.
في وقت مبكر من شهر أيلول/ سبتمبر، وجه
المدعون الفيدراليون في الولايات المتحدة له ولعدد آخر من زعماء حماس رسمياً
تهماً بلعب دور مركزي في تخطيط وتنفيذ هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر على
إسرائيل.
أوضح مشعل في المقابلة أن المسؤولين في
حماس لن يبرموا صفقة وقف إطلاق نار مع إسرائيل مقابل أي ثمن، وأنهم لن يتخلوا عن
مطالبهم الرئيسية والمتمثلة بإنهاء الحرب وانسحاب إسرائيل.
خلص محللون مستقلون إلى تقييمات مشابهة
حول أولويات حماس. يقول غيث العمري، الخبير بالشؤون الفلسطينية: "يشعرون بأن
الزمن لصالحهم، ويعتقدون أنه لا يوجد بديل عنهم" .
وهي ثقة بالنفس تخضع دوماً للاختبار في
أرض المعركة داخل غزة. فرغم أن حماس تبقى قوة متنفذة داخل القطاع، فإنها واجهت
انتقاداً من غزيين يلومون الحركة بسبب تعريضها إياهم للضرر. كما أن تعريف حماس
للنجاح قد لا يبقى صحيحاً فيما لو استمرت الحرب لأعوام ونجحت إسرائيل في القضاء
على جل ما تبقى لها من قوة عسكرية، حسبما يقول محللون فلسطينيون.
في بداية الحرب، عبر الرئيس بايدن عن
موقف مشابه لموقف نتنياهو، مفاده أن حماس يجب القضاء عليها. لكن بايدن لم يعد يتحدث عن استئصال الحركة، ناهيك عن أن كلاً من الولايات المتحدة
وإسرائيل شاركتا في مفاوضات غير مباشرة مع حماس.
يقول مشعل إنه خرج من ذلك بنتيجة
مفادها أن الولايات المتحدة تقر بأن حماس لن تغادر إلى أي مكان.
وفي إشارة إلى الموقف الذي كانت تتبناه
كل من إسرائيل والولايات المتحدة في بداية الأمر، قال مشعل: "لم تكن الرؤية
الإسرائيلية الأمريكية تتحدث عن اليوم التالي للحرب، وإنما عن اليوم التالي
لحماس".
ثم قال: "أما الآن، فإن الولايات
المتحدة تنتظر رد حماس".
وأضاف دون أن يذكر أن الحركة صنفت
منظمة إرهابية في الولايات المتحدة وإسرائيل: "فهم بذلك يعترفون، عملياً،
بحماس".
كما أن بعض مسؤولي الأمن السابقين في
إسرائيل يقولون إنهم يعتقدون بأنه من غير المتوقع أن تُهزم حماس في هذه الحرب.
يقول الجنرال غادي شامني، القائد
السابق لفيلق غزة في الجيش الإسرائيلي: "إن حماس تكسب هذه الحرب. يكسب
جنودنا كل مواجهة تكتيكية مع حماس، لكننا نخسر الحرب، ونخسرها بشكل فادح".
ما زال الآلاف من مقاتلي حماس ومن
المسؤولين في حكومتها يفرضون سيطرتهم على أجزاء كبيرة من غزة. وفي المدن التي
سيطرت عليها القوات الإسرائيلية لفترة وجيزة، تركت مغادرتهم في نهاية المطاف
فراغاً سرعان ما شغلته حماس وغيرها من فصائل المقاومة المسلحة.
يقول الجنرال شامني إنه على الرغم من
أنه لا مجال لإنكار أن إسرائيل دمرت قدرات حماس العسكرية، فإن حماس كانت تعود
وتبسط سيطرتها على البلدات "خلال 15 دقيقة" من الانسحابات الإسرائيلية.
ويضيف: "لا يوجد هناك من يمكنه
تحدي حماس بعد مغادرة القوات الإسرائيلية".
ويقول الجنرال شامني إن الإخفاق الأكبر
يتمثل في عدم سعي نتنياهو إلى التقدم ببديل واقعي لكيان يحكم غزة بعد
الانسحابات الإسرائيلية.
وكان العميد البحري دانيال هاغاري،
المتحدث العسكري الإسرائيلي، قد رفض في أواخر شهر حزيران/ يونيو ما اقترحه
نتنياهو من أن حماس يمكن أن تمسح من الوجود.
وقال متحدثاً للقناة 13 الإسرائيلية:
"يخطئ من يظن أننا سوف نجعل حماس تختفي. فكرة أنه من الممكن تدمير حماس، أن
تجعل حماس تختفي من الوجود – إنها بمثابة ذر الرماد في عيون الجمهور".
وفي الشهر الماضي، وصف وزير الحرب يوآف
غالانت شعار نتنياهو "انتصار تام" بأنه "كلام فارغ".
وقال بعض المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين إن المعركة مع حماس سوف يورثونها
لأبنائهم.
قال الجيش الإسرائيلي إنه قتل ما يزيد
على 17 ألف مسلح في غزة. وقال مسؤول في الاستخبارات العسكرية هذا الصيف إن إسرائيل
نجحت في تقويض قدرة حماس على إطلاق الصواريخ بعيدة المدى باتجاه إسرائيل، رغم
أنهم مازالوا يحتفظون بذخيرة أقل تعقيداً.
وقال المسؤول إن مهمة الاستيلاء على
الأنفاق وهدمها كانت مشروعاً هندسياً بالغ التعقيد، وقد يستغرق إنجازه أعواماً.
خلص بعض أعضاء القيادة العسكرية إلى أن
وقف إطلاق النار مع حماس هو السبيل الأفضل نحو الأمام، حتى وإن كان سيبقي الحركة
في السلطة في الوقت الحالي.
على الرغم من خسائر حماس الهائلة، بما
في ذلك كبار القادة الذين قتلتهم إسرائيل، أعرب مشعل عن ثقته بأن الحركة سوف تلعب
دوراً مهيمناً في غزة بعد الحرب، واستخف بالمقترحات الأمريكية والإسرائيلية
لإدارة المنطقة من دون حماس.
وقال: "كل أوهامهم حول شغل ملء
الفراغ باتت وراء ظهرنا".
وكانت الولايات المتحدة قد اقترحت جلب
السلطة الفلسطينية بعد تنشيطها إلى غزة، بينما اقترح وزير الدفاع الإسرائيلي أن
تقوم قوات عربية بحفظ الأمن في المنطقة. أما نتنياهو، فاقترح أن يعمل
"مع أصحاب الشأن المحليين ممن لديهم خبرات إدارية".
وقال مشعل مصراً على أن الفلسطينيين
وحدهم هم من يقررون الترتيبات الخاصة بالمنطقة: "إن الفرضية التي تقول إن
حماس لن تكون موجودة في غزة، أو أنها لن تؤثر في الوضع داخل القطاع، فرضية
خاطئة".
كما لوحظت ثقة حماس حول الاحتفاظ بدور
مهيمن في غزة ما بعد الحرب في بعض اللقاءات الخاصة مع سياسيين فلسطينيين.
فعندما التقى السياسي الفلسطيني سمير
المشهراوي مع قادة حماس في الدوحة في نوفمبر 2023، بدت حماس على استعداد تام
للاشتراك في السلطة بشكل موسع داخل غزة، بما في ذلك ما يتعلق بقضية الأمن بالغة
الحساسية، وذلك طبقاً لما صرح به فلسطينيان على اطلاع بما جرى في اللقاء.
جدير
بالذكر أن المشهراوي هو أحد المقربين من القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، الذي يعمل لصالح رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
ثم عندما التقى المشهراوي بالمسؤولين
في حماس بعد ذلك بأكثر من ستة شهور، اشتركوا معاً في توجيه رسالة أكثر صلابة،
مفادها أن المجموعة على استعداد للعمل معاً بكل ما يتعلق بالقضايا المدنية، لكن
الجناح العسكري لحماس وقواتها الاستخباراتية الداخلية يُمنع الاقتراب منها، كما
قال الفلسطينيان.
مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى
للحرب، أورد أكرم عطا الله، وهو صحفي يكتب عموداً في صحيفة الأيام التي تتخذ من
رام الله مقراً لها، قائمة بإنجازات حماس، ومنها أنها حالت دون تمكين إسرائيل من
تحقيق نصر حاسم، وأنها أجبرت إسرائيل على إرسال مبعوثين لها للتفاوض معها، وأنها
احتفظت بعدد كبير من المقاتلين.
كما قال إن قبضة حماس يمكن مع الزمن أن
تفك، وأضاف: "إذا انتهت الحرب الآن، فإن ذلك سيكون نصراً لحماس. ولكن إذا
انتهت بعد عامين، فيمكن أن تتغير النتيجة، ولا نعرف إلى أين ستؤول الأمور".
أياً كان ذلك الذي سيحدث لحماس، فإن
المدنيين هم الذين دفعوا الثمن الأكبر في غزة. فقد قتل عشرات الآلاف، ومعظم
السكان الذين يصل تعدادهم إلى ما يقرب من مليونين تم تشريدهم وأصبحوا بلا مأوى.
لقد سخط كثير من الفلسطينيين داخل غزة
على حماس لقيامها بهجوم السابع من أكتوبر الذي تسبب في مقتل 1200 شخص، واتهموا
الحركة بإعطاء إسرائيل ذريعة لشن حملة قصف هائلة أحالت المدن إلى ركام.
أما مشعل، فقد رفض الانتقاد الموجه إلى
حماس بسبب قرارها ذاك، وقال إن منتقدي حماس من الفلسطينيين يمثلون أقلية.
وقال: "كفلسطيني، إن مسؤوليتي هي
القتال والمقاومة حتى التحرير".
لكنه أقر بأن الهجوم تسبب في دمار
هائل، إلا أنه اعتبر ذلك "ثمناً" لا بد أن يدفعه الفلسطينيون من أجل
الحرية.
وعندما سئل كيف ساعد الهجوم الذي قادته
حماس في تحسين الوضع إذا ما أخذنا بالاعتبار الدمار الذي لحق بغزة، أصر على أن
الأمر لا يتعلق بتحقيق نصر عسكري على إسرائيل بقدر ما يتعلق بإثبات أن سياساتها
غير مجدية.
وقال: "قبل السابع من أكتوبر،
كانت غزة تموت موتاً بطيئاً. لقد كنا في سجن ضخم، وأردنا أن نتخلص من ذلك
الوضع".
وسائل
إعلام عربية تحرف المقابلة
وبعد
نشر الصحيفة للمقابلة، تناقلت وسائل إعلام عربية تصريحات مجتزأة لمشعل لتشويه موقف
الحركة من المفاوضات التي تسعى لوقف الحرب على غزة.
وقال بيان لحركة حماس: "نستهجن في
حركة المقاومة الإسلامية قيام إحدى وسائل الإعلام العربية باجتزاء مقاطع من
المقابلة التي أجرتها صحيفة نيويورك تايمز مع رئيس الحركة في إقليم الخارج الأخ
المجاهد خالد مشعل، وتحويرها بقصد تشويه موقف الحركة".
وأكد البيان على موقف الحركة الواضح من
المفاوضات، و"المتجاوِب مع كافة المبادرات بما يحقق مصالح شعبنا، وحرصها على
الوصول إلى وقفٍ دائم للعدوان وانسحابٍ كاملٍ من القطاع، وحرية عودة النازحين إلى
أماكن سكناهم، وإعمار ما دمره
الاحتلال، وصولاً إلى صفقة حقيقية لتبادل الأسرى".
وجاء فيه: "إن من يتحمّل مسؤولية
تعطيل مسار المفاوضات هو نتنياهو وحكومته الفاشية، الذي يصرّ على وضع شروط جديدة
معطّلة للاتفاق، وهو ما بات معروفاً للجميع بمن فيهم الوسطاء".
ودعا البيان وسائل الإعلام التي اجتزأت
وحرّفت الموقف، إلى توخّي الحقيقة، واحترام مبادئ المهنيّة الإعلامية، والانحياز
لمواثيق الشرف الإعلامي، والابتعاد عن سياسة الترويج لرواية الاحتلال الكاذبة.