قضايا وآراء

ليت هؤلاء العلماء شرحوا الأحاديث النبوية

نفتقد لشروح معاصرة لكتب السنة، سواء صحيحي البخاري ومسلم، أو كتب السنة الأخرى: كسنن أبي داود، وابن ماجه، والنسائي، والترمذي، وغيرها من دوواوين السنة، والتي لا زالت تفتقد شرحا معاصرا..
خدمت السنة النبوية قديما خدمة جليلة، ولا يزال من يخدمها الآن لكن في نفس الإطار القديم، وهو لا يخرج عن إطار إما العناية بالسند تصحيحا وتضعيفا، أو شرحا للسنة بالطريقة القديمة، التي شرح بها ابن حجر وابن بطال والعيني وغيرهم صحيح البخاري، أو النووي والقاضي عياض والأبي وغيرهم صحيح مسلم، وهي شروح كانت مناسبة لزمانها، فهي مفيدة لطلبة العلم، وللمختصين في علوم الحديث.
وقد كانت تؤدي غرضها، وتسد ثغرة في زمانهم، ولا تزال تفيد كل باحث وطالب علم مختص في علم الحديث، أو العلوم الشرعية، بحكم أن الدراسات الشرعية لا تخلو من الاستشهاد بالنصوص القرآنية والنبوية.

ولكننا نفتقد لشروح معاصرة لكتب السنة، سواء صحيحي البخاري ومسلم، أو كتب السنة الأخرى: كسنن أبي داود، وابن ماجه، والنسائي، والترمذي، وغيرها من دوواوين السنة، والتي لا زالت تفتقد شرحا معاصرا، لا يخاطب أهل التخصص فقط، بل تخاطب أصحاب الثقافة العامة، فيشعر من يقرؤها بارتباطه بهذه الأحاديث، وحسن فهمه لها.

لقد كان علم تفسير القرآن الكريم بلغة عصرية، أكثر توافرا في عصرنا، فرأينا تفسير المنار للإمامين محمد عبده ورشيد رضا، وتفسير الشيخ شلتوت للأجزاء العشرة الأولى من القرآن، وفي ظلال القرآن لسيد قطب، وبخاصة في طبعته الأولى، والتفسير الواضح لمحمد محمود حجازي، ونحو تفسير موضوعي للشيخ محمد الغزالي، والتفسير الموضوعي للقرآن الكريم للدكتور محمد البهي، وإن لم يكمله، ومحاولات أخرى مهمة.

نفتقد لشروح معاصرة لكتب السنة، سواء صحيحي البخاري ومسلم، أو كتب السنة الأخرى: كسنن أبي داود، وابن ماجه، والنسائي، والترمذي، وغيرها من دوواوين السنة، والتي لا زالت تفتقد شرحا معاصرا، لا يخاطب أهل التخصص فقط، بل تخاطب أصحاب الثقافة العامة، فيشعر من يقرؤها بارتباطه بهذه الأحاديث، وحسن فهمه لها.
لكننا لا زلنا نفتقد شرحا للسنة النبوية بهذه الطريقة، يخاطب بها المعاصرين، دون الدخول في التفاصيل العلمية الدقيقة التي سيجدها القارئ في كتب التراث، يكون شرحا ابن زماننا، كما كانت شروح السابقين بنت زمانها، ولذا كان مفيدا ومهما لزمانهم وما تلاه من أزمنة، وقد وجدت في زماننا المعاصر بعض علمائنا قد خاضوا بدايات ولكنها لم تكتمل، كانت شرحا للسنة النبوية، فقد كانت محاولات جزئية في موضوعات محددة، ولكنها نمت عن قدرة لديهم لشرح ديوان من دوواوين السنة كاملا، لامتلاكه رؤية واضحة تجمع بين الخطاب المعاصر، والرؤية الواضحة لأبعاد القرآن الكريم، وهضم شديد للسنة، من هؤلاء أربعة نماذج معاصرة لكنهم انتقلوا إلى رحمة الله تعالى، وهم الشيوخ والأساتذة: محمد الغزالي، ويوسف القرضاوي، وخالد محمد خالد، وعبد الصبور شاهين.

فقد رأينا الشيخ الغزالي رحمه الله في كتابه: (كنوز من السنة)، وفي عدة كتب أخرى، تتضح في رأسه وفهمه ارتباط السنة بالقرآن، وفهم خريطتهما فهما دقيقا وعميقا، مثل كتبه: (خلق المسلم)، و(فن الذكر والدعاء عند خاتم الأنبياء)، ففي الكتاب الأخير اتضح ربط الرجل للذكر النبوي في أذكار تتلى في مناسبات مختلفة، يربطها بنظرة الإسلام لكل مظاهر الحياة، ومظاهر التدين، وكل مجالات العبادة والمعاملة والخلق.

وكذلك الشيخ القرضاوي رحمه الله، من نظر في كتاباته عن السنة، وبعض شروحه ونظراته لها، مثل كتبه: (في رحاب السنة) و(السنة مصدرا للمعرفة والحضارة)، وعدد من كتبه التي تناول فيها شروحا لموضوعات تجد له عبارات ليست في كتب السابقين، وهو ما انتبه إليه العالم الجليل المرحوم الدكتور موسى شاهين لاشين، بل طلب منه شرح السنة، لأنه يجد في كلامه دائما كلاما ليس منقولا من الكتب، وهي نفس الرغبة التي نقلها إليه الشيخ الغزالي رحمه الله، فقد طلب إليه أن يشرح ديوانا من دوواين السنة، كالبخاري أو مسلم.

أما خالد محمد خالد، فقد كان نموذجا لم يلتفت إليه الباحثون والدارسون في عطائه في هذا الجانب، فقد كان لديه اهتمام مبكر بشرح الأحاديث النبوية، فكان من كتاباته في بدايات التأليف، كتابه: (لقاء مع الرسول) والذي كتبه مقالات في نهاية الأربعينيات، قام فيه بشرح عدة أحاديث في عدة موضوعات مختلفة، ثم كان كتابه الأبرز والأهم: (كما تحدث الرسول)، والذي بدأه في مطلع الستينيات في عدة أجزاء ثم جمعه في مجلد كبير، لم يكن للرجل من مرجع سوى دوواوين السنة، ثم يشرحها شرحا معاصرا بلغة أدبية عالية، لا يجهلها من يدمن قراءة كتب خالد محمد خالد، يقف فيها الرجل على معاني ولفتات فكرية في غاية الأهمية، ليست منقولة من كتب تراثية أو معاصرة.

أما عبد الصبور شاهين، فقد كان اكتشافا لم ينتبه إليه أحد في هذا الميدان، قام في منتصف تسعينيات القرن الماضي، بإذاعة حلقات في إذاعة القرآن الكريم بمصر، كانت شرحا لكتاب الحج من صحيح الإمام البخاري، لم أشعر أن الرجل يشرح الحج الذي نعرفه، ولا صحيح البخاري الذي نقرؤه ونحفظه، فقد ذهب بعيدا في الشرح، على غير ما نقرأ في كتب التراث، يتحدث عن الحج وأحكامه، لكن حديثه معاصر بكل ما تعنيه المعاصرة، يعالج قضايا حية، لا يتحدث طويلا في الأحكام، بل يغوص في معاني جديدة وأسرار وحكم في النصوص، يربطها بالقرآن الكريم ربطا عجيبا، ويسقط ذلك كله على واقعنا، وكأن النصوص تنزل من جديد لتخاطب الإنسان المعاصر.

كنت أتمنى لو شرحت دوواوين السنة، بأقلام هؤلاء، وبنظرتهم الوسطية المعتدلة، والتي تجمع بين عمق التأمل في كتاب الله، وحسن التبصر في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا تشعرك بما يقع فيه البعض وكأن السنة تعارض القرآن، أو كأنها لا تصلح للشرح إلا بلغة القدماء، وهم كانوا قادرين على ذلك، لكنهم تركوا نماذج لمن يسير على الدرب، أو يبدؤه.

أعتقد أن السنة لا تزال بحاجة ماسة، لمثل هذه الشروح، بهذا الفهم والرؤية التي تنظر للنصوص القرآنية والنبوية، كوحدة متكاملة، يكمل بعضها بعضا، ويشد بعضها بعضا، يصل القارئ المعاصر بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويحببه في قراءتها، ولا يشعر عند قراءتها بصعوبة، أو غرابة، أو الحاجة لاختصار شرح من الشروح القديمة، مع تيسير لمفرداته، فالأيسر وواجب الوقت والعصر، هو هذا الشرح.
لكن؛ هناك مفكر وعالم كبير، لا يزال على قيد الحياة والحمد لله، وهو من أبرز الرواد في هذه المدرسة، ليته يقوم بهذا العمل، وهو على ذلك قادر، وهو أستاذنا الدكتور محمد سليم العوا، فهو يملك أن يقوم بهذا الجهد، وينطلق في هذا المشروع، ولو شق ذلك عليه كتابة، فليقم به شرحا في محاضرات، كما فعل في موضوعات أخرى، مثل: شرح مقدمة ابن خلدون، وشرح إحياء علوم الدين، في حلقات على اليوتيوب على صفحة فضيلته، ثم يقوم طلبة العلم بتفريغه تحت إشرافه، كما فعل في كثير من كتبه الأخيرة التي كانت محاضرات ثم جمعت، فيقوم بشرح أحد كتب الصحاح، سواء البخاري أو مسلم.

فالعوا يملك فهما دقيقا للقرآن والسنة، وحسن استشهاد واستدلال بهما، يدل على وضوح بوصلتهما في رأسه، ومن يقف على عطائه الفكري والفقهي يدرك ذلك بوضوح، كما يملك لغة أدبية عالية، بل آسرة، سواء في فهم النصوص، أو في عرضها، أو في الحديث، وهو ما يعد من أهم الشروط المطلوبة فيمن يشرح السنة للقارئ المعاصر، فلغته سلسة لا تعقيد فيها، ولا إغراب، ولا إلغاز، فليته يبدأ، ومن الله العون والمدد.

أعتقد أن السنة لا تزال بحاجة ماسة، لمثل هذه الشروح، بهذا الفهم والرؤية التي تنظر للنصوص القرآنية والنبوية، كوحدة متكاملة، يكمل بعضها بعضا، ويشد بعضها بعضا، يصل القارئ المعاصر بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويحببه في قراءتها، ولا يشعر عند قراءتها بصعوبة، أو غرابة، أو الحاجة لاختصار شرح من الشروح القديمة، مع تيسير لمفرداته، فالأيسر وواجب الوقت والعصر، هو هذا الشرح.

Essamt74@hotmail.com