ملفات وتقارير

كيف تعاملت حماس مع مفاوضات ملف الأسرى منذ تأسيسها؟

تعرضت حماس لضغط سياسي وعسكري خلال فترة التفاوض على إطلاق سراح الأسير شاليط- أرشيفية
يعد ملف الأسرى الإسرائيليين الموجودين لدى المقاومة الفلسطينية من أهم الملفات التي تحدد مستقبل حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة ضد قطاع غزة لأكثر من 11 شهرا، وهو أيضا من أساسيات أي مفاوضات جارية أو مقترحات لوقف إطلاق النار وإبرام صفقة تبادل.

وتتركز معظم المقترحات المقدمة سواء من الإدارة الأمريكية أو من الاحتلال الإسرائيلي على حل ملف الأسرى الإسرائيليين والإفراج عنهم، مع تجاهل أو عدم إعطاء أولوية لذكر مصير قطاع غزة وآلية إعماره وعودة النازحين إلى شمال قطاع غزة وتحسين الوضع الإنساني الكارثي.

وكانت أولى صفقات التبادل التي تضمنت حركة حماس، هي التي أجريت بين الاحتلال الإسرائيلي والحكومة الأردنية عام 1997، وأطلقت بموجبها عمّان سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين اعتقلتهم بعد محاولتهم الفاشلة في اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس حينها خالد مشعل.

وتضمنت الصفقة في ذلك الوقت إطلاق سراح حكومة الاحتلال للشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس، والذي كان معتقلا في سجونها منذ عام 1989 وكان يقضي حكما بالسجن مدى الحياة.


في أيار/ مايو 1989، وبعد وقت قصير من اختطاف واختفاء الجندي إيلان سعدون، تم اعتقال الشيخ ياسين، وتبين في التحقيق معه أنه أعطى تعليماته لعناصر حماس بخطف الجنود وقتلهم ودفنهم، ليتم إجراء المفاوضات حول إعادة الجثث مقابل إطلاق سراح عناصر حماس.


وقال رئيس مخابرات مصلحة السجون تسفي سيلا الذي كلفته حكومة الاحتلال بجمع المعلومات الجنائية والأمنية من داخل السجون، إن أحمد ياسين رفض فرصة الحرية والإفراج عنه مقابل تسليم جثة الجندي سعدون، بحسب تقرير لصحيفة "هآرتس" نشر عام 2009.

يذكر أن حماس تمكنت في أيار/ مايو 1989 من أسر الجندي سعدون الذي كان برتبة عريف بكامل عتاده العسكري، ولم يتمكن جيش الاحتلال من العثور على جثته إلا بعد مرور نحو سبعة أعوام على العملية.

وكشف سيلا: "بعد عامين من الحديث معه، جاءتني السلطة وقالت: اذهب إليه واطلب جثة الجندي المفقود سعدون، وفي المقابل إسرائيل مستعدة للإفراج عنه، وكان رده: لا يوجد يهودي في العالم يعرف عن أحفادي، عن شوقي إلى الحرية، أنت الوحيد الذي يعرف الحقيقة، وكيف أعيش، وكم أريد الحرية".

وقال سيلا نقلا عن الشيخ ياسين: "عندما تعرض علي الحرية مقابل جثة، سأعطيك الجثة لأنك تطلب ذلك فنحن ندرك وجع العائلة ولكن عدني ألا تطلق سراحي مقابل جثمان الجندي، ثم هل تعدني في حال مت داخل السجن بأن تبلغ عائلتي كم كنت مشتاقا إليهم وأحبهم".


"الوهم المتبدد"
بعد أشهر قليلة من تجنيده في حزيران/ يونيو 2006 وقع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في قبضة المقاومة الفلسطينية فأسرته ونقلته إلى قطاع غزة بعد عملية هجوم لمقاتلين تابعين لثلاثة فصائل فلسطينية مسلحة أبرزها كتائب عز الدين القسام.

واعتقد الاحتلال أن الجندي في عداد المفقودين حتى أعلنت حماس أنه على قيد الحياة وتم بث مقطع مصور له، وطلبت الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

وجرى الأسر ضمن عملية أطلقت عليها كتائب القسام، وألوية الناصر صلاح الدين، وجيش الإسلام، اسم "الوهم المتبدد" وهي عملية عسكرية واختراق حدودي جرت في 25 حزيران/ يونيو 2006، استهدفت مواقع لجيش الاحتلال على الحدود الشرقية لمدينة رفح.


 وأطلق عناصر المقاومة قذيفة على برج مراقبة إسرائيلي ومن ثم حدث تبادل إطلاق نار مع الجنود الإسرائيليين مما أدى إلى استشهاد اثنين من المقاومين ومقتل جنديين إسرائيليين وجرح 5، وأسر الجندي شاليط.

"ماراثون التفاوض"
تعددت مراحل التفاوض منذ أسر شاليط في 2006، حتى إتمام عملية التبادل في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، وتحرير 1027 أسيرا فلسطينيا من سجون الاحتلال من بينهم رئيس المكتب السياسي الحالي والمطلوب الأول للاحتلال يحيى السنوار.

مع حلول عام 2009 ومع استمرار المفاوضات برعاية مصرية، سلم الاحتلال الإسرائيلي أن عودة شاليط لن تكون إلا بطريقة واحدة، وهي صفقة بشروط كتائب القسام، بحسب ما جاء في كتاب "الطريق إلى صفقة وفاء الأحرار: صفقة شاليط 2006-2011"، للباحث الفلسطيني محمد عبد ربه مطر.


وجاء في الكتاب أنه في عام 2009 تقدمت الصفقة خطوات كبيرة، وأوشكت على نهايتها وتفاءل الجميع بتوقيعها، ثم ما لبثت أن توقفت بسبب تعثر مصر في التوصل إلى تنفيذ اتفاق المصالحة الوطنية بين حركتي حماس وفتح.

وجاء الفشل أيضا بسبب عدم استعداد الاحتلال حينها لدفع الثمن، ما دفع حكومته إلى التراجع عن بنود كثيرة اتفق عليها، وطرح معايير جديدة رفضتها حماس، لأنها لا تلبي أدنى الشروط، وبقيت مفاوضات الصفقة مجمدة.

وعرض الكتاب كيف "مارس الوسطاء وأطراف عربية ودولية الضغوط على حركة حماس، وأن بعضهم كان يعمل ضمن تطبيق المصلحة الإسرائيلية. 

وخلال سنوات التفاوض، تحدث رئيس المكتب السياسي لحماس حينها خالد مشعل عن أن دولا وشخصيات عديدة "طرقت باب حماس للتدخل"، وهو ما وصفه عضو المكتب السياسي للحركة وأول رئيس لمكتبها السياسي بالقول "كم إسرائيل مدللة في العالم".

وإلى جانب الضغط السياسي، عملت "إسرائيل" على تصعيد العدوان ضد قطاع غزة في أكثر من مناسبة كان أبرزها في نهاية عام 2008 أو ما بات يعرف فلسطينيا باسم "الحرب الأولى"، التي استمرت 22 يوما، وأدت إلى استشهاد 1285 فلسطينيا وإصابة نحو خمسة آلاف.

وحدة الظل
جاء النجاح في إبرام صفقة شاليط، التي أطلقت عليها المقاومة اسم "وفاء الأحرار"، ليسلط الضوء فيما بعد على دور وحدة الظل التي تأسست عام 2006 بعد شاليط بهدف تأمينه بسرية تامة، وهو ما نجحت فيه المقاومة طوال خمس سنوات حتى إجراء الصفقة.


توكل إلى الوحدة المهمات الحساسة والصعبة، وتشرف عليها كتائب القسام، وجرى الكشف عن وجودها لأول مرة عام 2016، وتعتمد على مبدأ معاملة أسرى الاحتلال بكرامة واحترام وفق أحكام الإسلام، وهو ما ظهر خلال المقاطع التي نشرت للأسير شاليط، وتمت ملاحظته خلال أيام التبادل التي أجريت خلال الحرب الحالية وأيام الهدنة السبعة التي بدأت في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023.

وتم خلال هذه الهدنة إطلاق سراح 240 أسيرا فلسطينيا من سجون الاحتلال، مقابل إطلاق أكثر من 100 أسير إسرائيلي لدى المقاومة في غزة، وهو ما اشترطته المقاومة أن الإفراج عن الأسرى لن يتم تحت النار.


وعن أولوية ملف الأسرى الفلسطينيين بالنسبة للمقاومة، جاءت عملية طوفان الأقصى لتؤكد ذلك، بتصريح الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة حول أن ثمن العدد الكبير من الأسرى الإسرائيليين هو "تبييض" كافة السجون من كافة الأسرى الفلسطينيين.

وقال أبو عبيدة في كلمة نشرت بتاريخ 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إن "اتصالات جرت في ملف الأسرى وكانت هناك فرصة للوصول إلى صيغة اتفاق لكن العدو ماطل"، مضيفا: "إذا أراد العدو إنهاء ملف الأسرى مرة واحدة فنحن مستعدون وإذا أراد مسارا لتجزئة الملف فمستعدون أيضا".

الشروط الحالية 
بعد شهور من حرب الإبادة المستمرة، طرح الرئيس الأمريكي جو بايدن خطة لتنفيذ المقترح الذي تم طرحه مطلع تموز/ يوليو الماضي، والذي وافقت عليه الحركة آنذاك، قائلة: "خاضت حركة حماس جولات مفاوضات عديدة، وقدمت كل ما يلزم من مرونة وإيجابية من أجل تحقيق أهداف ومصالح شعبنا وحقن دمائه ووقف الإبادة الجماعية بحقه، وبما يفتح المجال لعملية تبادل للأسرى وإغاثة شعبنا وعودة النازحين وإعادة إعمار ما دمره العدوان".

وتتضمن خطة بايدن ثلاث مراحل لإنهاء الحرب الدائرة وتنص المرحلة الأولى التي تستمر ستة أسابيع، على وقف شامل لإطلاق النار، مع انسحاب القوات الإسرائيلية من كافة المناطق المأهولة في قطاع غزة، مع إطلاق حماس سراح عدد من الأسرى الإسرائيليين لديها، مقابل إفراج الاحتلال عن مئات الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.

ويتمكن المدنيون الفلسطينيون، خلال هذه المرحلة، من العودة إلى منازلهم في كافة مناطق غزة، بما في ذلك الشمال، كذلك يُسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بمعدل 600 شاحنة يوميا.

وفي المرحلة الثانية تقترح الخطة أن يجري خلالها "الإفراج عن كافة المحتجزين الأحياء المتبقين لدى حركة حماس، بمن فيهم الجنود الرجال، وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، مع تحول وقف إطلاق النار المؤقت إلى وقف دائم للأعمال العدائية، في حال أوفى الطرفان بالتزاماتهما".

أما المرحلة الثالثة فمن المقرر أن "تشهد إعادة إعمار قطاع غزة، كذلك يجري إعادة رفات من تبقى من المحتجزين الإسرائيليين، الذين قتلوا".


ومنذ أسابيع عديدة تتمسك حماس بموافقتها على هذه الخطة، وأعلنت مرارا استعدادها لتنفيذها وأنها ليست بحاجة إلى خوض مفاوضات جديدة.

وبوساطة مصر وقطر، ودعم الولايات المتحدة، تجري "إسرائيل" و"حماس" منذ أشهر مفاوضات غير مباشرة متعثرة، بسبب إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على استمرار احتلال ممر "نتساريم"، ومعبر رفح ومحور فيلادلفيا على الحدود مع مصر، بينما تتمسك حركة حماس بانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي.