قضايا وآراء

العراق والتطوّرات الإقليميّة ودائرة الحرب!

"التطوّر العراقيّ الأبرز يكمن في تحميل "إسرائيل" لحكومة محمد شياع السوداني مسؤوليّة إيقاف الهجمات عليها"- إكس
تطوّرات ميدانيّة وسياسيّة كبيرة ومتلاحقة تشهدها الحرب الإقليميّة بين "إسرائيل" من جهة، وتقابلها المقاومة الفلسطينية وحزب الله اللبنانيّ، وفصائل المقاومة اليمنيّة والعراقيّة والسوريّة المرتبطة بإيران.

التطوّرات الجديدة، والمرتبطة أمنيّا بالعراق، تمثّلت باتّفاق وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" ولبنان الأربعاء الماضي، والهجمات المفاجئة والضارية للمعارضة السوريّة في الشمال السوريّ، ولكنّ التطوّر العراقيّ الأبرز يكمن في تحميل "إسرائيل" لحكومة محمد شياع السوداني مسؤوليّة إيقاف الهجمات عليها.

وقد بعث وزير خارجيّة "إسرائيل" جدعون ساعر رسالة إلى مجلس الأمن الدوليّ يوم 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، تطرّق فيها لقضيّة "حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، متّهما ستّة فصائل مسلّحة بالهجمات، وهي: "عصائب أهل الحق، وحزب الله، وبدر، والنجباء، وأنصار الله، وسيد الشهداء"، وأكّد بأنّها فصائل تابعة للحشد الشعبيّ، الذي يتلقّى "الرعاية من الحكومة العراقيّة، والتوجيهات من إيران".

"نتنياهو" لم يُسارع بضرب العراق بل ذهب للميدان السياسيّ الدوليّ، وهذا الأسلوب لم يستخدمه في غزّة ولبنان ولا حتّى مع إيران والحوثيين، وأرى بأنّه نابع من عدم رغبة "إسرائيل" في تأزيم علاقاتها مع واشنطن عبر نشر الفوضى في بلاد نُظّمت فيها العمليّة السياسيّة بإدارة وتخطيط وترتيب أمريكيّ

وبعد إعلان وقف النار مع لبنان، قال بنيامين نتنياهو إنّ الاتّفاق "يعني أنّنا سنركّز على التهديد الإيرانيّ الآن"! وهذا الكلام سيشمل الفصائل العراقيّة وفقا للرسالة "الإسرائيلية" لمجلس الأمن!

والملاحظ أنّ "نتنياهو" لم يُسارع بضرب العراق بل ذهب للميدان السياسيّ الدوليّ، وهذا الأسلوب لم يستخدمه في غزّة ولبنان ولا حتّى مع إيران والحوثيين، وأرى بأنّه نابع من عدم رغبة "إسرائيل" في تأزيم علاقاتها مع واشنطن عبر نشر الفوضى في بلاد نُظّمت فيها العمليّة السياسيّة بإدارة وتخطيط وترتيب أمريكيّ!

ورغم رفض العراق للشكوى "الإسرائيليّة"، لكنّ هذا لا يمنع "إسرائيل" من تنفيذ تهديداتها إن لم يتمكّن السوداني من ضبط المشهد الأمنيّ العامّ!

وسبق "لإسرائيل" أن أعلنت في الرابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2024 عن مقتل اثنين من جنودها من لواء جولاني بهجوم نفّذته مُسيّرة عراقيّة!

وخلال الأيّام الماضية تحرّكت حكومة السوداني على الجانبين الدبلوماسيّ الخارجيّ والميدانيّ الداخليّ.

دبلوماسيّا، تواصلت بغداد مع حلفائها الغربيّين، وضغطت على واشنطن لتفعيل القسم الثالث من اتّفاقيّة الإطار الاستراتيجيّ بين البلدين، وضبط "إسرائيل"! ولكنّ واشنطن أبلغت بغداد بأنّها "استنفدت كلّ وسائل الضغط على إسرائيل لمنع تنفيذ ضربات جوّيّة ضدّ أهداف عراقيّة"!

وكشفت سفيرة واشنطن في بغداد ألينا رومانوسكي، الأربعاء الماضي، أنّ "الاتّفاق لم يتطرّق للدفاع عن العراق وأجوائه"!

داخليّا، وجّه السوداني بملاحقة أيّ نشاط عسكريّ خارج سلطة الدولة، في وقت أُخليت بعض المواقع العسكريّة، ودخلت غالبيّة القطعات حالة الإنذار والترقّب، وكذلك وجّه السوداني بتهيئة الدفاعات الجوّيّة للتصدّي للتهديدات "الإسرائيلية"، وبتهيئة المقاتلين والعجلات والأسلحة لأيّ طارئ، وتأمين الأرزاق لشهر كامل، وتفريق العجلات والأعتدة، ورصد أيّ محاولة لإطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة لاستهداف "مستشاري التحالف الدوليّ داخل العراق"!

ورغم "جدّيّة" السوداني في منع التصعيد المرتقب، إلا أنّ بعض القوى "الشيعيّة" الداعمة للحكومة هي جزء من "المقاومة"، وهنا تكمن العقدة الأصعب، والعصا الأبرز في عجلة السوداني، ولهذا فإنّ أيّ تحرّك حكوميّ ضدّ "المقاومة" قد يُعجّل بنهاية السوداني وحكومته!

أظنّ أنّ حكومة السوداني ستُحْرَج من الضربات "الإسرائيليّة" المتوقّعة، وقد تكون تلك الضربات مفصليّة ومُهشّمة لصور الترابط بين الحكومة والفصائل، وحينها قد نكون في مواجهة فوضى أمنيّة شبه عامّة، وهذا ما لا نتمناه للعراق!

ورغم أنّ بعض الفصائل قد أعلنت بأنّها "على أهبة الاستعداد"، ولكن هنالك تسريبات تُشير إلى هروب بعض قادة الفصائل خارج العراق!

وحاليّا هنالك تخوّف عامّ من وجود بعض مخازن أسلحة "الفصائل" داخل المدن، وهذا سيزيد من احتماليّة استهداف المدنيّين الأبرياء في الضربات "الإسرائيليّة"!

وللحقيقة، فإنّ البنى التحتيّة للفصائل العراقيّة لا تُقارن بقدرات المقاومة الفلسطينيّة واللبنانيّة، كونها مقرّات بسيطة ويمكن لأبسط ضربة جوّيّة وصاروخيّة أن تمسحها من فوق الأرض!

المتوقّع أنّ الصواريخ والمسيّرات "الإسرائيليّة" ستمرّ دون محاولات فاعلة لتحييدها، كون النظام الدفاعيّ الجوّيّ العراقيّ يعاني من مشاكل مرتبطة بجودة أسلحة التصدّي!

وبخصوص الدفاعات الجوّيّة قالت مجلّة "فوربس" الأمريكيّة، يوم 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، إنّ العراق سيُزَوَّد بطائرات "رافال" الفرنسيّة المقاتلة، لكنّ الطائرات لن تُجَهّز بصواريخ "ميتيور" جوّ-جوّ التي تتجاوز مدى الرؤية، نتيجة لضغوطات "إسرائيليّة" على فرنسا، وهذا يقلّل من أهمّيّتها كمقاتلات تفوّق جوّيّ!

تأجيل الضربات بضغوطات أمريكيّة لا يعني أنّ "إسرائيل" ألغتها من خططها المستقبليّة! فهل سيبقى العراق خارج دائرة الحرب وبالذات مع المعارك المستمرّة في سوريا، أم أنّ الأمور ستخرج عن السيطرة في المرحلة القريبة المقبلة؟

وبعد توقف لثلاثة أيّام استأنفت فصائل المقاومة العراقيّة نشاطها، الأحد الماضي، وأطلقت طائرة مسيّرة باتّجاه هدف عسكريّ "إسرائيليّ"!

ورغم الفوضى المتوقّعة فإنّ بعض القوى السياسيّة العراقيّة قد ترى في الضربات "الإسرائيليّة" المرتقبة مناسبة للتغطية على فشلها الواضح، وعجزها عن بناء الدولة بعد أكثر من 20 عاما من "التغيير والديمقراطيّة"!

إن مرّت الأيّام المقبلة على العراق "بسلام وهدوء"، فهذا يعني أنّ واشنطن أجبرت "إسرائيل" على التراجع لحين ضبط زمام الأمور من قبل حكومة السوداني، وإن لم تنجح، وهذا هو الراجح، فأعتقد أنّ العراق سيشهد اغتيالات "إسرائيلية" لشخصيّات بارزة في الحشد الشعبيّ والفصائل!

عموما، فإنّ تأجيل الضربات بضغوطات أمريكيّة لا يعني أنّ "إسرائيل" ألغتها من خططها المستقبليّة! فهل سيبقى العراق خارج دائرة الحرب وبالذات مع المعارك المستمرّة في سوريا، أم أنّ الأمور ستخرج عن السيطرة في المرحلة القريبة المقبلة؟

x.com/dr_jasemj67