في أوج الممارسات الإجرامية التي قام
بها جزار
سوريا المخلوع بشار
الأسد، مستعينا بحلفائه الإقليميين والدوليين لإبادة شعبه وتدمير مدنه وتهجير
أكثر من نصف سكان سوريا، أصدر مجلس الأمن قبل 9 أعوام في 18 كانون الأول/ ديسمبر
2015 القرار رقم 2254، الذي طالب جميع الأطراف بالتوقف فورا عن شن أي هجمات ضد
أهداف مدنية، وحث القرار جميع الدول الأعضاء على دعم الجهود المبذولة لتحقيق وقف
إطلاق النار، وطلب من
الأمم المتحدة أن تجمع بين الطرفين (النظام والمعارضة)، للدخول في مفاوضات رسمية في أوائل كانون الثاني/ يناير 2016.
وأقر القرار باستثناء مجموعات
اعتبرها "إرهابية"، بما في ذلك تنظيم الدولة وجبهة النصرة. وسمح القرار
باستمرار ما وصفها بالأعمال الهجومية والدفاعية ضد هذه المجموعات، وأقر آلية
لمراقبة وقف إطلاق النار، وأقر إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم
المتحدة، في غضون 18 شهرا.
وكما اتضح خلال الأعوام التسعة أن
الصياغات المطاطة والملغومة التي صيغ بها القرار انتهت؛ لعجز المجتمع الدولي عن
تحقيق الأمن والاستقرار وحماية المدنيين في سوريا، ووقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق
الإنسان، بل وشرعت لنظام بشار الأسد ممارسة الانتهاكات من تدمير المدن باستخدام
البراميل المتفجرة والطائرات الحربية والأسلحة الكيميائية؛ باعتبارها إجراءات
لمحاربة
الإرهاب!!
اتضح خلال الأعوام التسعة أن الصياغات المطاطة والملغومة التي صيغ بها القرار انتهت؛ لعجز المجتمع الدولي عن تحقيق الأمن والاستقرار وحماية المدنيين في سوريا، ووقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بل وشرعت لنظام بشار الأسد ممارسة الانتهاكات من تدمير المدن باستخدام البراميل المتفجرة والطائرات الحربية والأسلحة الكيميائية؛ باعتبارها إجراءات لمحاربة الإرهاب!!
وفشلت كل المبادرات السياسية، ومنها
مسار آستانة واجتماعات جنيف وغيرها من أجل الاتفاق على أساس دستوري واتفاق سياسي، في ظل تعنت نظام المخلوع بشار الذي اطمأن للدعم الخارجي، الذي كان يستعين به لقمع
شعبه، بعد أن منح القواعد العسكرية والتسهيلات الضخمة لروسيا، التي أسبغت الحماية
لنظامه، عسكريّا ودوليّا، واستخدمت حق النقض الفيتو في مجلس الأمن 17 مرة على الأقل؛ لحماية نظام بشار الأسد ومنع مساءلته على جرائمه، ومنها استخدام الأسلحة الكيميائية
ضد المدنيين، حتى بعد أن أدانت تقارير الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة
الكيميائية نظام الأسد، في آب/ أغسطس 2016، لاستخدامه الأسلحة الكيماوية (قنابل
الكلور) على بلدة "تلمنس" في نيسان/ أبريل 2014 و"سرمين" في آذار/
مارس 2015، ما أدى لاستشهاد 1450 مدنيّا، بينهم أكثر من 200 طفل وامرأة، وإصابة
آلاف آخرين.
كما أدان تحقيق آخر للأمم المتحدة في
27 كانون الثاني/ يناير 2023 استخدام أسلحة كيميائية ضد المدنيين في هجوم السابع
من نيسان/ أبريل 2018 في دوما على مشارف دمشق، الذي أسفر عن مقتل 43 مدنيّا.
واليوم، وبعد أن انتصر الشعب السوري
على واحد من أكثر الأنظمة وحشية وفسادا في العالم، ونال حريته بعد هروب بشار
وكبار مجرميه، بعد أن قدم الشعب أكثر من 600 ألف شهيد خلال الـ14 عاما الأخيرة،
ونزوح أو لجوء 13 مليون مواطن من ديارهم بعد أن هُدمت مدنهم وقراهم، يأتي البعض الآن ليضع قرار مجلس
الأمن 2254 الذي عجزوا عن تنفيذه، كمسمار جحا للتدخل الدولي في مستقبل الشعب
السوري، الذي لديه قلق حقيقي يتعلق بوحدة التراب السوري، ومخاوف تتعلق بتقسيم
سوريا أو السماح بتأسيس كيانات مسلحة داخل التراب السوري. وكلها مشاريع لها من
يدعمها خارجيا، وهي أمور بالتأكيد لن تجد قبولا من الغالبية العظمى من الشعب، الذين
يريدون توحيد البلاد والسيطرة على كل موارد الدولة السورية.
هذا القرار بصيغته القديمة تجاوزه
الزمن، ويحتاج لإعادة النظر فيه على ضوء ما تأكد من أن الصراع كان مع الشعب السوري
التواق للحرية والرافض للظلم، وليس مع جماعات وصفت ظلما بالإرهابية، كما ورد في متن
القرار، بل إن العالم يكتشف يوميا حجم الإرهاب الذي كان مصدره نظام المخلوع بشار
الأسد، الذي لم يترك جريمة لم يرتكبها في حق شعبه بل وشعوب المنطقة والعالم، ومنها
ما يتم كشفه من معامل للمواد المخدرة التي كان يصدرها لجميع الدول.
على من يحاولون الآن التدخل في شؤون سوريا، وفرض الوصاية عليها بزعم تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، أن يحاسبوا أنفسهم أين كانوا طوال الأعوام الـ14 الأخيرة، وكيف كانت مواقفهم وانحيازاتهم، ومنذ متى تذكروا حقوق السوريين الذين سحقهم نظام بشار في سوريا؟!
وعلى ضوء ما تحقق في 8 كانون الأول/ ديسمبر
الماضي، بعد سقوط نطام الطاغية بشار الأسد، لا يمكن الاعتداد بهذا القرار.
سوريا الجديدة تحتاج لتضمد جراحها
بمساعدة كل أصدقائها، بعد رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها بعض الدول، بسبب
الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بعد أن أصبح الباب مفتوحا الآن للكشف عنها
ومحاسبة مرتكبيها في إطار نظام للعدالة الانتقالية يزاوج بين المحاسبة والعفو، ويجبر الأضرار ويكشف حقائق كل الانتهاكات، ويعمق المصالحة الوطنية التي رأيناها
تتجلى في الاحتفالات الواسعة في كل المدن السورية بالحرية وسقوط النظام الطائفي، الذي حكم سوريا بالحديد والنار.
بالتأكيد يحتاج أصدقاء سوريا
للاطمئنان على أن سوريا الجديدة ستتسع لكل أبنائها على أساس المواطنة، دون إقصاء
لفكر أو طائفة، وبالتأكيد سوريا تحتاج لبعض الوقت لمعالجة القضايا العاجلة، ومنها
إعادة تأسيس المؤسسات التي انهار بعضها لارتباطها بأفراد وليس بالوطن.
وهذا لا يقلل من حق الشعب السوري أيضا
في اختيار نظامه السياسي، وكتابة دستوره وانتخاب حكامه دون
وصاية عليهم، في إطار
الالتزام بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
وقد عبر الثوار مؤخرا عن رغبتهم
بالفعل في بناء دولة قانون تتسع لكل السوريين، وبدأ المهاجرون بالفعل بالعودة
لديارهم، وصدرت تطمينات لكل الطوائف الدينية والإثنية والسياسية، وهذه بدايات جيدة
تحتاج للبناء عليها.
وعلى من يحاولون الآن التدخل في شؤون
سوريا، وفرض الوصاية عليها بزعم تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، أن يحاسبوا أنفسهم أين
كانوا طوال الأعوام الـ14 الأخيرة، وكيف كانت مواقفهم وانحيازاتهم، ومنذ متى تذكروا
حقوق السوريين الذين سحقهم نظام بشار في سوريا؟!