تقول إحصاءات رسمية إن زواج القاصرين (أقل من 18 عامًا) بالمغرب في ازدياد مطرد، وهو ما أثار حراكًا مجتمعيًا بالبلاد خلال الآونة الأخيرة.
وإذا كان
البرلمان المغربي قد حسم النقاش حول السماح بزواج القاصر من مغتصبها، بعد مصادقته على تعديل قانون الإجراءات الجنائية بما يجعله يمنع زواج القاصر من مختطفها أو المغرر بها، فإن الجدل بين المطالبين بإلغاء زواج القاصرين بصفة نهائية من التشريعات المغربية، وبين من يطالب بالسماح به وفق شروط محددة بشكل استثنائي، لا زال متواصلا.
ويناقش البرلمان المغربي هذه الأيام مقترحات قوانين تخص تعديل فصول من مدونة
الأسرة (قانون ينظم علاقة الزواج والطلاق والحضانة والنفقة)، التي صدرت سنة 2004.
وتكشف إحصاءات أعدتها وزارة العدل المغربية أن عدد القاصرين الذين سمح لهم القضاة بالزواج قد انتقل من 18 ألفًا و341 قاصرًا سنة 2004 إلى 39 ألفًا و31 قاصرًا سنة 2011.
وتشير تلك الإحصاءات إلى أن قضاة الأسرة المكلفين بالسماح بزواج القاصرات قد رفضوا 4 آلاف و899 طلبًا خلال سنة 2011.
ورغم أن مدونة الأسرة تحدد سن أهلية الزواج بـ18 عامًا، إلا أن المادة 20 من هذه المدونة تجيز
زواج القاصرات بإذن من القاضي، حيث تنص على أنه "يمكن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي".
ويتوقف زواج القاصر، حسب القانون، على موافقة نائبه الشرعي، الذي يرفق توقيعه مع توقيع القاصر على طلب الإذن بالزواج، ويحضر أثناء إبرام عقد الزواج، غير أنه في حالة رفض النائب الشرعي لهذا الزواج فإن الأمر يعود للقاضي للبت فيه.
وسبق أن تقدم برلمانيون بمقترح قانون سنة 2012، من أجل الحد من سلطة القاضي لتزويج القاصرات، خصوصا البالغات سن 15 و14 و13 سنة، إذ تقدم الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان المغربي) بمقترح قانون يقضي بعدم السماح للقاضي بمنح إذن لزواج القاصر دون سن السادسة عشرة.
وتمت المصادقة عليه يوم 22 يناير/ كانون الثاني 2013، وأحيل إلى مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) للمصادقة عليه حتى يصير قانونًا غير أنه تعثر، بعد أن أثار النقاش بين البرلمانيين، إذ إن هناك من يرى أنه يجب أن يمنع زواج القاصرين بصفة نهائية، بينما هناك آراء ترى أن يحدد سن زواج القاصر في 16 سنة على أن يعلل القاضي قراره ليوضح فيه الأسباب التي دفعته للإذن بزواج القاصر، مع مراعاة التقارب في السن بين الطرفين المعنيين بالزواج.
وإلى جانب مدونة الأسرة، فإن القانون الجنائي المغربي كان يسمح بزواج القاصر من مغتصبها، غير أن البرلمان المغربي وافق على تعديل قانون الإجراءات الجنائية بما يجعله يمنع زواج القاصر من مختطفها أو المغرر بها، في 8 يناير/ كانون الثاني من السنة الحالية (2014).
وينص القانون على حذف الفقرة الثانية من الفصل 475 من قانون الإجراءات الجنائية التي تسمح للمغتصب بالزواج من ضحيته، وتمنحه حصانة من المتابعة القضائية، والإبقاء على الفقرة الأولى التي تقضي بـ"معاقبته بالسجن من سنة إلى 5 سنوات".
وكانت حادثة انتحار الشابة أمينة الفلالي بمدينة العرائش (شمال) في 10 من مارس/ آذار 2012 بعد إجبارها على الزواج من مغتصبها قد أثارت جدلا واسعا في المغرب، حيث تصاعدت عقبها المطالب الحقوقية بإلغاء الفصل 475 الذي يسمح للمعتدي بالزواج من الضحية، ويضمن له الإفلات من الملاحقة القضائية.
وعبرت الحكومة المغربية عن موافقتها مطلع السنة الماضية (2013) على مقترح القانون الذي يقضي بإلغاء الفقرة الثانية من الفصل 475، بعد حالة استياء واسعة خلفها انتحار الطفلة أمينة الفلالي في أوساط الرأي العام المحلي، مشيرة إلى أنها ستعمل على معاقبة المغتصب الذي تسبب في هتك العرض بالحبس لمدة تصل لـ30 سنة.
وتطالب جمعيات حقوقية مغربية منذ سنوات طويلة الحكومة المغربية بالمبادرة للقيام بإصلاح شامل للقوانين الجنائية ذات الصلة بجرائم العنف ضد المرأة والاغتصاب إلى جانب التطبيق الكامل لاتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ومنع كلي لزواج القاصرات.
في المقابل، تقول الحكومة المغربية إنها تعمل على تعزيز احترام حقوق المرأة وضمان كرامتها، ومحاربة عمالة الفتيات القاصرات وحمايتهن من كافة أشكال العنف والاستغلال، حيث تواصل الحكومة مناقشة مسودة قانون تتعلق بحماية النساء من العنف، وتفرض عقوبات تصل إلى الحبس على المعتدي، وتجرم التحرش الجنسي ضدهن.