انتقدت صحيفة
هآرتس الإسرائيلية استهانة
الإعلام الحكومي الإسرائيلي بتغطية أخبار العرب الموجودين داخل الخط الأخضر، بخلاف العناية والاهتمام الذي تظهره باليهود وحياتهم.
ووصف الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي في مقاله الخميس في الصحيفة، نشرة الأخبار المركزية على القناة الثانية بأنها "مخصصة لليهود فقط"، منتقداً تعاطيها مع خبر انفجار أنبوبة الغاز في
عكا، والذي أودى بحياة خمسة أشخاص عرب.
وفيما يلي نص المقال:
السلام عليكم ومساء الخير، هنا النشرة المركزية لاخبار القناة الثانية. اليكم نشرة الاخبار وأهم ما فيها أنها مخصصة لليهود فقط. فهي لأجلهم وواضح أنها لأجلهم، تشارك مشاركة فاعلة في كل الحملات السافلة لسلب الفلسطينيين في المناطق انسانيتهم – وهذا واضح منذ زمن – وعرب اسرائيل ايضا. هل تريدون مثالا واحدا من أمثلة كثيرة؟ إنها النشرة المركزية في يوم الاثنين من هذا الاسبوع.
وقعت كارثة في عكا فقد انفجرت انبوبة غاز، هلكت 5 أرواح وفنيت عائلتان وخرب بيت قديم. فهل تتحدث النشرة المركزية عن ذلك، من المؤكد أنها ستتحدث عنه بل سيعلن ذلك في بداية الاخبار. لكن لننتقل الآن الى الاخبار بتوسع: إن النشرة بلغت الى الكارثة بعد مرور ثلاثة (!) مواضيع أخرى فقط وبلغنا إلى الكارثة في الموضوع الرابع فقط. سنحدثكم أولا عن اشياء أهم وأكثر إثارة للعناية: تقرير "عجيب" يأتي هذا المساء عن تجار سلاح من بنيامين باعوا إيران قطع غيار "باهظة الكلفة"؛ وسنحدثكم عن الصداقة بين شولا زاكين وايهود اولمرت التي اخذت تتصدع؛ وعن مُدبر البيت في منزل رئيس الوزراء الذي يهدد بأنه سيكشف عن تفاصيل محرجة. فقد استقر رأي محرري النشرة على أن تسبق هذه السخافات الثلاث، أن تسبق الكارثة. لماذا؟ هذا سؤال جليل. سنجيب عنه بصورة قاطعة: لأن ضحايا الكارثة في عكا عرب. أنتم بشر في الحقيقة بل أنتم مواطنو الدولة لكنكم عرب.
ومن أين جاء هذا القطع؟ لأنه وقعت قبل ذلك بشهر كارثة مشابهة جدا. وكانت كارثة غاز ايضا وسقط قتلى آنذاك ايضا، عائلة واحدة وثلاثة اشخاص لكن ذلك كان في حي غيلو في القدس اليهودية لا في عكا العربية وكان الضحايا منا، وأطلقت قذيفة صاروخية في ذلك المساء على ايلات فأدى المراسل العسكري تقريرا قصيرا عن "الميدان" – فالامن يسبق الكارثة – وانتقلنا بعد ذلك فورا الى الكارثة اليهودية بتوسع فكان ربع ساعة من التقارير الصحفية التي تمزق القلب.
لا يعني هذا أن نشرة الاخبار المركزية لا تحب الكوارث، بالعكس. إن المآسي عملها الاساسي وإن التوقيع الهزلي على المشاعر فطري في مورثاتها الجينية. فحينما تسمم الاولاد الاربعة في القدس في كارثة المبيدات الحشرية، كانت نشرة الاخبار المركزية تؤدي في كل يوم تقريرا عن وضع الناجيين، مستنزفة دمع العيون بقدر استطاعتها. وكان حديث عن النذر "السوء" والبشائر "الفضلى"، وكان شعب كامل يقف تنفسه بأمر من نشرة الاخبار. وكان كل تغيير في وضعهما الطبي يؤدى فورا ببث حي من عند مدخل المستشفى. حرر اسحق من جهاز التنفس وفتح اخوه يعقوب عينيه، وياللسعادة الوطنية. كانا يهوديين وما كان يصعب أن نتخيل كيف كانت تكون التغطية الاعلامية لولا هذه الحقيقة.
إن الامر كله في التحرير. فمحررو النشرة يحددون لكم في كل مساء ما هو المهم وما هو المثير للعناية، وبناءا على ذلك يقررون ما الذي يؤدى التقرير عنه وكم ومتى في الأساس: من الأهم والأكثر إثارة للعناية فما دون ذلك. إن كارثة عكا مثلا هي الرابعة في أهميتها وإثارتها للعناية – بعد صفقة السلاح الصغيرة العجيبة ومُدبر البيت المهدد والعلاقات بين رئيس الوزراء السابق وأمينة سره. إن كل ذلك أهم عندكم وأكثر إثارة لعنايتكم من الكارثة في عكا – هكذا قرروا من اجلكم.
فما الذي يستنتجه المشاهد الاسرائيلي في مساء يوم مرهق؟ يستنتج أن حياة العرب ومنهم مواطنو دولته أقل أهمية وإثارة للعناية وأرخص كثيرا. لو كان الحديث عن زلة في التحرير عرضية لمرة واحدة لما وجدت حاجة إلى إجهاد النفس، لكن الحديث عن نهج مغروس عميقا جدا وهو ينقل رسائله الخفية الى المشاهدين اليهود لكنه يقول للمشاهدين العرب أيضا شيئا ما عن منزلتهم في سلسلة غذاء الاخبار، هي منزلتهم في المجتمع. وقتل عربي في يافا؟ ليس ذلك خبرا. أقتل عربي على مبعدة مئات الامتار شمال مدينته وعلى مرأى من مئات اليهود في يوم السبت المقدس؟ مُفتتح النشرة.
هكذا يصوغون الوعي وهكذا يربون شعبا ويشكلون برنامج عمل له. وهكذا أيضا يحرضون بصورة بغيضة دون أن يتركوا أدلة جنائية حتى لم يعد العربي الميت عربيا صالحا (لنشرة الاخبار المركزية).