لأسباب سياسية حُرِمْتُ منَ العمل في مجال الإعلام، والصحافة حتى قامت ثورة يناير المجيدة، وحتى هذا اليوم لست مقيدا في أي نقابة من نقابات هذه المهنة، لأنني لم يتسَنَّ لي أن أوظف في أي مؤسسة من المؤسسات، بسبب معارضة أجهزة المخابرات المختلفة لتوظيفي في أي موقع صغير أو كبير.
كانت علاقتي ضعيفة بمعظم المذيعات والمذيعين العاملين في عصر مبارك، ولم تقو هذه العلاقة إلا بعد ثورة يناير، بحكم أنني أصبحت من العاملين في المجال، ولأنني أصبحت ضيفا مطلوبا في البرامج المختلفة، بعد أن كنت ممنوعا من الظهور.
كنت أعلم أن هؤلاء "النجوم" غير مؤهلين، ولكني لم أكن أتخيل أنهم بهذا الجهل الفادح الفاضح المركب المتأصل في غالبيتهم.
الاستثناءات قليلة، يعرفها القارئ الكريم، فالمذيعات، والمذيعون الذين يمكن أن تطبق عليهم مقاييس عالمية (مقاييس البي بي سي مثلا)، لن يتجاوزوا أصابع اليد الواحدة بأي حال من الأحوال، وأنا هنا أتحدث عن "نجوم المذيعين"، أتحدث عن الذين نرى صورهم في الشوارع، ويأتي على أسمائهم إعلانات بمئات الملايين من الدولارات سنويا.
لو طبقنا المعايير البسيطة لوظيفة المذيع على غالبية هؤلاء "النجوم" لن ينجح أحد، فجُلُّهُم لا يستطيع قراءة صفحة واحدة بلغة عربية شبه سليمة!
لم أر واحد فيهم يتحدث عن كتاب، أو يستشهد ببيت شعر، أو يروي حكاية ذات مغزى، إنهم جهلاء، وأنصاف المثقفين فيهم لم يفتحوا كتابا منذ سنوات طوال، فالواحد منهم يستمتع بنجوميته، ويزيد رصيده من العلاقات العامة، ولا يفكر في تطوير نفسه أصلا.
مؤهلات وظيفة المذيع في عهد مبارك كانت "رضا أمن الدولة"، بالإضافة للعلاقات العامة، لذلك يعتبر بذل الجهد خارج هذين الأمرين تضييعا للوقت.
بعض المذيعين الكبار ورؤساء تحرير الصحف يتملقون أصحاب القنوات لدرجة أن زوجاتهم قد أصبحن خدما أو (شماشرجية) عند زوجة وبنات صاحب القناة (وهذا أمر شائع، وفي العديد من المحطات الكبرى)، وقد رأيته بنفسي.
لم أكن أتخيل أن هؤلاء "النجوم" الذين تصل رواتبهم لمئات الآلاف من الجنيهات شهريا على هذه الدرجة من الجبن والخنوع، أعني لدرجة توظيف زوجاتهم خدما عند "هانم"!
في مواقف كثيرة كنت أستغرب من الإذلال الذي يعامل به هؤلاء "النجوم" ممن يوجههم، سواء كان "الشؤون المعنوية" أو غيرها، وكأنهم (ممسوك عليهم ذلة).
هؤلاء الجهلة الجبناء لهم نصيب في المسؤولية عن حالة الاستقطاب التي وصل لها المجتمع المصري، ولهم نصيب في دماء برئية سالت خلال السنوات الماضية.
هل ما زالت مؤهلات المذيع أن يكون ذنبا لأجهزة الأمن؟ هل يمكن أن نرى مذيعين حقيقيين مؤهلين؟ هل هناك فرصة للشباب وللوجوه الجديدة؟
الإجابة، هناك فرصة، ولكن ذلك معناه أن نخوض معركة تطهير عالم الإعلان، لأن شركات الإعلان هي الداعم الحقيقي لكل عاهات الإعلام، وهي شركات تنتمي لعصر مبارك بامتياز.
ما زلت أستغرب كيف يظهر هؤلاء "النجوم"على الشاشة ولا يستحون؛ بعد أن انكشفت مواقفهم عشرات المرات، وهم عديمو المواهب، والواحد فيهم – بلا مبالغة – أجهل من بقرة!