6 أبريل.. عد غنمك يا جحا!

كأنها "حفلة زار"، يتم نصبها بين الحين والآخر، وأعني بها الدعوة إلى "وحدة الصف".

بين الحين والآخر تنطلق الدعوة من معسكر واحد، هو معسكر القوى المؤيدة للشرعية، فتسيء أكثر مما تنصف، وتظهر من أطلق الدعوة على أنه يتنازل عن عودة الرئيس محمد مرسي. وفي كل مرة تبدو الدعوة كما لو كانت موجهة لفصيل واحد، هو حركة السادس من أبريل، فتخرج رافضة ومتعالية، كما لو كان لها وجود جماهيري كبير، وكما لو كان إقناعها بفكرة "وحدة الصف" من شأنه أن يحسم المعركة مع الانقلاب بين غمضة عين وانتباهتها.

بمناسبة الدعوة لاحتفال 25 يناير الماضي، دعا التحالف الوطني القوى الثورية لوحدة الصف، وبدا واضحاً في بيانه أنه يتنازل عن مطلب عودة الرئيس مرسي بالتجاهل، ومع كل هذا زايدت عليهم حركة السادس من أبريل، واتهمتهم بأنهم باعوا الثوار في "محمد محمود"، وباعوا الثورة بتحالفهم مع العسكر. ودعت الحركة الباسلة إلى مظاهرات بميدان التحرير، وقالت إنها لن تسمح بدخول الإخوان للميدان، باعتبار أن الحركة تمتلكه. وعلى الرغم من هذا، فإن العسكر قاموا باعتقال بعضهم وفرقوا المظاهرات بالقوة، فلم يصدوا ولم يردوا، وقالوا إنهم سيتوقفون عن التظاهر حقناً للدماء!

لما جاء يوم 25 يناير، استولى العسكر على ميدان التحرير ولم يسمحوا بالدخول إليه إلا لمن نصبوا "زفة الرقص الشرقي"، ورفعوا صور السيسي مع الرؤساء السابقين ومن بينهم حسني مبارك، ولم تتململ حركة السادس من أبريل!

قبل أيام قال النائب الإخواني السابق جمال حشمت كلاماً جرى تفسيره على أنه يعني تنازل الجماعة عن عودة الرئيس محمد مرسي مقابل "وحدة الصف"، وردت عليه حركة السادس من أبريل بأن الدعوة مرفوضة، فالإخوان باعونا في "محمد محمود"، والإخوان تحالفوا مع العسكر ضد الثورة. وكان المتحدث باسم الحركة يتكلم من أنفه عن الإخوان الذين خذلوا الثورة بتعجلهم بناء المؤسسات. كما لو كانت موافقته على "وحدة الصف" كفيلة بأن تعيد الأمور إلى نصابها!

هناك ملاحظات مهمة هنا تستحق أن نسوقها:

أولا: أن محمد مرسي هو عنوان الشرعية، ولا معنى لكسر الانقلاب إلا بعودته للقصر الرئاسي، ويصبح الخلاف في التفاصيل، فهل يتم الاستفتاء على استمراره، أم يكمل مدته، أم يدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة؟.. والتنازل عن مبدأ عودة الرئيس هو أمر يمثل انتحاراً سياسياً من قبل القوى الرافضة للانقلاب.

ثانيا: أن هذه المناورات مثل الصمت على مطلب عودة الرئيس في مبادرات كتلك التي أطلقت بمناسبة الذكرى الثالثة لثورة يناير، أو بإطلاق تصريحات هلامية قد يفهم منها هذا، تمثل تركاً لقوى الشرعية لما في أيديهم وهو ثمين، والبحث عما في جيوبهم وهو بلا قيمة تذكر. والثوار الذين قتل منهم من قتل واعتقل منهم من اعتقل، ومع هذا يواصلون مسيرة النضال هؤلاء لا يمكن أن يقبلوا الدنية في أمرهم، وأن عودة الرئيس على رأس الأولويات عندهم. وأخشى على الذين يدعون لوحدة الصف أن يكونوا في حكم المنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.

ثالثا: أننا مللنا حقيقة النغمة المشروخة عن الذين "باعونا في محمد محمود"، والمقصود بها الإخوان الذين باعوا الثوار، وهم حركة السادس من أبريل، كما لو أن الحركة وحدها كانت هناك، مع أن قوى إسلامية كانت حاضرة، وكان الحضور الأبرز لأنصار الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل. بل إن الشهيدة أسماء محمد البلتاجي كانت هناك. وقد تم قتل أسماء واعتقال حازم، ولم تنبر القوى التي تتعامل مع أحداث "محمد محمود" على أنها النقطة الفاصلة في تاريخ المنطقة لاستنكار ما جر ى لهم، وهذا الصمت على اعتقال حازم واستهداف أسماء يؤكد أن القصة لا علاقة لها بنغمة الإخوان الذين "باعونا في محمد محمود".

رابعاً: آن الأوان لأن تتوقف جماعة الإخوان عن الخجل من فكرة الإسراع لبناء المؤسسات، فكل القوى السياسية كانت مع ذلك، وبعض الذين كانوا ينتمون لشباب الثورة مثل زياد العليمي، خاضوا الانتخابات البرلمانية، ولنا أن نتذكر أن ناشطة كأسماء محفوظ حرصت على منافسة عمرو حمزاوي في دائرة واحدة، وهما يتم حسابهما على الثورة. ولم يكن أمامنا حل آخر، لا سيما وأننا كنا نعلم أن الدعوة للتأجيل كانت تأتي من قبل المجلس العسكري الحاكم، وكانت الدعوة لإسقاطهم تنطلق من ميدان التحرير، ولم يكن هناك من سبيل لإخراجهم من السلطة سوى بالانتخابات، فلم يكن مسموحاً لنا أن نعيش حالة ثورية مستمرة، لخصوصية الثورة المصرية التي كانت تفتقد للقيادة.

خامسا: أن ممن كانوا ضد الانتخابات، والإسراع في بناء المؤسسات المنتخبة، كانوا يعلمون أن قيمتهم في تصدر المشهد السياسي كانوا يستمدونها من استمرار حالة السيولة، لكن الانتخابات تحدد من يستمد شرعيته من الشعب، وهؤلاء كانوا يعلمون أنهم ظاهرة فضائية.. نسبة للفضائيات.. ولم يكن المحرض لهم على تأجيل الانتخابات الانحياز للمد الثوري، الذي كان يستغل في تشويه الثورة، والإيعاز للناس بأن الثورة هي المسؤولة عن استمرار الغياب الأمني، وعن الأزمات الاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي.

سادساً: أن الحديث عن تحالف الإخوان مع العسكر بات مملاً للغاية، وهو يأتي في سياق يوحي كما لو كان الطرف الآخر يمثل النقاء الثوري، ولم يكن هذا صحيحاً لأن بعض الذين تصدروا المشهد على أنهم شباب الثورة، ومن بينهم حركة السادس من أبريل، كانوا يخرجون من اجتماعات مع المجلس العسكري إلى اجتماعات مع رئيس الحكومة، ومن لجنة الحوار الخاصة بحيي الجمل نائب رئيس الحكومة إلى حوارات عبد العزيز حجازي الذي كان عينه الرئيس السادات رئيساً للوزراء.. واستدعاه المجلس العسكري من مرقده ليقوم بدور في المشهد لصالحه. وقد كان للإخوان استراتيجية في تحالفهم مع العسكر، عن طريق أخذهم على "كفوف الراحة"، بفتح باب الانتخابات.. ولم تكن للآخرين استراتيجية وكان كل ما يعنيهم هو الحصول على "الوجاهة الاجتماعية" من خلال هذه اللقاءات.. انظر إلى صورهم الملتقطة لهم مع شخص أو أكثر من أركان الحكم لتقف على حالة البهجة البادية على وجوههم وكأن لسان حالهم: نحن في حلم أم في علم؟!

سابعاً: مع خالص احترامي للجميع، فإن كثيرين من الذين يتحدثون عن خيانات الإخوان، وعن النقاء الثوري، انحازوا للعسكر وللفلول وللثورة المضادة ضد الثورة المصرية، ودعوا لاستباحة الدماء، ولنا أن نعلم أن منهم من حرض على فض اعتصام رابعة بأي طريقة، وصفق لعمليات حرق الجثث، واقتناص المعتصمين السلميين.. وهؤلاء لا يجوز لهم أن يتحدثوا الآن باسم الثورة فيواجهون بحرج من قبل القوى الموالية للشرعية.

ثامناً: مثلي لا يمكنه أن ينسى عندما ذهب هؤلاء الشباب إلى القصر الرئاسي عقب الانقلاب محلقين ومقصرين، ليعلنوا عن مبادرتهم في استعدادهم للسفر للخارج لإقناع الغرب -نتيجة علاقات سابقة به، لا سيما الجهات المانحة للتمويل- بأن ما جرى في مصر كان ثورة شعبية وليس انقلاباً عسكرياً.. وهناك قاموا بتخوين بعضهم، في إطار عملية التسابق على القيام بهذه الخدمة، فقد تبادلوا الاتهامات بالانحياز للإخوان، فعلم أصحاب الانقلاب أنهم أمام أوراق محروقة.

لست ضد وحدة الصف، لكني مع ذلك لا يمكنني أن أدعو لوحدة الصف على حساب مبادئي، ولا يمكن أن أبدد ما في يدي بحثاً عما في جيبي، فأقبل الدنية ممن تراجعوا عن مواجهة الحكم العسكري العضوض عند أول مواجهة، وأتخلى عمن أدهشوا العالم بثباتهم وصمودهم وهم من سيقومون بطي صفحة الانقلابات العسكرية في المنطقة كلها.

وهؤلاء هم مع عودة الرئيس.. وماذا بقي من شرعية نطالب بها إذا لم يعد الرئيس إلى قصره، وأن يعود الجيش إلى ثكناته غير مستأنس لحديث؟!

اعتقد أن القوى الموالية للشرعية مطالبة وهي تتحدث عن "وحد صف الثوار" بأن تؤكد على أن حركة السادس من أبريل لم تكن هي الثورة، فنخضع لها بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض.

الآخر ليس هو حركة السادس من أبريل، التي لا وجود حقيقي لها في الشارع، والتي انشطرت إلى قسمين، وقبل الدعوة إلى "وحدة الصف" فترفض الحركة، فليدعُ الداعي إلى "وحدة الحركة" فإن حدث فإنه يصبح من الملائم أن ندعوهم لكلمة سواء تجمعنا!

لا أرى مبرراً لكلام شباب الحركة المذكورة من أنوفهم كلما تبنى أحد فكرة "وحدة الصف"، فليس لهم تأثير في الشارع.. وعليهم أن يعلنوا الآن عن حجم عضويتهم؟

لقد قيل لجحا قديماً: عد غنمك يا جحا؟.. وهيئة جحا لم تنقل مع الرواية، لكن يبدو لي أن السخرية استولت عليه وهو يقول للقائل عن أي غنم تتحدث أيها الأهطل؟!

لقد رد جحا على من طالبه بعد غنمه: واحدة قائمة وواحدة نائمة!