كتاب عربي 21

الإصلاح الهيكلي.. المهمة الانتحارية للنظام العسكري!

1300x600
تقدم مصر على ما يسميه الاقتصاديون الليبراليون "إصلاحا هيكليا"، وهذا الإصلاح هو الجناح الرئيسي الثاني لعملية تحويل مصر ودمجها أكثر في السياق العولمي .. فالعملية الأولى تمت بنجاح حيث تم تحويل الجيش المصري من فكرة الجيش المتمركز حول فكرة عدو في جهة وجغرافيا.. إلى فكرة الانتظام في الحرب على "الإرهاب" كسياق دولي وعولمي، ما يجعل الوظيفة أو الرؤية القديمة للجيش في محل خبر كان ..

الإصلاح الهيكلي عملية معقدة وخطيرة سيسعى من خلالها النظام القادم إلى تحقيق شروط البنك الدولي، والرؤية الأمريكية للتنمية، عبر فرض تحولات جذرية في بنية الاقتصاد المصري، وعلى رأسها التخلص من مخلفات القومية الاقتصادية، وتدخل الدولة، وتقليص الدعم إلى أدنى مستوياته، وتوزيع الأرض التي يملكها الجيش على مستثمري الدول.. وهذه العملية تحتاج إلى عمليات ضخ كبرى لإنجاحها ، فمروّجي فكرة الإصلاح الهيكلي يستلهمون تجربة اليونان الأخيرة في التحول الهيكلي، حيث فرض الاتحاد الأوروبي شروطا صارمة للتقشف عليها، وبرغم الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها اليونان خلال السنوات الماضية إلا أن عملية الدعم الأوروبي والقمع الداخلي أديّا إلى تجاوز أثر الصدمة، واستطاعت اليونان أن تحقق مؤشرات نمو مؤخرا.. 

هذا النمط التبشيري الذي يتخذه الاقتصاديون المروّجون لتكرار ذات التجربة في مصر هو مفرط في تفاؤله، فمصر ما تملكه من تعقيدات أكبر بكثير من ما يملكه غيرها، كذلك فإن الانتفاضة السياسية ضد النظام العسكري الحالي بدأت قبل أن يكون هناك أي خطوات اقتصادية أو مظلومية اقتصادية، وبالتالي فإن مجرد بقائها مستمرة يعقد هذه المهمة، كما أن ظهور مشاكل في عملية التحول تطال المواطن البسيط سيمكن الانتفاضة الدائرة الآن من الاتساع دون أن تفقد تعريفها الأول، لكنها ستضيف لنفسها تعريفات جديدة عبر مظلومية رغيف العيش والدعم!
 
كذلك يفرط النمط التبشيري هذا في التجاوز عن عيوب البيروقراطية المصرية، وإغفالها من عدم قابليتها المطلقة لفكرة الإصلاح، حيث تقف البيروقراطية المصرية ومستواها المتدني عقبة رئيسية في وجه أي عملية تطوير وإصلاح، بل إن أي عملية إصلاح جذرية لابد أن يسبقها عملية "تفوير" للمؤسسة البيروقراطية التقليدية، ومجرد التعرض لهذه الطبقة سيصيب النظام بتصدعات كبرى في دوائر مشروعيته ومؤيديه، كذلك يهمل النمط التبشيري في أن الفساد المالي في مصر أصبح هو المنشيء للحالة السياسية في شق كبير منها، ولا يمكن تجاوزه، بل يمكن أن نقول أن جزءا من تمويل عمليات الإعداد للانقلاب الأخير كانت بأموال الفاسدين الرئيسيين في مصر، وبالتالي سيكون مصير أي محاولة إصلاح هيكلي "الإعاقة" الحتمية، لأن النظام العسكري لن يجازف بخسارة كل حلفاءه دفعة واحدة.

يبقى تساؤل مهم يدور في ذهن القاريء وهو: كيف سيتمكن إذا النظام العسكري من فرض هذا التحول؟ .. لتجاوز أزمة الشعبية، سيحرص النظام العسكري على تصدير حالة الحرب الداخلية والإرهاب ليظل سلاحه مشهرا في الداخل، ويظل الغطاء الشرعي لتواجده مفهوما ومبررا، وبقاء هذا السلاح مرتفعا في الداخل يجعل قواعد الخوف هي السائدة لكل صاحب مطلب آخر، كذلك سيكون بإمكان النظام العسكري إلقاء كافة الأعراض الجانبية لعمليات التحول وأزماته للعدو الخفي الوهمي "الإرهاب"، و لتدخلات خفية من الأعداء الكونيين، ما يمكّنه من تجاوز الآثار الأولى لعملية التحول، لكنه لن يمكنه من عبور بقية الآثار.. ولذلك سيكون أمامه أحد حلين ..

الأول -وهو مستبعد- أن يدخل في صلح سياسي مع غريمه "الإخوان المسلمون" وتمكينهم من دور سياسي إحتوائي في الشارع يشيع حالة من التفاؤل والرضى والاستقرار، تمكنه من تجاوز حزمة الآثار الجانبية الأخرى لعملية التحول، والحل الثاني: وهو الكشف عن وجه حازم وصارم للقمع ومواجهة أي حالة احتجاجية عمالية أو شعبية، حتى ولو كانت اقتصادية غير مسيسة بعمليات قمع واسعة وقوية، واستخدام الجيش كما استخدمه السادات، ولكن بشكل موسع، ما يمكنه من فرض التحول قسريا ، خاصة وأنه يحاول من الآن تصفية جماعة الإخوان كفاعل معارض رئيسي، وتمكين معارضة هشة لا تقوى على قيادة الشارع في موجة اضطرابات من هذا النوع .

أما عن تغطية تكاليف هذه العملية، فالاتحاد الأوروبي وواشنطن والبنك الدولي و دول الخليج، لن تتدخر جهدا في إنجاح تلك المهمة الضرورية لكل منهم،  إلا أن انفجار الاحتجاجات وإطالة عمر عملية التحول قد ينذران بفشل واستنزاف عملية الضخ من قبل هؤلاء، كما أن هناك عاملا مهما تسعى مصر سرا لتحقيقه لضمان نجاح مثل تلك العملية، وهو القيام بمغامرة عسكرية شرق ليبيا بحجج الإرهاب أو وجود متمردين مصريين أو حتى حماية برقة إلخ من الحجج التي يتم تصنيعها، ليتمكن الجيش المصري من وضع يده على النفط الليبي وتصديره وتحقيق عائدات جيدة من تصديره تحت ستار الحماية وبناء جيش ليبي.

كل هذا لايمكن توقع متى يبدأ في تنفيذه إلا أننا على مدى 8 سنوات، -هو المدى المتوقع لمثل هذه العملية- سنشهد اضطرابات لا حصر لها، وعلى الجميع أن يستعد لمرحلة الاضطرابات هذه بشيء من الرؤية والبصيرة والتخطيط، ليكون في عداد الفاعلين لا المفعول بهم.