قال مصطفى
الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم
الحكومة، في مقابلة مع صحيفة "عربي21": "إن
الإصلاح المنتظر لقوانين الصحافة والنشر بالمغرب، يشمل أربع توجهات كبرى، تهم إلغاء العقوبات السالبة للحرية، وتحقيق الاعتراف القانوني لفائدة الصحافة الإلكترونية، وتشجيع المهنيين على التنظيم الذاتي للمهنة، ونقل بعض اختصاصات السلطة التنفيذية إلى القضاء في إطار تعزيز الدور الذي يضطلع به".
وأشار الخلفي إلى أن "القانون الحالي للصحافة والنشر بالمغرب يعد قانونا قاصرا، ولا يستجيب لا للتوجهات التي حملها دستور 2011، ولا للالتزامات الدولية ذات الصلة بالصحافة".
ونبه إلى أن هناك "إجماعا لدى المهنيين، من صحفيين وناشرين، ولدى الوزارة، ولدى كل الفاعلين في القطاع، على أن الإطار القانوني المنظم للصحافة والنشر قاصر".
ودافع الخلفي في حوار مع صحيفة "عربي21"، عن حصيلة حكومة عبد الإله
بن كيران، بعد قرابة السنتين ونصف السنة من عملها، معتبرا إياها إيجابية ومشرفة على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مقدما في هذا الصدد العديد من الأرقام والمؤشرات.
وفي ما يأتي نص الحوار:
عبرتم عن انزعاجكم من عدد من التصنيفات التي وضع فيها المغرب، بتقارير دولية ذات صلة بحرية الصحافة، ما العناصر التي أقلقتكم بالتحديد؟
- أؤكد هنا في البداية، على أننا نرحب ونتفاعل مع الانتقادات المسؤولة، التي تستند على وقائع، من مثل تلك الصادرة عن المؤسسات الوطنية، كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أو الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، أو الانتقادات الصادرة عن الهيئات النقابية من مثل تقارير النقابة الوطنية للصحافة
المغربية، أو الصادرة عن مؤسسات دولية، وخير مثال على ذلك، التقرير الصادر السنة الماضية عن المرصد الأوروبي للسمعي البصري.
وقد اعتبرنا التقييم الذي جاء به هذا التقرير إيجابيا، ليس لأنه يقدم شهادة إيجابية، بل لأنه يقدم قراءة موضوعية ترصد عناصر القوة كما أنها ترصد الاختلالات والتحديات، إلا أننا نجد أنفسنا أحيانا إزاء تقييمات غير منصفة على اعتبار أنها لا تعكس واقع حرية الصحافة ببلادنا، من مثل التصنيف الأخير الصادر عن مؤسسة "فريدوم هاوس"، الذي وضع المغرب في خانة الدول غير الحرة وصنفه في المرتبة 147.
والمستغرب في هذا التصنيف، هو أن بلدانا تعرض فيها صحفيون للقتل والاختطاف والتنكيل، أو بلدانا شهدت حروبا أودت بحياة صحفيين، أو بلدا تعرض فيه صحفي للمحاكمة العسكرية وصدر في حقه حكم بالسجن، أو بلدانا تصنف ضمن خانة الأماكن الأكثر خطرا بالنسبة للصحفيين، نظرا للانتهاكات الجسيمة التي تشهدها ضد
الصحفيين، أو بلدانا ورد في تقرير "أعداء الإنترنت" لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، أو بلدانا تشهد مصادرة للجرائد وإغلاقا للمواقع الإخبارية الإلكترونية.. وهي دول حصلت على تصنيف أفضل من المغرب، مع العلم أن بلادنا لم تشهد شيئا من هذه الانتهاكات، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلا مشروعا حول مدى مصداقية هذه التصنيفات.
بالمقابل ثمة تقارير محلية تسجل استمرار التضييق على الصحفيين أثناء ممارسة مهامهم، كيف تتابعون ذاك وما إجراءاتكم لحماية الصحفيين؟
- بالفعل، فقد رصد التقرير الأخير للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، حوالي 12 حالة للتضييق على الصحفيين أثناء مزاولة مهنتهم، وهي حالات، بالرغم من محدوديتها، تعتبر غير مقبولة ومخالفة لأحكام الدستور.
ولهذا، وعلى ضوء اللقاء الذي تم مع النقابة الوطنية للصحافة المغربية في أبريل الماضي، لمدارسة هذه الإشكالية، تم الاتفاق على تكليف المفتش العام لوزارة الاتصال بتلقي الشكاوى المرتبطة بهذا الأمر، من أجل متابعتها ومدارستها مع الهيئات المعنية، كما تم الاتفاق على وضع آلية مشتركة مع وزارة العدل والحريات لتسريع البث في الشكاوى المرتبطة بذلك.
بشكل مكثف، ما أبرز عناصر تخلف الإطار القانوني المنظم للصحافة والنشر بالمغرب، كما سبق أن وصفتموه بذلك؟
- في الحقيقة، هناك إجماع لدى المهنيين، من صحفيين وناشرين، ولدى الوزارة، ولدى كل الفاعلين في القطاع، على أن الإطار القانوني المنظم للصحافة والنشر قاصر، على اعتبار أولا أنه لا يتلاءم ومقتضيات الدستور الجديد، الذي ينص أساسا على تشجيع التنظيم الذاتي للمهنة، والحق في الحصول على المعلومات.
ثم إن الإطار القانوني الحالي، لا يتناسب والتطورات التكنولوجية الحاصلة، وخير مثال على ذلك كونه لا يشمل الصحافة الإلكترونية، كما أنه لا يشمل مقتضيات تهم حق الصحفيين في الحصول على المعلومات، أضف إلى ذلك أن قانون الصحافة الحالي يشمل 26 مقتضى قانونيا ينص على عقوبات سالبة للحرية في حق الصحفيين، ولهذا فإن أغلب الانتقادات الصادرة عن المنظمات الوطنية والدولية، تستند على قصور البيئة القانونية لاتهام المغرب بكونه بلدا لا يحترم حرية الصحافة، بالرغم من أن الممارسة تؤكد عكس ذلك.
أعلنتم قرب خروج المدونة الجديدة للصحافة والنشر، ما هي أقوى وأبرز عناصر مكوناتها الأربع؟
- بصفة عامة؛ الإصلاح المنتظر لقوانين الصحافة والنشر يشمل أربع توجهات كبرى، تهم إلغاء العقوبات السالبة للحرية، وتحقيق الاعتراف القانوني لفائدة الصحافة الإلكترونية، وتشجيع المهنيين على التنظيم الذاتي للمهنة، ونقل بعض اختصاصات السلطة التنفيذية إلى القضاء في إطار تعزيز الدور الذي يضطلع به.
وقد تم مؤخرا الإعلان عن الانتهاء من إعداد مشروعي قانوني المجلس الوطني للصحافة والنظام الأساسي للصحفي المهني، وقريبا سيتم تسليم المهنيين مشروع قانون الصحافة والنشر، مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة ينص على إحداث هيئة مستقلة تضطلع بدور التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة.
هذه الهيئة ستشكل من خلال انتخابات مباشرة للصحفيين والناشرين تشرف عليها لجنة يرأسها قاض، وسيضطلع هذا المجلس بدور تقنين الولوج إلى المهنة من خلال تسليم بطاقة الصحافة، والحث على النهوض بأخلاقيات المهنة، بالإضافة إلى تتبع احترام حرية الصحافة، مشروع قانون الصحفي المهني ينص من جهته أساسا على حماية سرية مصادر الخبر بالنسبة للصحفي وأن الإدارة لا يمكن لها تحت أي ظرف من الظروف أن تطالب الصحفي بالكشف عن مصادر خبره، بالإضافة إلى تعزيز المكتسبات.
أما مشروع قانون الصحافة والنشر فسيكون خاليا من العقوبات السالبة للحرية، وسيعزز دور القضاء كما سيشمل مراجعة المقتضيات الخاصة بالقذف والتشهير، بالإضافة إلى تحقيق الاعتراف القانوني لقطاع الصحافة الإلكترونية، كما ستشمل مدونة الصحافة والنشر مشروع قانون خاص بالمهن المساعدة للصحف أي الطباعة والتوزيع والإشهار.
تعتبر عدد من الأصوات أن الإعلام العمومي بالمغرب خاصة منه المرئي لم يعكس بعد مطالب الحراك الشعبي والسياسي والدستوري الذي عرفه المغرب سنة 2011، ما تعليقك على ذلك؟
- من المعلوم أن المغاربة يتطلعون إلى إعلام عمومي يعكس تطلعاتهم، وقريب منهم، وقد عملت الحكومة في هذا الإطار، بحيث قامت، بعيد دخول دفاتر تحملات القطب العمومي حيز التنفيذ بعد نشرها في الجريدة الرسمية، بتبني العديد من الإجراءات الهامة التي تروم تقوية مبدأ الخدمة العمومية في الإعلام العمومي وتعزيز أنظمة حكامه وشفافيته، وتقوية تنافسيته.
بحيث تم إرساء لجان الأخلاقيات ولجان انتقاء البرامج على مستوى الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وشركة صورياد القناة الثانية، كما تم تفعيل آليات الحكامة بالشركات الوطنية للاتصال السمعي البصري، وانطلق العمل بنظام طلبات العروض في مجال الإنتاج الخارجي. وتم إعداد عقد البرنامج الخاص بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، بالإضافة إلى ذلك، فإن العمل متواصل لرفع التحديات المطروحة وتحقيق الأهداف المرجوة.
ذات الأصوات تثير ضعف عكس الإعلام العمومي للتعددية خاصة في بعديها المدني والثقافي، وأيضاً استمرار بعض البرامج التي تؤثر سلبا على النشء والهوية الوطنية بشكل عام، فأي إجراءات اتخذت على هذا المستوى؟
- بالفعل، فبالرغم من أن عملا هاما تحقق على مستوى تقوية التعددية السياسية في الإعلام السمعي البصري العمومي والخاص بولوج متزايد لأحزاب المعارضة، فإن بعض الاختلالات لا زالت مطروحة فيما يخص التعددية المدنية والثقافية.
أما بخصوص وصفتموه بالبرامج التي تؤثر سلبا على النشء والهوية الوطنية، فإن دور الحكومة يتمثل في وضع دفاتر تحملات لقنوات القطب العمومي والتي تنص على إرساء لجان للأخلاقيات على مستوى الشركتين، وذلك ما تم بالفعل، كما أن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري هي المخولة بمراقبة احترام القيم الحضارية للمملكة، وفق الفصل 162 من دستور المملكة.
بخصوص موضوع استقلالية الإعلام العمومي، التي تؤكدون عليها، البعض يعتبر أن موضوع الاستقلالية مطلوب، لكن كيف سيتم التعبير عن مطالب وتطلعات المواطنين الذين منحوا أصواتهم للأغلبية الحكومية الحالية؟
- تعزيز استقلالية الإعلام العمومي خيار لا رجعة عنه، تنزيلا لمقتضيات الدستور الجديد للمملكة، وهو يعد من أبرز التحديات المطروحة على الجيل الثاني، من الإصلاحات الذي يعد محط اشتغال من طرف الحكومة. مثلما قلت سلفا، نتفهم حجم المطالب والتطلعات المشروعة للمواطنين من إعلامهم، الذي من المفترض أن يعبر عنهم، وهذه المطالب والتطلعات، هي المحرك الأساس لعمل الحكومة، ونعتقد أن العمل الجماعي والتشاركي الذي انطلق العمل عليه سيصب ولا شك في خانة تحقيق هذه الإنتظارات.
كيف يمكن تركيز حصيلة قرابة سنتين ونصف من العمل الحكومي، بقيادة عبد الإله بن كيران، خاصة في المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؟
- هي حصيلة إيجابية على جميع المستويات، فقد عملت الحكومة في الجانب الاجتماعي على تصحيح الفوارق الاجتماعية، وتعزيز آليات التضامن والتماسك الاجتماعي، وذلك من خلال العديد من الإجراءات الهامة التي تتمثل أساسا في إحداث صندوق التماسك الاجتماعي، بـ2,5 مليار درهم في سنة 2012 و3,5 مليار درهم سنة 2013، وتفعيل صندوق التكافل العائلي.
كما أنه تم تخفيض أسعار 1120 نوع دواء، وتطوير الخدمات الصحية، بحيث بلغ عدد المؤهلين للاستفادة من نظام المساعدة الطبية حتى متم شهر فبراير 2014، ستة ملايين و 540 ألف مستفيد.
كما تم الرفع من الأجور الدنيا في الوظيفة العمومية إلى 3000 درهم، ابتداء من يوليو 2014، والرفع من الحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص بنسبة 10 بالمائة، موزعة على سنتين، بالإضافة إلى العديد من الإجراءات التي تصب في خانة تفعيل الالتزامات الحوار الاجتماعي.
وفي مجال التعليم، تمت الزيادة في قيمة المنحة الجامعية، وتوسيع عدد المستفيدين منها وتم رفع عدد المستفيدين من برنامج "تيسير" للمساعدات المالية المباشرة، لفائدة تمدرس أبناء الأسر الفقيرة ليبلغ 825.000 تلميذ برسم الموسم الدراسي 2013-2014.
أما في الشق الاقتصادي، فقد عملت الحكومة على دعم المقاولة وتحفيز النمو واستعادة التوازنات. وتتمثل أبرز المؤشرات الإيجابية في بلوغ معدل النمو 4.8 بالمائة سنة 2013، وتحقيق رقم 40 مليار درهم بالنسبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال نفس السنة.
كما أنه ناهز عجز الميزانية 5.4 بالمائة من الناتج الداخلي الخام مع نهاية 2013، مقابل 7.3 بالمائة برسم سنة 2012، بالإضافة إلى ذلك، تم اتخاذ العديد من الإجراءات لدعم المقاولة الوطنية تتمثل في إلغاء الفاصل الزمني لاسترجاع الضريبة على القيمة المضافة وأداء ديون المقاولات المرتبطة بصفقات سابقة، وأداء ديون الضريبة على القيمة المضافة المتراكمة طيلة سنوات، واعتماد نظام جديد لمنح تسبيقات في ما يخص الصفقات العمومية، واعتماد ميثاق يهم مسطرة الحجز على الحسابات البنكية لتحصيل الديون العمومية تضمن الإنصاف. وهي إجراءات كان لها أثر مباشر على المقاولة الوطنية.
أما في مجال إصلاح الإدارة وإصلاح القضاء فقد تم إنجاز ميثاق وطني لإصلاح منظومة العدالة وتنظيم الحوار الوطني حول المجتمع المدني وأدواره الدستورية الجديدة. كما تم إرساء مبدأ التوظيف عبر المباراة، والعمل على محاربة التغيب غير المشروع وتكريس مبدأ الأجرة مقابل العمل، بالإضافة إلى اتخاذ عدد من الإجراءات التي تهم محاربة الفساد والرشوة.
موضوع التشويش على عمل الحكومة، خاصة من طرف بعض الإعلام، يطرح السؤال لماذا لا تلجأ الحكومة للقضاء؟
- لدى الحكومة قناعة راسخة من كون الإعلام الحر والنزيه والمستقل، يلعب دورا هاما في مجال الرقابة على مدبري الشأن العام، ومن ثم فإن دور الإعلام أساسي، في إرساء قواعد دولة الحق والقانون.
ومنذ البداية، اختارت الحكومة التفاعل مع ما يصدر عن وسائل الإعلام، إما بشكل إيجابي، أي العمل على تصحيح الإختلالات التي يرصدها الإعلام بشتى أنواعه، وإما بشكل سلبي، أي التفاعل من أجل تصحيح الأخبار الكاذبة أو غير الدقيقة.
إلا أن مسألة تعزيز أخلاقيات المهنة وضمان استقلالية الصحافة، تبقى من بين التحديات المطروحة، التي تحول في بعض الأحيان دون أداء الصحافة لمهمتها النبيلة التي وجدت من أجلها.