كتاب عربي 21

حرب الطاقة والمشتقات النفطية في اليمن

1300x600
واحدة من أسوأ ما تُصَدِّرهُ الحرب الجارية حالياً مع عناصر القاعدة في محافظة شبوة، جُثَثَ أكفأ الضباط في الجيش اليمني، الذين ينتمون تحديداً إلى المحافظات الجنوبية، في إشارة ذات مغزى على أن هذه الحرب لا يمكن اختزالها بين طرفين أحدهما القاعدة والآخر هو الجيش.

 الأمر أعقد من ذلك بكثير، إنها حربٌ متعددة الجبهات وأطرافُها عديدةٌ، وأهدافُها متباينةٌ، إنها مزيجٌ من إراداتٍ متضادة تُحركها نزعاتٌ الاستئثارِ بالسلطة، وتتجاذبُها اصطفافاتٌ عقائديةٌ وجهويةٌ، تكاد تُعيدُ بلداً يتطلع إلى السلام والدولة الاتحادية المدنية الحديثة،  إلى مرحلة ما قبل الدولة الوطنية.

قبل يومين نفَّذَ تنظيمُ القاعدة هجوماً مباغتاً على مدينة عزَّان الصغيرة، معقله السابق، والواقعة ضمن الحدود الإدارية لمديرية ميفعة بجنوب محافظة شبوة. كان هدف الهجوم مزدوجاً، استهداف ضابطين كبيرين بالقتل، أحدهما برتبة عميد والآخر برتبة عقيد، وكلاهما جنوبيان، ومعهما أكثر من 25 جندياً، وإعاقة الجيش عن القيام بمهاجمة مدينة الحوطة، آخر معاقل التنظيم المهمة، في محافظة شبوة..

في تقديري هناك دعمٌ لوجستيٌ  يُقدّمُ للقاعدة، وقد يكون امتداداً  للدعم اللامحدود الذي تلقاه التنظيم عام 2011، وشمل السيطرة على أسلحة معسكرات بكاملها دون قتال، ما مكَّنَ التنظيمَ من بسط نفوذه على محافظة أبين وأجزاء من شبوة وإعلان إمارته الإسلامية فيهما، إبان اندلاع ثورة الشباب الشعبية السلمية في فبراير/ شباط من نفس العام، والإبقاء على تأثيره الكبير في البلاد حتى اليوم.

هناك حلفٌ جهويٌ مذهبي وعسكري، تَشكَّلَ إِبَّان التوقيع على اتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لنقل السلطة في اليمن بقيادة الرئيس السابق ويشكل الحوثيون أهم أطرافه، ورغم أن هذا الحلف يُظهر اليوم تأييداً للحرب الحالية مع تنظيم القاعدة، إلا أنه في حقيقة الأمر يُضمر رغبةً في إطالة أمدها وإشغال الدولة وجيشها ومقدراتها بهذه الحرب.

هذا الحلفُ يسعى إلى استعادة السلطة والنفوذ، وسقف تطلعاته يسمح على ما يبدو بالانقضاض على التسوية السياسية التي قامت على أساس اتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وقراري مجلس الأمن رقمي: (2014، 2051)،  وكل استحقاقاتها التي أُنجزت وتلك التي في طور الإنجاز. 

هناك جبهاتٌ عدةٌ لِحربٍ شرسةٍ تدور في اليمن، عنوانُها الأبرز مواجهة القاعدة، وبعض هذه الجبهات المفتوحة، تبدو أشرس وأكثر إيلاماً وتأثيراً  في معيشة الناس وفي مقدرتهم المحدودة والمنهكة على تحمل مزيدٍ من الأعباء والأخطار.

هناك مؤشراتٌ على ضلوع بعضِ أطراف هذا الحلف في إشعال أنشط جبهات الحرب هذه، إنها جبهة الحرب على الطاقة والمشتقات النفطية، التي تُدار بكفاءة عالية، وينفذها محاربون مرتزقة معظمهم من القبائل، وتأخذُ مظاهر عدة، تشمل  المواضبة على تفجير الأنابيب التي تضخ النّفطَ والغاز إلى موانئ التصدير في غرب وجنوب البلاد، ومنع صهاريج المشتقات النفطية والغاز من الوصول إلى المدن الرئيسية وبالأخص العاصمة صنعاء، وضرب خطوط نقل الطاقة من أكبر محطات التوليد في البلاد وهي محطة مأرب الغازية.

حرب إفشال الدولة هذه تكمن خطورتها في أنها تمنع تدفُّق مئات الملايين من الدولارات، إلى الخزينة العامة، وترفع وتيرة معاناة الشعب جراء انعدام المشتقات النفطية، وانطفاء الكهرباء.

وقد أمعن من بات يُوصفُ اليوم بأنه حلفُ تعطيل التسوية، في  تنشيط جبهة الحرب على الطاقة والمشتقات النفطية، لحمل الحكومة -التي هو جزء منها-  على الإسراع في اتخاذ قرار رفع جزء من الدعم عن المشتقات النفطية، لتعويض ملايين الدولارات التي تفقدها بسبب ضرب أناببيب النفط.

 وبإزاء قرار كهذا، وهو كان بالفعل على وشك أن يُتخذ من قبل الحكومة، كان حلف تعطيل التسوية السياسية، يُرتِّبُ لمِوجةٍ من الاحتجاجات الشعبية التي تنتهي بإسقاط الحكومة وإسقاط التسوية السياسية معها، دون أن تطالهُ العقوبات التي يعد بها قرار مجلس الأمن رقم(2140)، الذي صدر تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

إن الإعلان عن جلسة عقدها مجلس الأمن  للاستماع لتقرير لجنة العقوبات الدولية المرتبطة، بقرار مجلس الأمن (2140)، ليست إلا رسالة تحمل في مضمونها تذكيراً بجدية المجتمع الدولي في ملاحقة معرقلي التسوية، ووعيه بأن الحرب  الأخطر التي يواجهها اليمن، هي تلك التي يتبناها حلف تعطيل التسوية.