في أجواء الهدوء الحذر التي تسود منطقة المواجهات في محافظات عمران إلى الشمال من العاصمة
اليمنية صنعاء، بعد نحو أسبوعين من المواجهات الدامية، أطلق الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، أقوى تحذيراته من أن بلاده لن تسمح بالتدخل في شئونها الداخلية، بدعم أي جماعة أو حركات انفصالية، في إشارة إلى الجمهورية الإسلامية، التي تعتبرحالياً الداعم الرئيس لحركة التمرد الحوثية المسلحة، في شمال غرب اليمن، والحراك المسلح بجنوب البلاد، بزعامة نائب الرئيس اليمني السابق، علي سالم البيض، ما يجعلها عملياً في قلب
الأزمة اليمنية الراهنة.
طبيعة المعركة التي تخوضها الحركة الحوثية المسلحة، تخلو من أي غطاء أخلاقي، وتتنصل من أية التزامات، ولا تُقيم أيّ معنىً لتقاليد الحرب، ولحقوق الإنسان، وتأخذ صبغةً مذهبيةً استئصاليةً واضحةً، وكلها مؤشرات تدل بعمق على اندراج هذه الأعمال العدائية التي تشهدها محافظة الجوف وعمران وصعدة وحجة في شمال وشمال غرب البلاد، في سياق المخطط
الإيراني الخطير لضرب الأسس التي تقوم عليها الهوية العربية الإسلامية لبلداننا، وتفكيكها على نحو يسمح لها بمد نفوذها الذي يأخذ في الظاهر طابعاً مذهبياً شيعياً، ويخفي طموحاً قومياً دفيناً للهيمنة على الفضاء العربي.
لقد لخص الرئيس اليمني حقيقة ما يدور في بلاده، بهذه الإشارة الضمنية التي لا تُخطئ الهدف، ليكشف عن أن التعثر الذي تشهده عملية التسوية، يعود في جانب أصيل منه إلى هذا النوع من التدخلات التي اعتبرها الرئيس اليمني نفسه" سافرةًولا يمكن القبول بها". على أن الدافع الأبرز لتصريح الرئيس اليمني بشأن التدخل الإيراني، وإن تلميحاًبعد أن كان قد أشار في مناسبات سابقة لهذا التدخل بشكل صريح، هو إلقاء القبض على عناصر إيرانيةٍ تعمل في قلب المعركة إلى جانب المليشيا الحوثية المتمردة، بالإضافة أسلحة من صنع إيراني، ومؤشرات ودلائل جديدة أخرى عديدة، تُضاف إلى الدلائل القطعية السابقة، على التدخل الإيراني السافر والمباشر في الشأن اليمني، وفي تغذية النزاعات المدمرة للبيئة السياسية والأمنية الهشة في البلاد، وعلى رأسها سفينة (جيهان1)، التي ضُبطت قبل عامين في المياه الإقليمية اليمنية، وأصبحت جزءاً من أجندة مجلس الأمن الدولي.
ما يجدر الالتفات إليه هنا، أن اتفاق وقف إطلاق النار في محافظة عمران، الذي تم توقيعه منتصف نهار الأربعاء الماضي، انطوى على تطورٍ لافتٍ ومعبرٍ عن الطبيعة المعقدة للحرب التي شهدتها وما تزال تشهدها محافظة عمران، في ظل استمرار أجواء التوتر والتحشيد خصوصاً من جانب الميلشيا الحوثية المسلحة.
هذا التطور يتمثل في دخول الأمم المتحدة، عبرمستشار الأمين العام ومبعوثه إلى اليمن، جمال بنعمر،على خط التهدئة والتفاوض الذي أفضى إلى التوقيع على الاتفاق، تحت مظلة القرار الأممي الأخير رقم (2140) بشأن اليمن.
وحتى عندما غادر المبعوث الأممي صنعاء أمس السبت، حرص على تأكيد استمرار متابعته للأوضاع في عمران، وحثه الأطراف على الإبقاء على الجبهة هادئة، وعلى حضور هذه القضية في تقريره الدوري الذي سيقدمه إلى مجلس الأمن نهاية شهر يونيو/ حزيران الجاري.
هناك مخاوف حقيقية من إمكانية إقدام حركة التمرد الحوثية، على استئناف أعمالها العدوانية ضد الجيش، وهي التي لم تتوقف أبداً عن التحشيد في منطقة المواجهات في محافظة عمران اليمنية، اتساقاً مع الممارسات العدائية التي يُقدم عليها حلفاء إيران الخُلَّص في كل من العراق وسورية، حيث تتواصل الحرب بكل الأسلحة ضد الشعبين العراقي والسوري، وتُفرض على الشعبين هناك، نتائج انتخاباتٍ لا تعبر عن إرادتهما بقد ما تعبر عن"أجندة" مذهبية وسياسية وجيوسياسية كلها مرتبطة بإيران، وفي حين يعجز البرلمان اللبناني عن انتخاب رئيس جديد يملأ الفراغ الدستوري في أهم موقع سيادي في البلاد.
من الواضح أن حرب عمران الأخيرة، قد كشفتْ عن الجزء الأخطر من"أجندة" إفشال التسوية السياسية والدولة اليمنية برمتها، وهي عزم دولة إقليمية مثل إيران على إدخال اليمن قسراً ضمن خارطة نفوذها المباشر حتى ولو كان ذلك على أنقاض الدولة اليمنية وعلى حساب حاضر ومستقبل الشعب اليمني.