في الوقت الذي تعمر فيه موائد الإفطار بشتى أنواع الطعام في أحياء دمشق الخاضعة لسيطرة
النظام، يقتصر الحال في الأحياء المحاصرة جنوب العاصمة على قليل من خبز العدس وبعض الخضار التي يقوم بعض السكان بزراعتها في أحواض صغيرة، بينما يستعيض عنها آخرون بقليل من الأعشاب المطهية..
كل ذلك في محاولة لمواجهة الجوع بسبب
الحصار المفروض منذ ما يقارب الـ 570 يوما، والذي أودى بحياة بعض المدنيين بسبب تفاقم المعاناة الإنسانية في ظل انعدام المواد الغذائية ونقص المواد الطبية الأساسية.
وأفاد الناشط "رامي السيد" في تصريحات لـ "عربي21" بأن سكان حي الحجر الأسود المحاصر استقبلوا شهر رمضان هذا العام وسط انعدام الغذاء والماء، ما دفع كثيرا من السكان لأكل الحشائش التي باتت تعتبر الطبق الرئيس لعائلات كثيرة نتيجة الارتفاع الحاد في الأسعار، موضحا أن "سعر كيلو الرز وصل إلى 10 آلاف ليرة سورية، ما يعادل قيمة 80 دولارا، ثم انخفض إلى 2000 ليرة عند دخول المساعدات للأحياء التي دخلت في هدنة مع النظام السوري".
وأشار إلى انقطاع الماء عن الحي منذ أكثر من شهر، حيث تسعى قوات النظام لزيادة الضغط على الثوار داخل الحي لقبول الدخول في هدنة على غرار الأحياء المجاورة (بيت سحم- ببيلا- يلدا)، الأمر الذي يدفع السكان إلى قطع مسافات طويلة بحثا عن ماء صالح للشرب .
وبالرغم من ذلك، فإنه يسعى ناشطون ميدانيون لتأمين الغذاء للأهالي ضمن الإمكانيات المحدودة المتاحة، من خلال إنشاء مطابخ خيرية تقدم وجبات الغذاء للسكان بدعم من عدة منظمات إنسانية، في حين يؤكد ناشطون أن استمرار الحصار المفروض ينذر "بكارثة إنسانية" في حال عدم التدخل لفتح الحواجز وإنهاء الحصار الذي أنهك من تبقى من السكان.
وساهم إغلاق حاجز مخيم اليرموك وحاجز ببيلا، في تضيق الخناق على أحياء الجنوب، في الوقت الذي استغل فيه كثير من "تجار الحروب" الوضع المتأزم ليقوموا بإخفاء ما تبقى من المواد التموينية والسلع الغذائية المتوفرة في الأسواق واحتكارها للتحكم بأسعارها لاحقا.
في غضون ذلك، أكد "السيد" في حديث لـ "عربي21"، أن
التجار هم الشريك الرئيسي للنظام في حصار أحياء جنوب دمشق، إذ ترتبط مصالح الكثيرين منهم مع حواجز قوات النظام، حيث يلجأون إلى دفع مبالغ مالية للضباط المسؤولين عن الحواجز النظامية مقابل السماح لهم بإدخال السلع الغذائية ليقوموا ببيعها بأسعار مضاعفة يصعب على الأهالي شراؤها، وفي المقابل يقومون بسحب البضائع من الأسواق عقب أي مشكلة أو خلاف للمدنيين مع عناصر الحواجز ليقوموا بطرحها مجددا بأسعار مضاعفة.
وبين السيد في حديثه أنه قد تم إدخال العديد من شحنات الأغذية والتبغ التي تم بيعها عشرة أضعاف رغم أنها "رديئة الجودة"، حسب تعبيره.
وأضاف أنه، رغم حنق الأهالي الشديد من هؤلاء التجار إلا أنهم لا قدرة لهم على مقارعتهم إذ إن أغلب المحتكرين يعملون من خلف الستار.
من الجدير بالذكر أن حاجز اليرموك لم يفتح بعد فشل اتفاقية تحييد مخيم اليرموك عن الصراع، حيث بين المصدر أن النظام قد قبل الدخول في الاتفاقية "لمكاسب إعلامية فقط" دون أن يولي اهتماما بالسكان المحاصرين. ولذا، فقد تعمد العرقلة بآلية التنفيذ بعد التوقيع على بنود الاتفاق.
أما حاجز ببيلا فقد أعيد فتحه مؤخرا بشكل جزئي بعد إغلاقه كليا في العشرين من شهر حزيران/ يونيو الفائت على خلفية مقتل أحد المتعاملين مع النظام السوري أثناء قيامه بإخراج عدد من المدنيين لتسوية أوضاعهم مع النظام، الأمر الذي أدّى إلى آثار "مأساوية" على المدنيين في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة السورية والتي وقعت فيها اتفاقيات تهدئة بين الأطراف المتنازعة.
يذكر أن بلدات ببيلا وبيت سحم ويلدا، دخلت في هدن مع النظام السوري في حين تستمر المفاوضات لتوقيع الهدنة في أحياء القدم والعسالي التي شهدت توقيعا لوقف إطلاق النار بين النظام السوري والمعارضة، في الوقت الذي تكرّرت فيه عدة خروقات للاتفاقيات، كان آخرها اعتقال عناصر حاجز عسكري تابع للجيش النظامي امرأتين أثناء خروجهما من ببيلا.
وفي الأثناء، فإنه لا يزال حي الحجر الأسود محاصرا بسبب رفض القوى العسكرية المعارضة فيه قبول الهدنة مع النظام بشكل كامل.