قال الكاتب الأمريكي ناثان ثرال في مقال له في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية: "بينما تقوم
حماس بدك المدن
الإسرائيلية، وترد إسرائيل بغاراتها الجوية، وتتبعها باجتياح بري، فإن السبب المباشر لهذه الحرب تم إهماله، فإسرائيل ومعظم المجتمع الدولي وضع العراقيل أمام حكومة الوحدة الوطنية التي شكلت بداية حزيران/ يونيو".
وأضاف أن هذه الحكومة شكلت لأن "حماس" وجدت نفسها في "مأزق" بعد خسارتها لتحالفها مع سوريا وإيران، والإطاحة بالإخوان المسلمين في
مصر، و"جفاف منابع التمويل لحماس"، بعد أن قام السيسي بهدم الأنفاق، بحسب ثرال.
وأشار إلى أن "حماس" وجدت نفسها مضطرة للتنازل عن السلطة، رغم كونها كسبت الانتخابات عام 2006 كخيار أحسن من ثورة الشعب عليها، هذا القرار أدى إلى اتفاقية المصالحة بين حماس ومنظمة التحرير، على حد قوله.
واتهم الكاتب الأمريكي إسرائيل بالسعي المباشر لإحباط اتفاقية المصالحة بمنعها حصول "حماس" وأهل
غزة على أهم فائدتين للاتفاق، وهما دفع رواتب 43 ألف موظف حكومي في غزة، وفتح معبر رفح، ومع ذلك فكان ممكنا لحكومة التوافق أن تخدم مصالح اسرائيل، حيث أعطت للسلطة موطئ قدم في غزة، ولم يكن فيها شخص واحد من "حماس"، وأبقت على نفس رئيس الوزراء ونائبه ووزير المالية والخارجية، كما في الحكومة السابقة، والتزمت بشروط المانحين
الغربيين.
ولكن إسرائيل عارضت أي اعتراف أمريكي أو دولي بها لأنها رأت في وحدة الفلسطينيين تهديدا "فهي لا تريد أن ترى الضفة وغزة متفقتين، كي لا تقوى حماس في الضفة. أضف إلى ذلك أن الإسرائيليين المعارضين لحل الدولتين يعلمون أن من مقدمات أي سلام دائم هي وحدة القيادة الفلسطينية، وفق ثرال.
وقال الكاتب إنه "لضمان استمرار التنسيق الأمني فقد استمرت إسرائيل في دفع مستحقات السلطة من الضرائب التي تجمعها الأولى لصالح الأخيرة، إلا أن موضوع فتح معبر رفح ودفع رواتب الموظفين ترك ليتفاقم، وكان بإمكان أمريكا والغرب أن يضغطوا على مصر لتفتح المعبر للتخفيف عن أهل غزة، وللتأكيد لهم أن سبب عزلتهم وفقرهم كان حكم حماس، ولكنهم لم يفعلوا ذلك، وبدلا من ذلك وبعد تسليم حماس السلطة لحكومة تكنوقراط أصبحت الحياة في غزة أسوأ".
ويذكر أن قطر عرضت دفع رواتب الـ43 ألف موظف، إلا أن واشنطن حذرت من أن القانون الأمريكي يمنع إيصال أموال لأي من هؤلاء الموظفين، وكثير منهم ليسوا من "حماس"، ولكن القانون الأمريكي يعتبر أنهم أخذوا أموالا من منظمة "إرهابية".
وعندما عرض مبعوث الأمم المتحدة إيصال الأموال من خلال الأمم المتحدة لكي لا تقع أي جهة تحت المساءلة القانونية، لم تساعد إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بينما وقفت موقف المتفرج عندما دعا وزير الخارجية الإسرائيلي إفيغدور ليبرمان إلى طرد المبعوث الأممي لأنه يحاول إيصال أموال لحماس، بحسب الكاتب.
ويرى المحلل في مجموعة الأزمات الدولية ثرال أن النتيجة هي أن "حماس" تحاول الآن أن تحصل بالقوة على ما لم تستطع الحصول عليه من خلال تسليم مسؤولياتها لحكومة الوحدة.
وإسرائيل تريد أن تعود الأمور في غزة إلى ما كانت عليه؛ "كهرباء بالكاد ثماني ساعات في اليوم، والماء لا يصلح للشرب، والمجاري تصب في البحر، حيث تمنع قلة الوقود من تشغيل مراكز معالجة مياه المجاري، ما يجعل المجاري تسيل في الشوارع أحيانا".
والمرضى لا يستطيعون الوصول إلى مستشفى في مصر، وقال ثرال إن الغزيين يدفعون 3000 دولار رشاوى للعبور من معبر رفح.
ويرى الكاتب أنه بالنسبة لكثير من الغزيين وليس مؤيدي "حماس" فقط، فإن الأمر يستحق المجازفة بمزيد من الغارات والاجتياح البري كي يتغير هذا الوضع، وأي اتفاقية لوقف إطلاق النار تفشل في حل مشكلة الرواتب، وفتح حدود غزة مع مصر لن تستمر طويلا، فلا يمكن لغزة أن تبقى معزولة عن العالم يديرها موظفون دون رواتب، "فوقف إطلاق نار بشروط أحسن وإن كان صعبا لنتنياهو، إلا أنه سيكون أدوم".
وأكد الكاتب أن التصعيد في غزة هو نتيجة مباشرة اختارتها إسرائيل والغرب عندما قررتا الوقوف في وجه تطبيق المصالحة الفلسطينية التي عقدت في نيسان/ أبريل 2014. والحل هو عكس هذه السياسية.
*ناثان ثرال: محلل كبير في مجموعة الأزمات الدولية، ويغطي غزة وإسرائيل والأردن والضفة الغربية.