شهدت العاصمة اليمنية زيارة خاطفة لمبعوث سعودي رفيع، هو السفير السابق علي بن حمد الحمدان، قابل خلالها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والرئيس السابق علي عبد الله صالح، في مسعى لتحقيق مصالحة تشمل الرئيس الانتقالي وسلفه واللواء علي محسن وقيادات التجمع اليمني للإصلاح، وهي الأطراف الأكثر تأثيراً في مجريات الأحداث، وتهدف المصالحة على ما يبدو إلى إعادة بناء جبهة فاعلة ومؤثرة في مواجهة النفوذ المتزايد للجماعة الحوثية المدعومة من إيران.
هذه الخطوة نُظر إليها هنا بأنها التعبير الأكثر وضوحاً للموقف السعودي تجاه التطورات الخطيرة للأحداث وبالأخص في شمال العاصمة اليمنية وفي محافظة الجوف إلى الشمال الشرقي، حيث تخوض الجماعة الحوثية معارك متواصلة للسيطرة على الأرض مصحوبة بممارسات استئصالية، تستهدف كل العناصر المخالفة مذهبياً، وتهدم في طريقها المساجد ومدارس تحفيظ القرآن والجامعات الدينية، تأسيساً على قاعدة أن كل هذه المنشآت أقامها خصوم الحركة وهم في الأساس كُفّار تأويل لا قربى لهم.
التحرك السعودي ألقى حجراً في المياه الراكدة ليس إلاّ، ذلك أن المبعوث الحمدان لم يصل على ما يبدو إلى نتائج مهمة بقدر ما استطلع المواقف على أمل أن يقوم بجولة أخرى، خصوصاً وأن الرئيس السابق، أبدى تحفظه على المقترح السعودي للتصالح مع التجمع اليمني للإصلاح، الذي يعتبره خصماً لدوداً والطرف الأساسي الذي أزاحه عن السلطة في ثورة الجادي عشر من فبراير 2011.
التصور السعودي بشأن بناء جبهة قوية مناوئة للحوثيين وللنفوذ الإيراني الشيعي في اليمن، جاءت إثر الاختراق العسكري والأمني الخطير الذي حدث في مدينة عمران، متمثلاً في سقوط أكبر لواء عسكري مناوئ للحوثيين على مشارف العاصمة اليمنية وقتل قائده العميد حميد القشيبي.
وهو التطور الذي فتح الباب لأخطر الاحتمالات وخصوصاً تلك المتصلة بالعاصمة
صنعاء ومستقبل النظام الانتقالي برمته، خصوصاً وأن ما حدث قد تجاوز ما رسمته الترتيبات الخاصة بإضعاف هذا اللواء وإجباره على القبول باتفاق يسمح بسحبه من عمران وإعادة توزيعه على تشكيلات القوات المسلحة، ما يعني ضمناً سحب أقوى سلاح متاح في يد القوى الثورية التي يقف على رأسها التجمع اليمني للإصلاح.
ويتردد على نطاق واسع هنا أن الترتيبات بشأن إنهاء نفوذ اللواء 310 مدرع بمحافظة عمران، اشتركت فيها دول إقليمية ودولية والنظام الانتقالي نفسه، ومعظمها ينطلق من مخاوف تنامي نفوذ القوى الإسلامية السنية، التي تلتقي في الأهداف السياسية مع حركة الإخوان المسلمين في مصر.
وقد دفع ذلك بالعديد من المراقبين إلى الاعتقاد بأن الخطر الحوثي الذي يتمدد في اليمن بأجندة إيرانية، ويُنذر بتفكيك الدولة اليمنية وبخلق أوضاعٍ وتداعياتٍ خطيرةٍ في هذا البلد، ويُنذر كذلك بتهديد طويل الأمد على الحدود الجنوبية للمملكة، ليس هو الدافع الوحيد للتحرك السعودي باتجاه إنجاز
الوساطة بين الفرقاء السياسيين اليمنيين.
إذ أن تقدير الموقف من الجانب السعودي تجاه الخطر الحوثي، يبدو في نظر هؤلاء متأخراً وغير مبرر، لا بل أن تصفية الوجود السلفي الكبير في منطقتي دماج وكتاف بمحافظة صعدة، كان أدعى إلى تدخل سعودي بهذا القدر من الجدية والإدراك للخطر الحوثي. الأمر الذي يُعزز المخاوف من إمكانية إعادة بيناء اصطفاف سياسي يتأسس على ركام التصورات المثالية للدولة اليمنية المدنية الحديثة التي رسمها المشاركون في مؤتمر الحوار الوطني، وينهي جهود ثلاث سنوات من العمل في هذا الاتجاه.
يأتي ذلك فيما لا يزال الخطاب الرئاسي حاداً وقوياً تجاه الجماعة الحوثية، لكن خطوة الحرب يبدو أنها ستتأثر بشكل قوي بجهود الوسطة
السعودية، وبمدى جدية المجتمع الدولي في مساندة الرئيس للقيام بحركة هيكلة واسعة في القوات المسلحة واستعادة الأسلحة والعُهد العسكرية الهائلة التي لا تزال في مخازن تخضع لسيطرة الرئيس السابق، وهما خطوتان ضروريتان لتمكين الرئيس من تعزيز نفوذه في المؤسسة العسكرية بما يسمح بإنجاز استحقاقات بناء الدولة اليمنية الاتحادية.