هل بدأت الآلة الدعائية ترتد سلبا على
إسرائيل، وهل يتخبط المتحدثون باسمها في تبرير أفعال الجيش الإسرائيلي في وجه صور الدمار وقتلى المدنيين ومعظمهم أطفال؟ وهل يمكن تبرير المذبحة وإبعاد شبحها؟ يبدو هذا هو الحال مع إسرائيل التي يصب قادتها جام غضبهم على الإعلام ؛خاصة المؤيد لهم.
هذه الأسئلة طرحتها صحيفة "إندبندنت"، مشيرة إلى أن الكثيرين من قراء صحيفة "نيويورك تايمز" يعتبرون تغطيتها لأحداث
غزة عادة ما تتسم "بالحياد" مع تحيز ودعم واضح لإسرائيل. ومع ذلك فلم تعجب تغطية الصحيفة السفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرمر، الذي شجب الصحيفة لفشلها "في ذكر ملايين الإسرائيليين الذين لجأوا للملاجئ عندما تم إطلاق 100 صاروخ على سكاننا المدنيين".
ويعتبر ديرمر، صديقا مقربا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويطلق عليه "عقل بيبي"، وكان أيضا طالبا وعمل مع المحلل الإستراتيجي في الحزب الجمهوري الأمريكي فرانك لونتز، وهو مؤلف تقرير أعد بعد الحرب على غزة عام 2009 وقدم فيه نصائح للناطقين باسم إسرائيل حول كيفية التلاعب بعقول الأمريكيين وكسب الرأي العام الإسرائيلي. وسبق أن نصح لونتز الناطقين الإعلاميين بـ "الخلط بين الرسالة والحقيقة" حيث طلب منهم اختيار بعض المعلومات وتقديمها لخدمة قضية إسرائيل.
ويعلق باتريك كوكبيرن في صحيفة "إندبندنت" على هذا التقرير بالقول إنه وثيقة مكتوبة بعناية وقائمة على نتائج استطلاعات للرأي تقترح شجب من يطالب بتفكيك المستوطنات في الضفة الغربية باعتباره يدعو "للتطهير العرقي".
وطالب لونتز المتحدثين باسم إسرائيل بمهاجمة وشيطنة
حماس وفي نفس الوقت إظهار التعاطف مع معاناة الفلسطينيين العاديين بالإضافة للإسرائيليين. وكتب لونتز يقول "سيأتي اليوم الذي سيكبر فيه الأطفال الإسرائيليون والفلسطينيون ويلعبون معا ويعملون جنبا إلى جنب؛ ليس لأنهم مجبرون على فعل ذلك، بل لأنهم يريدون عمله.
ويقول كوكبيرن الذي كتب معلقا على الطريقة التي ارتدت فيها الآلة الدعائية سلبا على إسرائيل بالقول "مشكلة هذا الأسلوب أنه يحمل وبشكل واضح ملامح نفاق خاصة عندما تشيرأرقام منظمة الصحة العالمية (يونيسيف) إلى أن 230 طفلا قتلوا في غزة، أي بمعدل 10 في اليوم، وهناك ألفي طفل جرحوا بسبب القنابل والقذائف والرصاص الإسرائيلي"، و"ينكر الناطقون باسم إسرائيل المسؤولية عن المذابح المثيرة للغضب، والتي نقلتها عدسات التلفزة مثل الهجوم على مستشفى تابع للأمم المتحدة الأسبوع الماضي".
ويقول كوكبيرن "هذه لعبة علاقات عامة قديمة مع أن لونتز لم يوص بها". ويتابع "في البداية قل لا يوجد شيء من هذا القبيل وبعد ذلك قل هذه قصة قديمة، بعبارة أخرى أنكر كل شيء أمام الكم الهائل من الأدلة من اليوم الأول، ومع نهاية التحقيق والتثبت من الأدلة وخروجها للعلن ويعلن عن المسؤولية يكون الناس قد فقدوا اهتمامهم".
وبحسب رأيه، فإن "مشكلة هذا المدخل مرتبط بالدعاية التي تعمل في المدى القصير، وتترك مفعولا سريعا تعود لتلاحقك على المدى البعيد، وهو ما يحدث في غزة الآن، إذ تقوم إسرائيل بقصف القطاع بالطائرات والدبابات وفي نفس الوقت تتم موازاة الصواريخ وقنابل الهاون التي تطلقها حماس من ناحية الفتك والقوة. وأكثر من هذا فالإحصائيات تشير إلى مقتل 1.100 فلسطيني مقابل 3 مدنيين إسرائيليين".
ويشير كوكبيرن إلى أن ديرمر على الرغم من تتلمذه على يد لونتز إلا انه لا يتحدث إلا للمؤيدين لإسرائيل، ففي أثناء مشاركته لمؤتمر "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" رد على أحد المحتجين أمام المؤتمر في واشنطن والذي صرخ عليه "مجرم حرب"، قائلا "في الحقيقة يجب منح جيش الدفاع الإسرائيلي جائزة نوبل"، وتصريحات كهذه توضح نتائج استطلاعات مثل ذلك الذي نظمه معهد غالوب وأظهر أن نسبة 51% من الشباب من الفئة العمرية ما بين 18-29 عاما قالوا إن أفعال إسرائيل غير مبررة، فيما قالت نسبة 23% إنها مبررة.
ورغم كل النصائح التي قدمها لونتز لإسرائيل إلا أن قادتها يشعرون بالخوف، فقد اشتكى نتنياهو لشبكة "سي أن أن" الأمريكية قائلا إن "حماس تريد تكديس جثث المدنيين قدر الإمكان" حتى "تصنع صورا تلفازية من الموتى الفلسطينيين خدمة لأهدافهم". ويختم التقرير بالقول "في النهاية لا تستطيع أفضل بروباغندا تبرير مذابح مثل صبرا وشاتيلا عام 1982 وقانا 1996 و 2006 وكلها في لبنان".