أصبح من الصعب في
مصر البحث عن جماعات أو مجموعات سواء كانت سياسية أو إعلامية، أو ثقافية، تمثل رأيا معارضا أو مخالفا لسياسات النظام القائم بعد سلسلة من
الحظر والتجريم للعديد من الكيانات والجماعات والحركات السياسية.
وامتد حظر السلطات لهذه المجموعات ليطال روابط المشجعين للأندية الرياضية التي لطالما مثلت بناء قويا ومتماسكا في نشاطها من خلال تشجيع أنديتها الكبيرة والمعروفة، وهو ما يعرف في مصر بروابط "
الألتراس".
ويرى بعض المراقبين أن "سياسة القطيع التي يروج لها النظام طالت جميع مناحي الحياة حتى الكروية، خاصة بعد أن صنفت لجنة أندية الدوري المصري لكرة القدم روابط الألتراس كجماعات إرهابية مسلحة، وهو ما يؤكد الاتجاه العام نحو خلق نظام شمولي في البلاد".
روابط الألتراس ترفض قرار لجنة الأندية وتصفه بـ"العدم"
من جهتها، رفضت روابط الألتراس قرار لجنة الأندية بحظر نشاطات روابط الألتراس، وقال كابو ألتراس الإسماعيلي "فرنسا"، في حديث لـ"عربي 21": "إنهم ضد القرار، وضد العنف في آن واحد"، مشيرا إلى أنه قرار سياسي بامتياز لحل جميع التكتلات الشعبية على الأرض.
وأضاف فرنسا: "إننا مستمرون في تشجيع نوادينا، ولن نلتفت إلى قرار لجنة الأندية"، مشيرا إلى أن تواجدهم في المدرجات مهم من أجل تنظيم شكل الجمهور، وتوحيد أدائه والوقوف وراء فريقهم في جميع المباريات.
وكانت قوات الأمن المصرية اشتبكت مع مجموعات الألتراس وعلى رأسها "ألتراس أهلاوي" و"وايت نايتس" (الزمالك) في كثير من الأحيان، وذلك لاستهجان الألتراس سياسة وزارة الداخلية، معبرين عن ذلك من خلال
مظاهرات رددت فيها شعارات وأغاني مناهضة لها.
وبدوره، نفى عضو ألتراس "وايت نايتس"، سعيد تويوتا: أن يكون للرابطة أي توجهات سياسية، مؤكدا لـ"عربي 21": "نحن غير معنيون بقرار لجنة الأندية، وبما يكال لنا من اتهامات، وإننا مستمرون في دعم النادي".
ويرى "فرنسا" أن هناك فجوة ما بين روابط المشجعين، ورؤساء الأندية، وبعض المسؤولين الذين يطالبونهم بالتصرف بنفس الثوابت التي يعتقدون بها، فيما تتجه الألتراس نحو التجديد والتطوير.
دور الألتراس في ثورة يناير والتصدي للبلطجية
يذكر أن تلك الروابط قامت بدور واضح خلال ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك، كما شاركت في صد هجوم البلطجية على ميدان التحرير فيما عرف حينها إعلاميا "بموقعة الجمل".
ووجد قرار لجنة الأندية من يسانده ويؤيده من داخل تلك الراوبط بعد أن عرف الخلاف طريقه إليها، شأنها شأن جميع التجمعات والجماعات التي انقسمت على نفسها في أعقاب سلسلة أحداث سياسية هزت البلاد، وفق مراقبين.
وقال "ريعو" كابو ألتراس أهلاوي السابق، في تصريح لـ"عربي 21": "القرار يصب في مصلحة البلد واستقرارها"، مشير إلى أنه وبعض زملائه قاموا بإنشاء رابطة تحت مسمى "شباب في حب مصر".
ولكنه أكد صعوبة أن يقوم "ألتراس أهلاوي" بحل نفسه تحت أي مسمى، مطالبا رؤوساء النوادي والقيادات الأمنية بالتواصل معهم لتقريب وجهات النظر.
اتجاه حكومي بعدم رجوع الألتراس
من جهته، قال الناقد الرياضي، شوقي حامد، في تصريح لـ"عربي 21" واصفا ما يجري في الساحة الرياضية بـ"حوار الطرشان" إن" قرار لجنة الأندية خاطئ، وهناك توجهات حكومية بعدم رجوع الألتراس مرة أخرى للمدرجات وإلى سابق عهدها"، ولكنه أقر في الوقت نفسه بوجود تجاوزات وقعت، و"على روابط المشجعين عدم تكرارها، وأن يعلنوا للملأ أن انتمائهم رياضي بحت، وأن لا ينشغلوا إلا بالكرة"، على حد قوله.
وأوجز "فرنسا" كابو ألتراس الإسماعيلي معاملة قوات الأمن لهم بالتعالي والتطاول، وقال إنهم ينظرون إليهم في كثير من الأحيان كأنهم قطيع من "الهمج" أو "المشردين"، متجاوزين بذلك دورهم المنوط بهم.
واعتادت روابط المشجعين مساندة كل فرقها في مبارياتها داخل البلاد وخارجها، ولا تقتصر المساندة على مباريات كرة القدم، بل امتدت إلى معظم الألعاب الجماعية الأخرى باستخدام الألعاب النارية المعروفة بـ"الشماريخ"، و"البراشوت".
حظر الألتراس يستحيل تطبيقه على أرض الواقع
يرى الناقد حامد أن حظر الألتراس يستحيل تطبيقه لإنها ليست بمؤسسة، أو كيانا مشهر رسميا، وإنما روابط شبابية تتواصل عبر صفحات التوصل الاجتماعي، وتخلفها أجيال، ولا تتوقف على شخصيات بعينها، فهي كيان ممتد على الأرض لا يمكن توقيفه.
وأشار إلى أن الدستور يعطي الجميع الحق في التشجيع والكلام، ولا بد من زيادة الموائمة بين جهاز الشرطة وتلك الروابط.
وتخشى الحكومة المصرية من أخذ قرار بعودة الجمهور تجنبا لعودة روابط الألتراس التي من المتوقع على نطاق واسع أن تمثل ضغطا جماهيريا على وزارة الداخلية التي طالما اصطدمت بهم في أكثر من مناسبة.
وبحسب كثير من الخبراء الأمنيين، فإنه من الصعب السيطرة على جمع يتجاوز عدده الثلاثين ألف على سبيل المثال، حيث يصبح هو حاكم نفسه، ولا مسيطر عليه، وأن أي محاولة لترويض هذا الحشد من المتوقع حينها حدوث خسائر بشرية كبيرة، إلى جانب امتداد المواجهات خارج الملاعب، واستقطاب فئات أخرى تشعر بالقمع.