لم يكن في واشنطن أكثر إثارة للاستفزاز من عبارة "القيادة من الخلف" التي استخدمتها إدارة الرئيس الأمريكي باراك
أوباما، لوصف العملية التي ساهمت الولايات المتحدة في إعدادها، ضد الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، ولكن الإدارة لم تفعل إلا الغارات الأولى وتركت الآخرين يكملون المهمة.
واعتبر نقاد الرئيس أوباما العبارة دليلا آخر على لامبالاته، ولم تعد الإدارة للمصطلح واستخدامه مرة أخرى.
ومع ذلك فالقيادة من الخلف هو عبارة يمكن أن نصف بها استراتيجية أوباما لمواجهة "تنظيم الدولة" في
العراق والشام.
وبحسب جيفري داير من صحيفة "الفايننشال تايمز" فالاستراتيجية التي حددها الرئيس في خطابه المتلفز ليلة الأربعاء، والذي تحدث فيه عن شن حرب أمريكية في كل من العراق وسوريا، هي تعبير عن العبارة المثيرة للاستفزاز "القيادة من الخلف"، فبناء عليه ستقوم أمريكا ببناء تحالف دولي وتقدم الغطاء الجوي، وستوفر بقية الدول القوات التي ستقاتل
داعش على الأرض.
فقد قال أوباما "لا يمكننا فعل ما يجب على العراقيين فعله بأنفسهم، ولا نستطيع أخذ مكان العرب لتأمين منطقتهم". وأضاف أن "هذه الحرب ستكون مختلفة عن حربي العراق وأفغانستان".
وتضيف الصحيفة: "فالرئيس الذي واجه تقدما سريعا لقوات داعش على الأرض، يصف مدخلا يحاول فيه الإستجابة للوقائع السياسية التي يواجهها في الشرق الأوسط وداخل أمريكا".
"وعلى الرغم من التفوق العسكري للقوات الأمريكية إلا أن أوباما يعتقد أن نصرا دائما ضد قوات داعش لن يتم تحقيقه إلا بجنود من المنطقة، خاصة القوات السنية من المناطق التي يسيطر عليها داعش، وإلا فستظهر جماعات مشابهة للتنظيم الجهادي في اللحظة التي تغادر فيها القوات الأمريكية"، تقول الصحيفة.
وفي نفس الوقت تعطي الخطة أوباما حماية سياسية في داخل الولايات المتحدة. فقد أظهرت الاستطلاعات الأخيرة قلق الأمريكيين من "داعش" بعد تصويره قطع رأس أمريكيين، ولكن هذا لا يعني دعم الرأي العام الأمريكي لحرب جديدة تقود لمئات القتلى من الجنود الأمريكيين.
وترى الصحيفة الأمريكية أن مشاكل استراتيجية أوباما تتلخص بمجموعة من الإجراءات الناقصة، فهي تطمح لتحقيق أهداف كبيرة لكنها تفتقد الوسائل لتنفيذها.
فأوباما، بحسب الصحيفة، يريد تفكيك "داعش" وتدميره في النهاية، وهو هدف غامض يحتاج للتوضيح، فتفكيك أو إضعاف التنظيم يعني قطع جزء من قدراته أو كما قال أحد المسؤولين البارزين "تقليص المساحة التي يعمل فيها الإرهابيون". فيما يحتاج تدمير التنظيم بالكامل إعادة تشكيل الشرق الأوسط من جديد الذي يعيش حروبا أهلية.
وحديث أوباما عن عدم نشر قوات على الأرض لا يوضح من سيقوم بمواجهة "تنظيم الدولة".
وتبين الصحيفة أن في العراق "هناك وجود شريك محتمل بعد تشكيل الحكومة العراقية الجديدة هذا الأسبوع والتي تزعم أنها تشاركية بدرجة أكبر من سابقتها التي أدت سياساتها الطائفية لظهور داعش، رغم أن عددا من الوزارات المهمة لم يتم بعد تعيين وزراء لها".
وتنقل الصحيفة عن مسؤول أمريكي بارز قوله الأربعاء، إن هناك إشارات عن "دعم قادة عشائر سنية للحكومة في بغداد". ولكن القتال الذي يدور ضد "داعش" تقوم به القوات الكردية والميليشيات الشيعية التي لا تمثل الجيش الوطني الذي يمثل كل المجتمعات.
وتضيف الصحيفة: "في
سوريا التي قال فيها أوباما إنه سيوسع الحملة الجوية ضد داعش، تبدو الخطة أقل وضوحا، فقد أعلن الرئيس عن زيادة دعم الجماعات "المعتدلة" التي وصفها بأنها أحسن معادل لقوة المتطرفين مثل داعش مع أنه قال الشهر الماضي إن فكرة تسليح نفس المعارضة حتى تستطيع مسار النزاع "كانت دائما فتنازيا".
مشكلة أخرى تشير إليها الصحيفة، وهي أن القوة الجوية لا يمكنها هزيمة داعش خاصة أن الرئيس يصف الإستراتيجية الجديدة عبر مفهوم عمليات مكافحة الإرهاب مثل التي قامت بها أمريكا ضد القاعدة في اليمن والصومال. ورغم ذلك فداعش ليس مجموعة صغيرة تختبيء في الجبال أو الصحارى تخطط لهجمات ولكنها حركة تمرد تسيطر على سلسلة من المدن والبلدات الكبيرة، مما يجعلها تمثل تحد عسكري مختلف.
ومع ذلك تلفت الصحيفة إلى أن الرئيس أوباما بات يستخدم لغة أكثر تشددا مثل "حالة هددتم أمريكا فلن تجدوا ملجأ آمنا" وهي لغة لا تعطي الرئيس مخرجا بل تدفعه للتصعيد.
وتختم الصحيفة تقريرها بقولها: إن "الكثير من نقاد الرئيس يتحدثون عن الحاجة لقوات أمريكية كي تؤمن المناطق. فمخاطر القيادة من الخلف هي أنها تجعل الولايات المتحدة تعتمد على جهود شركائها. في حالة فشلهم فسيجد الرئيس نفسه متورطا في حرب على الأرض في العراق ظل يزعج سلفه حتى ينهيها".