اختزل الشاب
العراقي جنيد البغدادي معاناته في بلاد الغربة بعبارة كتبها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "مشتاق لك يا وطني". وذلك بعد أن ترك بلاده بسبب الظروف الأمنية ومخاطر التهديد بالقتل والخطف خلال الأشهر الأخيرة، ولجأ إلى أحد البلدان الأجنبية بحثا عن الأمن والاستقرار.
لا يختلف حال جنيد عن مئات الآلاف من
الشباب العراقي المهاجرين قسرا عن بلادهم الذين يتابعون الأخبار التي تتعلق بظروف البلاد بشكل يومي، علها تبشرهم باستتباب الأوضاع الأمنية ليعودوا للوطن ويعيشوا بكرامة على أرضها الطاهرة وبين أبناء شعبهم.
وشعر العديد منهم بالتفاؤل في الأسابيع الأخيرة، تزامنا مع تشكيل الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي وبرنامج حكومته الإصلاحي الذي طرحه خلال منح الثقة لحكومته من قبل مجلس النواب.
وقال الشاب المهاجر في تركيا جنيد البغدادي لـ"عربي 21": "منذ أشهر وأنا أقيم في إسطنبول بشكل قسري في محاولة الخلاص من قبضة أية جهة تتهمني بقضية كيدية ويكون مصيري الاعتقال وضياع المستقبل دون سبب".
وأضاف البغدادي الذي تقيم عائلته في حي العامرية بجانب الكرخ من العاصمة بغداد، أن "شبكة الإنترنت أصبحت وسيلة للتواصل مع عائلاتنا وأصدقائنا الذين توزعوا بين عواصم العالم جراء ما يحدث من عنف في البلاد".
وينتظر العراقيون، سواء في داخل البلاد أم في بلاد
المهجر من الحكومة الجديدة برئاسة العبادي أن تفرض الأمن والأمان للعودة إلى جامعاتهم وأهليهم والمساهمة في بناء الوطن والتخلص من صعوبة العيش، عاطلين عن العمل في بلدان ليس لهم فيها نصيب للاستقرار.
وقال الشاب العراقي المقيم في جورجيا عمر عبد اللطيف، إن "الخوف منعني من الانتماء للعراق، ولبغداد التي ولدت ودرست فيها حتى وصلت إلى المرحلة الرابعة بكلية الهندسة. بل إن التهديدات والخوف من التصفية الجسدية أجبراني على أن أغادر إلى جورجيا لحين استتباب الأمن في ربوع بلادنا والعودة لاستكمال مشوار الدراسة وبناء المستقبل".
ويضيف أنه "بين رغبة الأهل والخوف الذي تملكني وجعلني أعيش لفترة طويلة حبيس المنزل جعلاني أهاجر، أما الدراسة التي هي طموحي بالحياة فأعتقد أنها ليست أهم من حياتي".
وشهدت الفترة التي أعقبت سقوط الموصل في العاشر من حزيران/ يونيو 2014 وسقوط صلاح الدين وأجزاء كبيرة من ديالى وكركوك، وقبل ذلك الأنبار والفلوجة بيد تنظيم الدولة "داعش" تنامي العنف الطائفي، ما أدى إلى تطويع الشباب من الطائفة الشيعية دفاعا عن المراقد الدينية المقدسة عندهم في سامراء والنجف وكربلاء، في مقابل مواجهات مسلحة عنيفة في مناطق المكون السني الذي ذاب مجتمعه بسبب الهجرة الخارجية والنزوح القسري إلى مدن إقليم كردستان العراق أو إلى بلدان خارجية، بحسب ناشطين.
ووصف الشاب علي حسين الذي يقيم في الهند الغربة بأنها "عذاب القبر"، مضيفا أنه "لو كانت الظروف جيدة في العراق أو أن الأوضاع تتحسن لعدت إلى بلدي، لكن الأخبار التي تأتي لا تسر العدو ولا الصديق، فلم يتغير أي شيء منذ عشر سنوات، ولا يوجد أي وجه مقارنة بين العراق والدول الأخرى".
وتابع بأن "العراق أصبح يفتقد أدنى مقومات الحياة كالكهرباء والوقود والسكن والمياه الملوثة والتعيينات، ولا يوجد للشباب العراقي فرصة للتفكير في بناء مستقبله، حاله حال باقي الشباب في بلدان العالم".
وأعرب عن أمله في أن يتحسن الوضع وأن يصبح العراق أفضل في كل شيء لأنه غني بكل شيء، و"أن تحل أزمة البطالة حماية لشبابنا من الضياع. والأهم من كل هذا وذاك الخطر الذي يهدد حياتنا والذي أجبرنا على الهجرة إلى بلاد الغربة".
بدورها، قالت الناشطة العراقية ورئيسة جمعية "الأمل" هناء أدور، إن بناء الوطن يجب أن يستند إلى استراتيجية رعاية الشباب والاعتناء بهم من كل النواحي وإعدادهم بالشكل السليم، مضيفة أنه لا بد أن يكون برنامج أي حكومة الحفاظ على ثروة البلد الفكرية والطاقات الإبداعية للشباب، وهذا ما غاب عن برامج حكوماتنا خلال سنوات ما بعد الاحتلال الأمريكي، وعليه فإنه يجب إعادة الشباب من بلدان المهجر وتوفير الضمانات الأمنية لهم للاستفادة منهم.
وامتلأت صفحات الشباب العراقيين المهاجرين على "فيسبوك" بعبارات عن حب الوطن وقصائد شعرية استلهموها من المتنبي والسياب والجواهري وعبد الرزاق عبد الوهاب منها: "دَمعٌ لبغداد.. دَمعٌ بالمَلايين، مَن لي ببغداد أبكيها وتبكيني؟".
وقال الشاب المهاجر في السويد مصطفى محمد، إن "ظروف البلد وخلافات السياسيين والجماعات المسلحة التي ترتبط بهم أجبرتنا على أن نخرج ونتخلص من جحيم العراق، أو أن نلجأ لخيار الانخراط مع جماعات العنف السياسي ونمارس القتل والتخريب".
وأضاف أن "ما نتمناه هو أن تتمكن
حكومة العبادي من تقزيم الأقوياء من أجل أن يقوى العراق، وعندها سنترك جميعا بلاد الغربة ونرجع إلى بلادنا العزيزة".