دخل مقاتلو تنظيم الدولة المعروف بـ "
داعش" إلى المنطقة الصناعية التي تبعد مسافة كيلومترين تقريباً عن مركز مدينة
كوباني (عين العرب) شمال
سوريا، بعد معارك عنيفة دارت بين وحدات حماية الشعب المعروفة بـ الـ"YPG" ومقاتلي التنظيم الذين رفعوا راياتهم فوق عدة مبان سكنية شمال شرق المدينة، بعد تعرض تلك المنطقة لغارات جوية من قبل طائرات التحالف.
وقال الإعلامي مصطفى عبدي من أهالي مدينة كوباني في حديث لـ"عربي 21"، إن وحدات حماية الشعب"YPG" تمكنت من السيطرة على زمام الأمور في حي الصناعة بعد تسلل مجموعة من مقاتلي تنظيم "داعش" إليها، مضيفاً أن اشتباكات عنيفة تدور الآن بين المقاتلين الكرد وعناصر من تنظيم الدولة شمال المنطقة الصناعية وسط تحليق مكثف لطائرات التحالف.
وبين عبدي، أنه وفقاً لمصادر من الوحدات الشعبية، فإن "هناك أعدادا كبيرة من القتلى في صفوف التنظيم، لكن المقاتلين الكرد بحاجة إلى مؤازرة عسكرية وهم يواجهون الآليات الثقيلة التي يستخدمها التنظيم بأسلحتهم الخفيفة".
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان الثلاثاء إن 400 شخص على الأقل قتلوا خلال المعركة المستمرة منذ ثلاثة أسابيع بين تنظيم الدولة والمقاتلين الكرد في مدينة كوباني الكردية ومحيطها. وأشار المرصد إلى أن مقاتلين من الطرفين ومدنيين قتلوا خلال تلك المعارك، مضيفاً أنه وثق مقتل 412 شخصاً من مصادر على الأرض، لكن يرجح أن يكون العدد الحقيقي ضعف ذلك.
وفي سياق متصل، ناشد الشاعر والإعلامي الكردي السوري المستقل دليار ديركي كل المنظمات الدولية والحقوقية في العالم للتدخل حيال ما تتعرض لها مدينة كوباني من هجمات إرهابية -على حد وصفه- من قبل تنظيم الدولة.
وقال ديركي: "أبناؤنا يقتلون الآن في كوباني ليس دفاعاً عن المدينة وحدها وإنما في سبيل كل القوى المسالمة في العالم"، موضحا أنه "لذلك يتوجب أخلاقياً وقانونياً مساندة هذه القوى التي تحارب الإرهاب الذي يهدد المنطقة بأسرها".
يذكر أن معارك عنيفة تدور بين المقاتلين الكرد منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، أدت إلى فرار عشرات الآلاف من الكرد في تلك المناطق، حيث عبروا إلى الجانب التركي بأعداد كبيرة.
معارك "مرعبة" في عين العرب
ووصفت الخارجية الأمريكية الثلاثاء المعارك الدائرة في مدينة عين العرب، كوباني بالكردية، التي يتابعها العالم "مباشرة" على شاشات التلفزيون بأنها "مرعبة"، وقالت إن هذه المدينة السورية الكردية الحدودية مع
تركيا يجب ألا تسقط بأيدي تنظيم الدولة.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جنيفر بساكي حول المحادثات الهاتفية الاثنين والثلاثاء بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ورئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، إن "الجميع يعتبر متابعة ما يحدث في كوباني بشكل مباشر أمرا مرعبا".
وأضافت أنه "لا أحد بالطبع يريد رؤية كوباني تسقط"، في حين أعرب زميلها في البيت الأبيض جوش أرنست عن "القلق الشديد" حيال مصير المدنيين.
أردوغان يدعو لشن عملية برية لإنقاذ عين العرب
وفي السياق نفسه، حذر الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان الثلاثاء من أن كوباني "على وشك السقوط"، مشددا على ضرورة شن عملية برية لوقف تقدم الجهاديين.
وزاد احتمال سقوط المدينة الحدودية في أيدي مقاتلي تنظيم الدولة، بعد أن أضحوا بداخلها، من الضغوط الكردية والدولية التي تتعرض لها تركيا للتدخل العسكري لصد مقاتلي التنظيم.
وتقدم مقاتلو تنظيم الدولة صوب الجنوب الشرقي. وقال "المرصد السوري لحقوق الإنسان" الذي يراقب أعمال العنف في سوريا من خلال شبكة من المصادر في قلب الأحداث، إن هجوم التنظيم على المدينة، الذي بدأ منذ ثلاثة أسابيع، أسفر عن مقتل 400 شخص.
وأعلن الجيش الأمريكي أن الولايات المتحدة مع السعودية والإمارات شنت الاثنين والثلاثاء خمس ضربات جوية ضد مقاتلي تنظيم الدولة، قرب كوباني.
وأوضحت القيادة الأمريكية الوسطى، المكلفة بالشرق الأوسط وآسيا الوسطى في بيان، أن الولايات المتحدة وحليفاتها شنت تسع ضربات جوية في سوريا الاثنين والثلاثاء بينها خمس غارات قرب هذه المدينة الكردية الواقعة قرب الحدود مع تركيا.
قتلى في مظاهرات للأكراد تطالب أنقرة بالتدخل في عين العر"
وفي أثناء ذلك، أفادت وسائل إعلام محلية تركية بقأن تسعة أشخاص على الأقل قتلوا وأصيب العشرات في احتجاجات بمختلف أنحاء تركيا الثلاثاء، طالب فيها الأكراد الحكومة بالتدخل لحماية نظرائهم السوريين في بلدة كوباني.
واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لفض المحتجين، الذين تعمدوا التخريب وأحرقوا السيارات، بعدما خرجوا إلى الشوارع لاسيما في الأقاليم الشرقية وفي جنوب شرق البلاد التي تقطنها أغلبية كردية، فيما اندلعت الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الشرطة في إسطنبول أكبر مدن تركيا وفي العاصمة أنقرة أيضا.
التايمز: لماذا رفض أردوغان التدخل في كوباني؟
تساءلت كاثرين فيليب في تقرير لها في صحيفة "التايمز": لماذا لا يريد أردوغان إرسال قواته لكوباني؟
ورأت فيليب أن الدولة التركية قد لا تكون متعاطفة مع تنظيم الدولة المعروف بـ "داعش"، ولكنها ترى الأمور بمنظور مختلف، فمنذ عملية تبادل الرهائن الغامضة، التي تمت بين أنقرة و"داعش" لتحرير 49 دبلوماسيا تركيا وعائلاتهم ممن اختطفهم التنظيم بعد سيطرته على مدينة الموصل في حزيران/ يونيو الماضي، توقعت الحكومة الأميركية انضمام حليفتها التركية والعضو ذي الجيش الأكبر في حلف الناتو للتحالف ضد "داعش".
وتشير الصحيفة البريطانية إلى أنه وبالرغم من مصادقة البرلمان التركي على التدخل في سوريا والمشاركة في التحالف الأميركي، إلا إن أنقرة التي حشدت قواتها على الحدود لم ترسل جنودها إلى داخل الأراضي السورية لحماية بلدة كوباني (عين العرب)، التي دخلت إليها القوات التابعة لـ "داعش".
وتبين فيليب أن حكومة أحمد داود أوغلو تجد نفسها تواجه ضغوطا شعبية ودولية للتدخل، فبالرغم من حديث أوغلو الأسبوع الماضي، عن رفض تركيا لأي سيناريو تسقط فيه كوباني، خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم أمس وقال إن البلدة ستسقط قريبا بيد "داعش"، وحمل التحالف الدولي المسؤولية، وقد أشار إلى أنه فشل بالاستجابة لمطالبه ومواجهة نظام بشار الأسد، وتتلخص مطالب أردوغان في إقامة منطقة عازلة ومنطقة حظر جوي وتسليح المعارضة السورية.
ومشكلة أردوغان هي أن الضغط الشعبي وتهديدات عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني السجين بوقف المحادثات، عوامل تشكل ضغطا عليه، بحسب التقرير.
وتعتقد فيليب أن تركيا قد لا تكون متحمسة لـ "داعش"، كما أن بعض نقادها يتهمونها، لكن أنقرة لا تنظر للأمور بنفس الطريقة التي ينظر إليها التحالف.
وتوضح فيليب أن تركيا لديها مخاوف أخرى غير نظام الأسد. فهي لا ترغب بتقوية القوميين الأكراد في سوريا ممن تشك بهم وتتهمهم بالتحالف الواضح مع نظام بشار الأسد. فيما يقول الأكراد السوريون إنهم مهتمون فقط بحماية أنفسهم وليس الدفاع عن الأسد. ويرون في دخول القوات التركية لبناء منطقة عازلة محاولة واضحة لتدمير الإنجازات التي حققوها والمنافع الاقتصادية التي جنوها قبل أن تصل قوات "داعش".
لفت الصحيفة لما قيل لصالح مسلم، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا عندما زار أنقرة، وناشد المسؤولين الأتراك بالتدخل حيث طلب منه أولا حل منطقة الحكم الذاتي الكردية في سوريا والقبول بواقع المنطقة، ولكنه رفض المطالب التركية.
وأظهرت الولايات المتحدة برودة حيال فكرة المنطقة العازلة، ولكن أردوغان يرفض التنازل عن مطالبه. فيما أكد أحمد داوود أوغلو اعتقاد أنقرة أن الشرير الحقيقي هو بشار الأسد وليس "داعش"، وأكد أن صعود "داعش" جاء نتيجة لفشل الغرب في التعامل مع الأسد وتنحيته عن السلطة، بحسب الصحيفة.
وهذا يشير لعدم احتمال سماح تركيا بأي عمل عسكري من أراضيها لا يستهدف نظام الأسد أولا.
وتتوقع فيليب أن تجد تركيا نفسها منقادة للمشاركة في الحرب الأهلية السورية، في حال وصلت آثار هذه الحرب إلى داخل أراضيها. وأكد جين ستولتينبرغ أن الناتو سيكون جاهزا للدفاع عن تركيا حالة تعرضت لهجوم من القوات السورية، مما يزيد من الضغوط على تركيا كي تشارك بشكل كامل في التحالف الدولي.
وتختم فيليب تقريرها بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة تحاول إقناع أنقرة بالمشاركة الكاملة، وأرسلت مسؤولين بارزين لأنقرة لهذا الغرض، لكن قلة من الأكراد في كوباني يعتقدون أنهم سيكونون جزءا من هذا الاتفاق.