تساءل ديفيد إغناتيوس في صحيفة "واشنطن بوست" ماذا يحدث عندما تشن الولايات المتحدة حربا محدودة؟.
ويشير إغناتيوس إلى أن آثار هذه
الحرب، وما يجري في بلدة كوباني شمال سوريا دليل على الطريقة التي تتحول فيها نزاعات من الاحتواء للتصعيد. فقد اقترح
أوباما بعبارات غراهام أليسون، الباحث في جامعة هارفارد، حربا "محدودة، صبورة، محلية ومرنة".
ويرى أليسون، الذي يعتبر أحد أهم المخططين الاستراتيجيين في أميركا، أن هذا الأسلوب مناسب لأميركا، لأنه يساعدها على قتال عدو لا يمثل تهديدا مباشرا عليها. والمشكلة في الحروب المحدودة أنها، حسب كتب التاريخ، نادرا ما تحقق أهدافها. ويقول إن كوباني/عين العرب أدت لتزايد الدعوات من أجل إرسال مزيد من القوات إلى سوريا، وفق الصحيفة.
ويضيف "إن صناع القرارات عندما يواجهون بين خيار (التحرك) أو (عدم التحرك) عادة ما يختارون خيار التدخل الجزئي، وهذا غالبا ما يقود إلى حالة من الانسداد والتراجع، الأمر الذي يصيب الجنرالات بالغضب، فالمحاربون يقولون إن (كنت تقاتل في المعركة فعليك الانتصار) أما السياسيون فيراوحون على أطراف المعركة".
وكتب أليسون في فترة سابقة قائلا "إن كان أصدقاؤك وحلفاؤك ممن يمثل (
داعش) عليهم تهديدا محتوما أو حتى تهديدا وجوديا، ولم يعبروا عن استعداد للقتال، القتل أو الموت من أجل مصالحهم وقيمهم فعلى الأميركيين التساؤل: لماذا يجب علينا أن نقوم بالمهمة؟"، بحسب "واشنطن بوست".
ويلخص فردريك هوف، الدبلوماسي الأميركي السابق الذي يعمل الآن في المجلس الأطلنطي، المأزق الدموي على الحدود التركية - السورية، بأنه يشبه "غلاية جميلة من الأسماك" مستخدما عبارة شهيرة للثنائي الكوميدي ستان لوريل وأليفر هاردي، ويعني بهذا أن "الوضع مشوش وغير مريح وفوضوي وحتى يستعصي على الحل"، خاصة أن الأميركيين والأتراك المفترض أنهم حلفاء يتهمون بعضهم البعض بعدم اتخاذ الفعل المناسب.
ويشير لما قاله الجنرال جورج سي مارشال، الذي يعتبر من أحكم القادة العسكريين الأميركيين "لا تقاتل مشكلة، اتخذ قرارا بشأنها".
ويرى إغناتيوس أنه في الحالة العراقية - السورية فالمنطق يقتضي تحديدا ملامح النزاع التي لا غنى عنها. فتركيا تعتبر حليفا صعبا لكنها ضرورية، فالوقوف أمام تنظيم الدولة دون عمل شيء يعتبر خطيرا، وكذا شن حرب شاملة ليس خيارا واقعيا، فالحملة الأميركية ربما بدأت مرتبكة، لكن لا يوجد ما يدعو على الذعر.
ويمضي الكاتب بالقول إن التاريخ العسكري هو قصة عن التصميم والإرادة، حيث يبدأ القادة بالخوض في وحل المعركة في الأشهر الأولى منها. وتعتبر تجربة مارشال في الحرب العالمية الثانية مثالا كلاسيكيا؛ فقد كانت الحملة في أوروبا وشمال إفريقيا كارثة بعد كارثة، كما صور ريك أتكينسون في ثلاثيته الرائعة عن الحرب في أوروبا. فقد ظلت الولايات المتحدة تتعثر حتى يوم الإنزال -دي داي-، واندفعت نحو تحقيق النصر.
ويلفت إغناتيوس إلى أن مشكلة الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية أنها اختارت شن حروب محدودة ذات نتائج غامضة، وكان هذا هو الحال في كوريا وفيتنام والعراق وأفغانستان، فقط في عام 1991 "عاصفة الصحراء" حققت أميركا انتصارا ساحقا، ولكن كان هدف الحرب محدودا وواجهت عدوا ضعيفا. وكما لاحظ هنري كينسينجر قبل فترة فالقتال ضد تنظيم الدولة جاء في وقت يعاني فيه الأميركيون من تدنٍ في المعنويات جاء بعد سلسلة من الفشل.
ويذهب إغناتيوس إلى أن الإحباط بعدم تحقيق انتصار في نزاعات الجنرال كولن باول قد أدى للقول فيما صار يعرف بـ "عقيدة باول"- أي أن على الولايات المتحدة شن حروب عندما تتعرض مصالح الولايات المتحدة الحيوية لتهديد، حيث يدعمها الرأي العام، والحلفاء يقفون معها، وتكون استراتيجية الخروج واضحة. وقد أمل أوباما هو الآخر بتجنب الحروب غير الشعبية والمحبطة في سوريا والعراق، لكن حذره الشديد والمفهوم فتح الباب أمام "داعش".
ويبين الكاتب أنه وبالرغم من الضباب الذي يغلف السياسة الحالية لكن هناك مخرجا واضحا. فتركيا محقة في مطلبها لإنشاء منطقة عازلة في شمال سوريا، محمية بمنطقة حظر جوي، ويجب على الولايات المتحدة البدء بتقديم صواريخ مضادة للطائرات للجماعات السورية المعارضة، التي تأكدت الـ "سي أي إيه" من ملفاتها، وسيؤدي هذا الوضع لرفع شعبية المعارضة ووقف طائرات الأسد.
ويعتقد الكاتب أن المنطقة العازلة ستمنح الولايات المتحدة الوقت الكافي لتدريب وتسليح المعارضة، كي تكون في وضع لطرد "داعش" من شرق سوريا والاحتفاظ بمناطقها حتى بدء المفاوضات حول الحكومة الجديدة. وفي العراق فتحتاج عملية تدريب قوات سنية أشهرا حتى تكون قادرة على استعادة الموصل والفلوجة، ولكن الولايات المتحدة أوقفت تقدم المتطرفين نحو إربيل، واستعادت سد الموصل.
ويخلص إغناتيوس إلى القول بإن أوباما لم يكن مخطئا عندما لجأ لمجموعة من الأسلحة والأساليب المحدودة لشن حربه، كل هذا لا يلغي أهمية تحقيق النجاح عبرها.