كتب المعلق الأميركي نيكولاس كريستوف "قبل أيام قليلة كنت في حلقة نقاش على برنامج بيل ماهر في تلفزيون (أتش بي أو) تحولت لحرب
دينية"، في إشارة للنقاش والتعليقات المثيرة التي أطلقها ماهر وضيفه سام هاريس.
وفي مقاله الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" تحت عنوان "التنوع في الإسلام" وجاء فيه:
"سواء كان الإسلام يلهم العنف أم لا، لكن النقاش حوله بالتأكيد يؤدي للخلاف، فقد هبط نقاشنا إلى لعبة صراخ وتحول إلى حمى على الإنترنت. فقد ناقش ماهر وضيفه سام هاريس أن الإسلام خطير، متهمين الداعين للتصحيح السياسي من الليبراليين بالتسامح معه. في الوقت نفسه شجب الممثل بن أفليك تلك التصريحات ووصفها بالصارخة والعنصرية، ووقفت إلى جانبه".
ويضيف "بعد نهاية الحلقة استمرينا، نحن المشاركون، في مشاحنتنا لمدة ساعة أخرى، ولكن كانت الكاميرات مغلقة. فقد أشعل ماهر نقاشا لا تزال آثاره مستمرة، ولهذا دعوني أقدم لكم ثلاث نقاط مزعجة".
ويبين كريستوف النقاط الثلاث "أولا: تاريخيا لا يعرف عن الإسلام أنه غير متسامح، وقام في البداية برفع وضع المرأة، وأي شخص يقرأ التاريخ حتى في القرن العشرين لن ينتقد الإسلام ويعتبره دينا متعطشا للدم، فقد كان المسيحيون النازيون والشيوعيون في أوروبا والبوذيون والتاويون والهندوس والملحدون في آسيا ممن حطموا الأرقام القياسية في الذبح".
ويتابع كريستوف "ومثلما توجد في القرآن بعض الآيات التي تمجد العنف، فهناك آيات في الإنجيل مثل تلك التي تتحدث عن الرب الذي أمر بمذبحة ضد العماليق".
ويمضي الكاتب "ثانيا: يضم العالم الإسلامي اليوم نزعة حقيقية اضطهادية غير متسامحة وإن بشكل غير متناسب. فالبرابرة في الدولة الإسلامية يستشهدون بالدين لتبرير تصرفهم الوحشي- حيث ذبحوا عامل إغاثة بريطانيا حاول المساعدة في انقاذ حياة المسلمين-، وبهذا يعطون الإسلام سمعة سيئة. وفوق كل هذا ففي تقرير المنبر الاقتصادي العالمي تسع دول من آخر عشر دول فيه تعامل المرأة بشكل سيئ، هي دول غالبيتها مسلمة، وفي الأردن وأفغانستان ومصر هناك ثلاثة أرباع من السكان تفضل تطبيق حكم الإعدام ضد من يرتدون عن دينهم، كما أن اضطهاد المسيحيين والأحمديين واليزيديين والبهائيين والشيعة شائع في العالم الإسلامي ويجب أن نتحدث عن هذا".
ويتابع كريستوف "ثالثا: يضم العالم الإسلامي جموعا متعددة، فهو واسع ومتنوع، نعم هناك أربعة من كل خمسة أفغان يدعمون قتل المرتد، لكن معظم المسلمين يقولون هذا جنون. في أندونيسيا التي تعتبر من أكبر الدول الإسلامية سكانا 16% يدعمون هذا الحكم، وفي ألبانيا وأذربيجان وقازاخستان هناك نسبة أقل من 2% تدعم إعدام المرتد، حسب دراسة مركز بيو المسحية".
ويرى كريستوف أنه "علينا أن نكون حذرين من التعميم حول أي دين؛ لأن هذا يصل أحيانا إلى حد توصيف الدين ومساواته بالعنصرية. فالهندوسية جاء منها غاندي والمتطرفون الذين اغتالوه. زعيم التيبت دالاي لاما يعتبر اليوم مثالا للإنسانية لكن خامس دالاي لاما في عام 1660 أمر بقتل الأطفال مثل "فقص البيض على حجر". وفي المسيحية كان المبجل مارتن لوثر كينغ جونيور وكذلك الممثل البابوي في القرن الثالث عشر الذي أمر بذبح 20.000 رجل وامرأة وطفل في فرنسا، متهما إياهم بالزندقة. وقيل إنه صرخ: اقتلوهم جميعا فالرب سيعرف من هم عبيده".
ويذكر الكاتب أن "واحدة من المواجهات المرعبة التي قابلتها تلك التي قام فيها مسلمون من جاوة بملاحقة أشخاص اتهموا بالشعوذة وقطعوا رؤوسهم وعلقوها على العصي. ولكن كان هناك في الكونغو أمير حرب بغيض نصب نفسه راعيا للكنيسة الذي دعاني لعشاء بدأ فيه بالدعاء مع أنه كان متهما بجرائم حرب" .
ويعتقد كريستوف أن "تصوير الإسلام بالعنف والتعصب تصوير غير كامل، فعليك تذكر أن من يقفون ضد المتشددين المسلمين هم من المسلمين. ففي الباكستان قام رجال مسلمون باغتصاب جماعي لمختار ميا كعقاب على قضية تشرك شقيقها في المحكمة. وبعد الشهادة ضد من هاجموها وحصولها على تعويضات قامت بالتبرع بالمال لبناء مدرسة لتعليم البنات في قريتها. والذين قاموا بإطلاق النار على ملالا يوسف زاي من رجال طالبان هم مسلمون وكذا ملالا" .
ويشير كريستوف إلى أن "إيران قامت باضطهاد المسيحيين والبهائيين، ولكن المحامي المسلم محمد علي دخان أظهر شجاعة نادرة وتحدي القمع، واستطاع تحرير قس من السجن، ويقضي دخان في السجن بعد الحكم عليه بتسع سنوات".
ويروي الكاتب "محام صديق لي في باكستان، وهو رشيد رحمن، كان من أشد المدافعين عن حقوق الإنسان والتسامح الديني، اغتاله المتطرفون هذا العام بعد أن هاجموا مكتبه".
وبرأي الكاتب "فمن حقك شجب الوحشة والتمييز الجنسي والتعصب الذي يطبع تنظيم الدولة ونزعة معينة من الإسلام، ولكن لا تعمم هذا على كل الإسلام، فأبطال مثل مختار وملالا ودخان ورحمن يمثلون أيضا عنصرا مهما".
ويختم كريستوف "دعونا نتوقف عن تغذية الكراهية ضد الإسلام من خلال التركيز على الرعب وتجاهل التنوع في الدين الذي يتبعه 1.6 مليار مسلم، بمن فيهم دعاة كثر للتسامح والحداثة وحقوق الإنسان. فالانقسام العظيم ليس بين الأديان، ولكن بين المتحمسين المتعصبين في كل دين وبين الغالبية العظمى من المؤمنين الأتقياء ودعاة السلم في أي دين".
ويجد الكاتب إلى أنه "ربما كان من الصعب نقل كل هذا في شجار على التلفزيون ولكن هذه هي الحقيقة".