في مقالة للمعلق الأميركي فريد زكريا في صحيفة "واشنطن بوست" على التعليقات الحادة التي جرت بين المذيع التلفزيوني بيل ماهر وضيفه سام هاريس والممثل بن أفليك من جهة أخرى، قال زكريا إن الإسلام اليوم يعاني من مشكلة.
وجاء في المقالة: عندما أعلن المقدم بيل ماهر في برنامجه الأسبوعي أن "العالم الإسلامي لديه الكثير من مظاهر الشبه مع (
داعش)"، فرد هاريس قائلا إن الإسلام هو "أم ومصدر كل الأفكار السيئة".
ويعلق زكريا قائلا "أتفهم لماذا يشعر الناس بالسخط، ماهر وهاريس قاما بتقديم تعليقات مبسطة ومبالغ فيها، ومع ذلك كانا يتحدثان عن شيء واقعي".
مضيفا: أعرف تداعيات الحديث عن الإسلام كدين عنف ورجعي، فأتباعه يتجاوزون 1.6 مليار شخص، وفي أماكن مثل أندونيسيا والهند هناك مئات الملايين من المسلمين ممن لا ينطبق عليهم هذا الوصف، ولهذا السبب فماهر وهاريس مذنبان بجرم
التعميم. ولكن علينا أن نكون صادقين، فالإسلام يعاني من مشكلة اليوم، فالمناطق التي فشلت في التكيف مع العالم الحديث هي بشكل عام مسلمة".
ويضيف أن من بين أهم عشر جماعات ارتكبت أعمالا إرهابية عام 2013 سبع منها كانت مسلمة. ومن بين أكثر من 24 دولة تضع قيودا على حرية ممارسة الدين هناك 19 دولة مسلمة، بحسب تصنيفات مركز بيو للدراسات، والذي يصنف الدول بناء على مستوى القيود التي تفرضها الحكومات على حرية ممارسة الدين. ومن بين 21 دولة تطبق قوانين ضد الردة كلها دول ذات غالبية مسلمة".
ويشير زكريا إلى أن "هناك سرطان تطرف في داخل الإسلام اليوم، فأقلية من المسلمين تحتفل بالعنف والتعصب، وتختزن في داخلها مواقف رجعية ضد المرأة والأقليات. وفي الوقت الذي يقوم البعض بمواجهة المتطرفين إلا أن هذا ليس كافيا، ولم يعد الاحتجاج يكفي، فكم من المظاهرات التي نظمت ضد تنظيم الدولة المعروف بـ (داعش) في العالم العربي اليوم؟".
ويواصل قائلا إن التحذير من "الإسلام اليوم مهم ولكن المشكلة المركزية في تحليل ماهر وهاريس أنهما يتعاملان مع الواقع-
التطرف في الإسلام-، ويصفانه بطريقة ترى أن التطرف جزء أساسي في الإسلام".
ويقول ماهر إن "الإسلام هو الدين الوحيد الذي يتصرف كمافيا، التي تقتلك لو قلت شيئا غير صحيح، مثل رسم الصورة الخطأ أو نشر كتاب خطأ"، وهو محق في وصف شراسة الموقف، لكنه مخطئ في قول "الإسلام" بدلا من قول "بعض المسلمين"، بحسب المقال.
ويبين زكريا "بالنسبة لهاريس الذي يفتخر بقدراته التحليلية، فهو يحمل دكتوراه، وكما تعلمت في الجامعة فلا يمكن تحليل ظاهرة متغيرة بسبب ثابت، وعليه فعندما تؤكد أن الإسلام هو بطبيعته عنيف ومتعصب (مصدر كل الأفكار السيئة) فإنك تسحب هذا على تاريخ الإسلام الموجود منذ 14 قرنا، وكان يجب رؤية هذا في تصرفاته عبر الـ 14 قرنا الماضية".
واقترح زكريا على هاريس قراءة كتاب زكاري كارابيل "السلام عليكم: 14 قرنا من النزاعات والتعاون بين المسلمين، المسيحيين واليهود"، ويعقب زكريا "فما سيكتشفه أن حروبا حدثت ولكن كانت هناك قرون من السلام، وكان الإسلام في ذلك الوقت في مقدمة التطور والحداثة، ولكنه في بعض الأحيان، كما اليوم، فإنه متقاعس. وكما شرح لي كارابيل "لو استثنيا الـ 70 عاما أو أكثر الماضية فقد كان العالم الإسلامي بشكل عام متسامحا مع الأقليات أكثر من عالم المسيحية، ولهذا السبب كان هناك أكثر من مليون يهودي يعيشون في العالم العربي حتى بداية الخمسينيات من القرن الماضي، منهم 200.000 كانوا في العراق".
ويلفت زكريا إلى أنه "إذا كانت هناك فترات عاش فيها العالم الإسلامي تسامحا وحداثة وانفتاحا وسلاما، فهذا يدل على أن المشكلة ليست في جوهر الدين، ويمكن أن يتغير هذا الوضع مرة أخرى. فلماذا يقدم ماهر هذه التعليقات؟ أتفهم أنه كمثقف عام يشعر بالحاجة للتحدث حول ما يراه حقيقة غير مشذبة (مع أن حقيقته تبسيطية ومبالغ فيها)، ولكن بالتأكيد هناك دور آخر للمثقف العام يمكنه القيام به وهو تغيير العالم للأحسن".
ويتساءل زكريا "هل يشعر أن مقارنة الإسلام بالمافيا هو لخير العالم؟".
ويمضي الكاتب قائلا "يقول هاريس إنه يريد تشجيع (المسلمين بالاسم ممن لا يتعاملون مع الدين بجدية) لإصلاح الدين، وعليه فاستراتيجية إصلاح الإسلام هي التحدث لـ 1.6 مليار مسلم، ومعظمهم أتقياء وملتزمون أن دينهم شرير وعليهم التوقف التعامل معه بجدية؟".
ويرى زكريا أنه "ليس بهذه الطريقة تخلت المسيحية عن قرون العنف والحملات الصليبية ومحاكم التفتيش وحرق الساحرات ورفض الدولة الحديثة. وعلى خلاف هذا قام المثقفون وعلماء اللاهوت بالاحتفاء بعناصر الدين التي تدعو للتسامح والانفتاح والحداثة، وأكدوا عليها مما أعطى الملتزمين بالمسيحية سببا للتعامل بجدية وفخر مع دينهم، ومدخل كهذا، مرفق بالاحترام قد ينجح مع الإسلام".
ويختم بالإشارة إلى أن "المخاطر كبيرة في هذا النقاش، فيمكنك صناعة عناوين الأخبار أو تحقيق شيء مختلف، وآمل أن يبدأ ماهر بعمل الأخير".