لم تكشف ثورات
الربيع العربي الوجه السيء للأنظمة السابقة فحسب بل كشفت أيضا الوجه الضعيف لمعارضي هذه الأنظمة بحسب ما يرى مراقبون.
ويختلف المراقبون حول أسباب ضعف المعارضين في الوطن العربي؛ فيرجع بعضهم إلى إقصائهم من قبل الأنظمة، وآخرون إلى التدخل الأجنبي، والإيديولوجيا التي تمنع الأطراف
المعارضة من استيعاب بعضها البعض، إلى جانب ضعف الخبرة السياسية بحكم أنهم لم يكونوا يوما في السلطة.
مجتمعات هشة
المفكر والكاتب المصري فهمي هويدي رأى أن الربيع العربي لم يكشف الوجه الضعيف للمعارضين فحسب بل تعدى ذلك ليكشف ضعف المجتمعات العربية "الهشة" التي تعاني من جدب وفقر سياسي شديد.
وأضاف هويدي في حديث لـ"عربي21": "لا نملك مؤسسات ولا تيارات سياسية وإنما شخصيات تهوى السياسة".
وعن الحالة المصرية قال إن الفقر السياسي وغياب العمل المشترك ساهما كثيرا فيما ووصلت إليه مصر اليوم حتى أن المجموعات المنضوية تحت "تحالف 30 يونيو" بدأت بالتفرق، مرجعا السبب إلى غياب
الديموقراطية الحقيقية.
ولفت هويدي إلى أن الحل الوحيد هو خوض غمار السياسة ودفع الثمن لحين الوصول إلى مرحلة النضج السياسي.
وعن التجربة التونسية قال هويدي إن المجتمع المدني في تونس "قوي تاريخيا" وإن المعارضين التونسيين هاجروا إلى أوروبا وإنجلترا حيث احتكوا هناك بالممارسات الديمقراطية الحقيقية ولم يهاجروا من بلد عربي إلى بلد عربي آخر.
سرعة في الحسم
وفيما تتجه الأنظار إلى تونس بانتظار أول انتخابات برلمانية بعد سقوط نظام بن علي، تبقى التجربة التونسية الأنجح -قياسا بالتجارب الأخرى- في بلد نضح معارضوه في المهجر.
وتنقسم المعارضة في تونس بحسب السياسي وأستاذ علم الاجتماع ووزير التربية في حكومة علي العريض د. سالم الأبيض إلى قسمين؛ الأول معارضة مدنية سلمية مرتبطة بأطراف خارجية يقف على رأس أولوياتها الارتباطات الخارجية وتنظر إلى الجانب السياسي مع إغفال تام للجانب الاجتماعي، والثاني معارضة وطنية تشارك في العملية السياسية ولديها خيارات وطنية غير أنها تواجه مصاعب كبيرة.
وعن التجربة التونسية قال الأبيض لـ"عربي21" إن سرعة سقوط نظام بن علي في تونس وعدم انسياق الأمور نحو العنف المسلح أسهم كبيرا في نجاح الثورة في تونس.
كما أن الممارسات السلمية للمعارضة في تونس وعدم محاولة إقصاء الآخر هي من أهم ما مميز التجربة التونسية، بحسب تعبيره.
غياب البنية التحتية
وفي اليمن ثورة أعقبها انتقال سلمي للسلطة لقيادة لم تفلح في جمع كل الأطراف على طاولة واحدة انتهت بسيطرة الحوثيين على اليمن سياسيا وعلى الأرض لتصبح لغة السلاح هي المسموعة.
رئيس الدائرة السياسية السابق في الحزب الاشتراكي اليمني عبدالغني عبدالقادر قال إن البلدان العربية لم تكن مهية بعد للتجربة الديموقراطية وقبول الآخر.
وأشار عبد القادر في حديث لـ"عربي21" إلى أن الخبرة السياسية أمر مكتسب وهو الأمر الذي يفتقده معارضو الأنظمة في الوطن العربي، أما الأنظمة الحاكمة أو السابقة فتعلمت العمل السياسي بحكم خبرتها الطويلة في الحكم والتي امتدت لعشرات السنين.
ويرى الحزبي اليمني أنه كان الأولى بالمعارضين "العمل بخطوات بطيئة ولكن مضمونة" وانتظار زوال الأنظمة الديكتاتورية السابقة بالتدريج.
ولفت عبد القادر إلى أن اعتبار الأنظمة السابقة للمعارضة أنها "مأجورة وغير وطنية" أدى إلى اللجوء إلى العمل الثوري.
حكام سابقون.. وأنظمة باقية
ورغم سقوط الحكام في بعض الدول يرى سياسيون أن أنظمتهم السياسية لم تسقط بعد، ففي ليبيا حكومتان وبرلمانان، وجيش وطني وثوار، في بلد لم يعرف الاستقرار منذ الإطاحة بنظام القذافي وفشل في الانتقال نحو الديموقراطية حتى اليوم.
مدير الإدارة السياسية في غرفة عمليات ثوار ليبيا عادل الغرياني أكد لـ"عربي21" أن الأنظمة السابقة لم تنتهي في الوطن العربي وذلك ببقاء منظوماتهم السياسية حتى الآن.
وقال إن الثوار والمقاتلين ولدوا من رحم الثورة أما المعارضين فجاؤوا من الخارج.
وأشار الغرياني أنه لنجاح الثورة في ليبيا كان يجب تعطيل المنظومة السابقة بالكامل وإنشاء منظومة جديدة، غير أن بعض الأطراف في ليبيا سعت وبقوة لدمج النظام السابق في الثورة بهدف سرقتها.
معارضون.. ومنافسون محتملون
أما في سوريا فثورة سلمية تحولت لصراع مسلح، ومعارضون إما مسجونون أو هاربون، وحكومة انتقالية لا تملك شيئا على الأرض وميليشيات مسلحة في كل مكان.
الباحث السياسي السوري ومدير مركز الجمهورية للدراسات وحقوق الإنسان ميسرة بكور قال إن معظم المعارضات في الفترات السابقة كانت مرتبطة بالأنظمة ولا طموح لديها لأي تعديل سياسي أو أفق حقيقي، لترتبط بعد الثورة بدول خارجية.
ولفت بكور في حديث لـ"عربي21" إلى أنه "في غياب السياسيين القادرين على تحمل المسؤولية يسيطر أصحاب الإيديولوجيات".
وعن الثورة في سوريا تحدث بكور عن من وصفهم بـ"عجائز المعارضة" الذين ركبوا موجة الثورة وأقصوا الثوار الحقيقيين الذين يرون فيهم منافسا محتملا فيما إذا وصلوا إلى السلطة.
وتابع: "لا يملك الثوريون الحقيقيون ما يسد احتياجاتهم الشخصية علاوة على القدرة على تأسيس حزب أو واجهة للعمل السياسي".
كما أشار إلى أن اختلاف الإيديولوجيات لدى المعارضين ساهم كثيرا في فشل بعض الثورات –حتى اللحظة- حيث يقصي كل طرف الطرف الآخر وتمنع المبادئ والتوجهات السياسية لكل طرف من قبول الآخر.
وأكد بكور إلى أن "السوريين سيحتاجون بعد انتصار ثورتهم على نظام الأسد إلى ثورة أخرى على معارضيه"، بحسب تعبيره.
ويجمع المراقبون على أن الوطن العربي يقف على بداية طريق طويل نحو الديمقراطية ودولة المؤسسات، في حين يواجه صعوبات كبيرة من تدخل خارجي وقلة خبرة المعارضين وبقايا الأنظمة السابقة المتسللة إلى صفوف السياسيين ومفاصل الدولة.