تقف
مصر ومنظمات المجتمع المدني عند مفترق طرق ما ينذر بوقوع أزمة بينهما خاصة بعد أن تطابق تقرير نحو تسعة عشر منظمة مدنية وحقوقية مع توصيات تقدم بها عدد من الدول العربية والأجنبية أمام الأمم المتحدة خلال استعراض تقرير المراجعة الدورية لحقوق الإنسان في مصر، بحسب تصريح الشبكة العربية للمعلومات بالقاهرة لـ"عربي21".
وتواجه هذه المنظمات نفسها إجراءات تعسفية تعتزم الحكومة اتخاذها ضدهم عقب انتهاء المهلة التي حددتها لهم في العاشر من الشهر الجاري بضرورة التسجيل في وزارة التضامن.
يقول مساعد وزير التضامن السابق هاني مهنا في حديث لـ"عربي21": "العديد من المنظمات المدنية مهددة بالإغلاق في حال عدم تسجيل نفسها، ومسودة قانون تنظيم عمل المجتمع المدني الحالية لا تلبي تطلعات المنظمات المحلية ولا الدولية، داعيا إلى العودة للمسودة السابقة التي تم التوافق بشأنها بين الدولة وتلك المنظمات في عهد وزير التضامن الاجتماعي السابق نجاد البرعي.
وتلقت مصر عددا من الملاحظات والتوصيات بشأن قانوني تنظيم التظاهر والجمعيات الأهلية، والإفراج عن المعتقلين على ذمة قانون التظاهر، واستخدام العنف في أماكن الاحتجاز وتقليص الحريات العامة في البلاد، صحفيا وإعلاميا.
على المستوى الحقوقي
وقال مدير البرامج في الشبكة العربية لمعلومات
حقوق الإنسان رامي رستم لـ"عربي21": "أرى أن التوصيات التي تلقتها مصر في هذا المجال في محلها، وقد تشابهت لحد كبير مع التوصيات التي قدمناها ضمن 18 منظمة حقوقية أخرى للحكومة والأمم المتحدة في هذا الخصوص".
وفيما يتعلق تداعيات عدم التزام الحكومة المصرية بتلك التوصيات، أوضح رستم أن مجلس حقوق الإنسان لا يمكنه توقيع أية عقوبات على الدول؛ ولكنه يتوقف عند حد الإحراج الدولي، و"يمكن أن يستخدم في أشياء أخرى كوضع مصر في ترتيب متأخر في مستوى الحقوق والحريات على مستوى العالم، ومن شأن ذلك أن يقلص الدعم الغربي لعدد من البرامج التنموية والإنسانية والاقتصادية والاجتماعية ويصبح ذلك مقترنا بتنفيذ تلك التوصيات".
وأوضح رستم أن قرار عدم مشاركتهم وعدد آخر من المنظمات ببعثات أو أي فعاليات في جلسة المراجعة الدورية لحقوق الإنسان في مصر كان خوفا من أي إجراءات انتقامية أو ملاحقات مستقبلية، ولكنه أكد مشاركتهم في التقرير الذي تم عرضه على الأمم المتحدة.
بدوره قال مدير الوحدة القانونية بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان علي عاطف لـ"عربي21": "هناك هجمة شرسة من الصحافة والإعلام ضد عمل الجمعيات الأهلية، تضمنت تحريضا على العنف والقتل، تحت دعاوى زائفة في أغلبها تتلخص في تنفيذ أجندات خارجية، وتلقي تمويلا مشبوها وذلك بهدف القضاء على الجمعيات ووقف نشاطها؛ بل ومطاردتهم وتقديمهم للمحاكمات".
على المستوى القانوني
المحامي الحقوقي بمؤسسة حرية الفكر سابقا أحمد عزت أوضح لـ"عربي21" أنه من المؤسف أن مصر لم تلتزم بتوصيات 2010 بل على العكس شهدت تلك الفترة المزيد من إهدار الحريات، و"انتهاكات حقوق الإنسان في جميع المجالات، ولم يتم أخذ أية خطوات باتجاه تصحيحها، وكان معظم تلك الانتهاكات مصدرها المسئولين أنفسهم".
وأكد عزت أن المشهد السياسي والحقوقي يشير إلى أن الدولة ليس لديها إرادة حقيقية لاحترام حقوق الإنسان، والدليل على ذلك تجاهل المنظمات الأهلية وعدم دعوتها لمناقشة أية تقارير حقوقية وإنسانية خاصة بها، وفي الوقت الذي تتبارى فيه الدول في تلقي أقل عدد من الأسئلة، تتلقى مصر عشرات الأسئلة من عشرات الدول دون إجابات مقنعة، و"غالبا ما تحمل الدول الاستبدادية وجهة نظر الحكومة في مجال الحريات والحقوق، وما تم تقديمه بالأمم المتحدة لا يمت للواقع بصلة".
واستغرب عزت من وضع الحكومة المصرية قانون التظاهر كأحد أهم إنجازاتها في مجال حقوق الإنسان الأمر الذي أصبح مسار سخرية الدول، مطالبا بضرورة توفير مناخ أفضل للحريات يتمتع به الناس، وتنظيم قانون ينظم عمل الجمعيات الأهلية يتوافق عليه الجميع بما يخدم مصلحة الجميع.
على المستوى السياسي
سياسيا، اعتبر عضو الجمعية الوطنية للتغيير الدكتور أحمد دراج أن التوصيات الدولية لمصر في محلها، وقال لـ"عربي21" إن أول مقاومة للإرهاب هو السماح بالحريات، و"القمع ليس حلا لمجابة الإرهاب، إنما هو طريق أخر للاستبداد لا نريد أن نصل إليه، وهناك من هو في السلطة ويريد بالدفع نحو خلق مناخ أمني يعيدنا إلى الأزمان السابقة، وهو ما يجب أن يتنبه إليه رئيس الدولة".
وقد دعت بعض الأحزاب والتيارات السياسية بضرورة الأخذ بتلك التوصيات واعتبر مصر القوية والتيار المصري في حديث لـ"عربي21": "إن تلك التوصيات تتطابق مع الوضع العام الذي يطبقه النظام، وأن طريق الاستبداد محفوف بالمخاطر ولن يؤدي إلى أي استقرار، ويجب على الدولة محاسبة المسئولين والمقصرين في مختلف المجالات ونشر روح الحرية والتوصل مع الآخرين".
ولم يغب فض اعتصامي
رابعة والنهضة في آب/ أغسطس 2013 عن المناقشات وجاء في التوصيات بضرورة مساءلة المسئولين عن انتهاك حقوق الإنسان في هذين الحادثين الذي راح ضحيته آلاف المعتصمين السلميين، بحسب تقارير محلية ودولية.
مجاملات سياسية
جبهة الدول الداعمة لمصر مثل السعودية وإيران والإمارات وبعض الدول في مجلس حقوق الإنسان كانت كلماتها بمثابة إلقاء رذاذ الماء على صفيح ساخن لم يكن له أي أثر خاصة وأن تلك الدول لها سجل سيء في مجال الحقوق والحريات لا يمكن فصله عن مداخلاتها التي اعتبرها البعض مجاملات سياسية.
وتصف منظمة "هيومن رايتس ووتش" تراجع حقوق الإنسان في مصر بالمأساوي مطالبة الولايات المتحدة وحلفاء آخرين أن يدينوا على وجه الخصوص التهديدات الوشيكة بإغلاق أبرز المنظمات غير الحكومية في البلاد.
وفي هذا الإطار أكد مساعد وزير التضامن السابق هاني مهنا لـ"عربي21": "لست مع حل الجمعيات الأهلية إلا بأمر قضائي، ويجب عدم تخوينها لمجرد انتقادها للدولة في ملف من الملفات الحقوقية أو الإنسانية، وينبغي عدم التوقف عند بعض النقاط السلبية لبعض الجمعيات وتعميمها على الجميع، محذرا من تداعيات الشك المسبق بالخيانة والعمالة، مشيرا إلى دور تلك الجمعيات في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتوعية السياسية والدفاع عن الحقوق والحريات".
ويقول بعض الحقوقيون إن ضع حقوق الإنسان في مصر لا يمكن فصله عن أهداف تحقيق الاستقرار والتنمية، فالحقوق السياسية والمدنية هي التي تعزز من المواطنة والمشاركة واستقرار وشرعية نظام الحكم، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية هي التي تدعم قدرة المواطن على الوصول للحياة الكريمة، وعلى العمل والإنتاج.