كتب
هشام ملحم: كان المشهد مؤلما، وكأنه من مسرحية إغريقية. الضحية تدرك أن مصيرها قد قررته الآلهة ولا مجال للاحتجاج أو الهرب. الخيار الوحيد هو قبول الحكم ومباركته من خلال الثناء على السيّاف قبل أن يطيح الرقبة المستسلمة. يوم الاثنين، شهدنا هذا
الطقس الأميركي القديم حين اضطلع وزير الدفاع تشاك هيغل بدوره كضحية بمثالية ربما عكرتها بعض الشيء دموعه المحبوسة. هذا المشهد تكرر مع جميع الرؤساء الأميركيين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
الإقالة، التي تغلف في معظم الحالات باستقالة قبلها الرئيس، يقدم بعضها إلى الشعب الأميركي في طقس علني يتبادل فيه الرئيس وضحيته الثناء الكاذب، تتم إما لخلافات سياسية أو شخصية، وإما لإخفاق المسؤول المدني أو العسكري في القيام بمهماته بفاعلية ونزاهة، وإما لتغطية إخفاق الرئيس بتحميل الضحية مسؤولية سياسة فاشلة. آخر مرة شهدنا منظرا مشابها إلى حد كبير (باستثناء الدموع والحزن الواضح) كان في إقالة الرئيس بوش وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في 2006، بعد خسارة الجمهوريين الانتخابات النصفية، ولتغطية الفشل العسكري في العراق.
أحيانا قليلة تكون الإقالة إنجازا كبيرا ومعلما تاريخيا قد لا تبدو أهميته إلا في وقت لاحق، وخصوصا إقالة العسكريين. خلال الحرب الأهلية، أقال الرئيس ابراهام لينكولن القائد العام لقواته الجنرال جورج ماكليلان، لتردده في مواجهة المتمردين الجنوبيين، وكان ذلك القرار محوريا في تغيير مسار الحرب. في 1951 أقال الرئيس هاري ترومان الجنرال دوغلاس ماك آرثر قائد القوات الأميركية في كوريا لأنه عارض سياسته. وقرار ترومان، الذي أثار استياء الكثيرين وأكد سيادة القادة المدنيين على العسكريين، كان أهم مواجهة بين المدنيين والعسكريين في القرن العشرين.
وتبين الأآمثلة التاريخية أن أكثر الإقالات لا تساعد الرئيس على تحسين صورته أو زيادة شعبيته لا بل إن وقعها يكون سلبيا على الرئيس في المدى البعيد. واللافت هو أن الذين تولوا منصب وزير الدفاع يشكلون أكثرية الضحايا، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ أقال الرؤساء ترومان وجونسون وفورد وكلينتون وبوش الابن وأوباما وزراء دفاعهم إما لإخفاقهم في ادارة الحروب في فيتنام والعراق (روبرت ماكنمارا، ودونالد رامسفيلد) وإما للتضحية بهم من أجل إبعاد اللوم عن البيت الأبيض، وهذا هو الحال بالنسبة إلى تشاك هيغل.
صحيح أن هيغل لم يميز نفسه كوزير قوي، ولم يكن فصيحا وكان يفتقر إلى الكاريزما. لكنه – على نقيض رامسفيلد الذي شارك في صنع القرارات التي أدت الى كارثة غزو العراق - كان ينفذ السياسات الامنية لأوباما. الإخفاق في الإداء العسكري في العراق وسوريا هو إخفاق أوباما والمقربين منه في البيت الأبيض.
(صحيفة النهار اللبنانية)