في آخر مقابلة له مع مجلة "باري ماتش" الفرنسية لم يتورع بشار
الأسد عن مد يد الاستجداء لأمريكا، من أجل التعاون معه ضد "الدولة الإسلامية"، وبتعبير أدق ضد عموم فصائل الثورة السورية.
مما قاله في الحوار "لا يمكن وضع حد للإرهاب عبر الضربات الجوية، لذا فالقوات البرية الملمة بتفاصيل جغرافية المناطق ضرورية.. لذلك بعد أشهر من ضربات التحالف لا توجد نتائج حقيقية على الأرض".
وأضاف "ليس صحيحاً أن ضربات التحالف تساعدنا، لو كانت هذه الضربات جدية وفاعلة لكانت ساعدتنا فعلاً، ولكننا نحن من نخوض المعارك على الأرض ضد
داعش ولم نشعر بأي تغير".
في الوقت ذاته كان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يعتبر أن أية ضربات توجهها إيران لمواقع الدولة الإسلامية تعد "إيجابية".وفي حين نفت طهران كالعادة وجود تعاون بينها وبين أمريكا على هذا الصعيد، فإنها لا تنكر أبداً ما تفعله في
سوريا والعراق (تريدان العشق سرياً؛ طهران لاعتبارات الصورة النمطية، وأمريكا خشية إغضاب بعض الحلفاء الآخرين، والتخريب على وضع التحالف وصورته كمستهدف للجانب السنّي وحده).
هكذا تتبخر تماماً حكاية المقاومة والممانعة، ويغدو بشار الأسد في معسكر "الإمبريالية الأمريكية"، وبالتأكيد الصهيونية أيضاً؛ لأن الجميع يدركون أن واشنطن لا يمكن أن تقود تحركاً في المنطقة من دون الحصول على الضوء الأخضر من تل أبيب، فضلاً عن أن تبادر إلى تشكيل تحالف عريض كالذي نحن بصدده ضد "الدولة الإسلامية".
لم يتطرق بشار الأسد إلى السيادة المنتهكة من طائرات التحالف، بل هو يرحب بها عملياً (قال على استحياء إنها "تدخل غير مشروع"، بينما رحّب بها وليد المعلم قبل أسابيع)، لكن المشكلة الوحيدة هو أنه يريد تنسيقاً عملياً معه لأن الضربات الجوية لا تكفي، ولا بد من قوة تتحرك على الأرض، وهو بالطبع من يملك تلك القوة؛ ليست من جيشه المنهك بكل تأكيد، ولكن من المليشيات الشيعية التي جمّعتها له إيران من كل أصقاع الأرض.
أين تذهب مقولات المقاومة والممانعة والحالة هذه؟ وماذا سيقول شبيحة بشار المنبثين في طول العالم العربي وعرضه بعلو صوتهم وليس بشعبيتهم ولا بقدرتهم على الإقناع، بعد أن ظهر زعيمهم المقاوم البطل يستجدي الأمريكان من أجل التحالف معه، ضد من كان يقول قبل قليل من الوقت إنهم عملاء للإمبريالية والصهيونية؟!
لقد بات واضحاً أن الولايات المتحدة لا تريد الإطاحة ببشار الأسد، لكنها تخشى مساعدته بشكل مباشر خشية إغضاب الحلفاء الآخرين، وفي العموم فهو يكذب إذ يدعي أن ضربات التحالف لم تساعده في إحداث بعض التقدم في أكثر من منطقة، في حين يعلم الجميع أن جيشه المنهك هو الذي لا يسمح له بالتقدم وليس شيئاً آخر. أما المليشيات التي تقاتل معه فتبدو مبتدئة أيضاً رغم التدريب الذي تتلقاه على يد الحرس الثوري، ربما باستثناء مقاتلي حزب الله الذين ينشغلون منذ شهور طويلة في منطقة القلمون التي تحولت إلى مربع استنزاف لهم، هم الذين أعلنوا انتصارهم فيها قبل شهور طويلة!!
الأسخف في المقابلة التي أجراها بشار هو رده على سؤال حول الخشية من أن يكون مصيره مشابهاً لمصير القذافي، حيث رد بالقول: "القبطان لا يفكر بالموت أو الحياة، ولكن يفكر بإنقاذ السفينة، فإذا غرقت السفينة سيموت الجميع، وبالتالي ينبغي فعل ما هو ممكن لإنقاذ سفينتي، لكن أريد أن أؤكد شيئاً مهماً، وهو أن هدفي ليس البقاء رئيساً، لا قبل الأزمة ولا خلالها ولا بعدها، لكن مهما يحدث، نحن كسوريين لن نقبل أن تكون سوريا لعبة بيد الغرب".
أليس هذا ضرباً من الهراء؟ يتحدث عن إنقاذ السفينة وقد دمَّرها على رؤوس من فيها بيديه، في مواجهة ثورة مكثت تبذل الدماء في الشوارع 6 شهور قبل أن تُطلق رصاصة واحدة، ثم كانت العسكرة التي هيّأ هو الأجواء المواتية لانطلاقها.
أي إنقاذ بعد قتل واعتقال وتشريد الملايين؟ لكن الأسوأ هو قوله إنه لا يريد لسوريا أن تكون لعبة بيد الغرب، بينما يستجدي التحالف مع أمريكا، ويعلن في مرات سابقة، وقبل ابن خاله رامي مخلوف أن أمن إسرائيل رهن بوجوده في سوريا، وهو ما ردده الممانع الآخر؛ نائب وزير الخارجية الإيراني قبل شهور، وإن على نحو أكثر فجاجة كما يتذكر الجميع!!