اقتصاد عربي

الأثر الاقتصادي للحرب السورية وظهور الدولة الإسلامية

90 بالمئة من الشعب السوري سيكونون تحت خط الفقر - أرشيفية
أحدثت الحرب في سوريا، وما تبعها من ظهور الدولة الإسلامية وتوسعها، تحولات كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، أدت لارتفاع أعداد القتلى واللاجئين والمشردين داخليا، وتفرق أفراد الأسرة الواحدة، وتحول الأحياء السكنية إلى مناطق حرب، مسببة انهيار اقتصاد البلدان وتقطيع الروابط الاقتصادية في المنطقة.

وحول أثر اللاجئين على البلدان المجاورة، قال الكاتب الاقتصادي حسام عايش، في حديث خاص لـ"عربي21"، إن الخروج السريع للاجئين السوريين والعراقيين غيّر بنية المجتمعات فيها، إذ شكلوا في الأردن 20 بالمئة تقريبا، وفي لبنان 25 بالمئة، ما فاقم المشكلات الاقتصادية التي كانت تعاني منها، بسبب التزاحم على فرص العمل، وتشكيل عبء اجتماعي وأمني واقتصادي، على حد تعبيره.

وأضاف عايش أن هناك آثارا إيجابية لهذا التدفق، منها "الاستثمارات والأموال التي خرجوا بها، وتخفيض الكلف، وتطوير عمل السوق والاقتصاد غير الرسمي، ما يخلق منافسة ويشكل سببا للتطوير". 

وفيما يخص الإجراءات الرسمية للتعامل مع هذه الاستثمارات، قال عايش إن "الحكومات تخلق شروطا شديدة وقيودا أمنية تمنع الاستفادة منها، لأن الأمن هو الأولوية في بعض الأحيان"، مضيفا أن هذا دفع عددا كبيرا من السوريين إلى مجرد التفكير بالعودة، وكأن الحكومات "تطفش" هذه الاستثمارات، بالإضافة لحالة التوتر الاجتماعي بسبب ارتفاع الأجور والإيجارات مع ارتفاع العرض، ما يشكل حالة سلبية ستمتد للمستقبل.

واقترح الكاتب الاقتصادي أن تتعامل الدول، رسميا وشعبيا، مع حالة اللجوء على أنها حالة طويلة الأمد تستغرق سنوات، حتى لو انتهت الأزمة، ومع اللاجئين بصفة مقيمين، وذلك "بتحسين العلاقات والاستفادة من الخبرات وخلق مشاريع اقتصادية وفرص عمل للاستفادة منهم، وتفريغ القنابل المؤقتة"، معتبرا إياهم تحديا يمكن الاستفادة منه، لا أزمة تستدعي الشكوى والتكلفة فقط.

وحول تكلفة اللاجئين، قال عايش إن اللاجئ الواحد في الأردن ولبنان يكلف 2000 دينار أردني سنويا (3000$ تقريبا)، أي ما مجموعه 4 – 5 ملايين دولار سنويا تقريبا، يتكفل المجتمع الدولي بما نسبته 30 – 40 بالمئة منها، لأنه "يعتبر أن هذه الأرقام مبالغٌ فيها، بالإضافة إلى المشكلات الاقتصادية التي باغتت اقتصادات المانحين المحلية، وخصوصا دول الخليج، مع انخفاض أسعار النفط".

وأكد عايش أن هذا يعزز الحاجة لإيجاد حلول طويلة الأمد، خصوصا مع السعي المسبق للدول المتضررة بتحمل العبء بدعوى الأخوة، وقد تحملته، وعليها بذلك أن تحله وتكون على قدره، حسب تعبيره.

وعن أثر الدولة الإسلامية الاقتصادي على المنطقة، قال عايش إن "دورها إيجابي وسلبي في ذات الوقت، إذ إنها عززت السوق السوداء في حدودها، ببيعها النفط – قبل الانخفاض – بسعر 15 – 20 دولارا للبرميل، ما جعلها منظمة تمول نفسها، وساهم في تفكيك اقتصاد سوريا والعراق"، معتبرا أن هذا ليس استثمارا بل تلاعبا بمقدّرات الشعوب. وأضاف عايش أن الدولة عملت كـ"فزاعة استفادت منها الدول فيما يخص أسعار النفط"، إذ إن الوضع الحالي سياسي، وليس اقتصادي، على حد قوله. 

آثار الحرب


وفي ورقة عمل للبنك الدولي، حاول الباحثون تحديد الآثار الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للبلدان المتأثرة، معتبرين أن الأثر المباشر سببه "تراجع حجم قوة العمل السورية ومهاراتها بسبب الوفيات وتدفق اللاجئين إلى الخارج، وتدمير البنية التحتية، وفرض حظر تجاري على سوريا، وارتفاع تكلفة ممارسة أنشطة الأعمال، وانخفاض الإنتاجية"، بحسب الورقة. فيما كانت الآثار غير المباشرة تتعلق "بتكلفة الفرصة البديلة لمبادرات التكامل الاقتصادي التي كانت تستهدف تحسين اللوجستيات التجارية وتحرير التجارة في الخدمات بالمنطقة".

وأعلن الباحثون أن إحدى نتائج الحرب تكمن في اقتصاد البلدان الستة المتأثرة (تركيا، سوريا، لبنان، العراق، الأردن، مصر) الذي خسر ما يقرب من 35 مليار دولار من الإنتاج". موضحين أنه كان "من الممكن أن يزيد الحجم الاقتصادي التراكمي لاقتصاد هذه البلدان، مقاساً بإجمالي الناتج المحلي، 35 مليار دولار لو لم تكن الحرب قد نشبت"، أي ما يساوي حجم إجمالي الناتج المحلي السوري عام 2007.

وقالت الورقة إن البلدين الأكثر تأثرا بشكل مباشر هما سوريا والعراق، إذ سجل نصيب الفرد من الدخل في سوريا والعراق بالقيمة الثابتة تراجعا بنسبة 23 في المائة و28 في المائة على التوالي، مقارنة بمستوياته التي كان يمكن تحقيقها لولا اندلاع الحرب، في حين تراجعت التكلفة المرتبطة بالحرب ارتباطا مباشرا 14 و16 في المائة على التوالي في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في سوريا والعراق.

وفي حين تحملت بلدان أخرى في المنطقة خسائر في متوسط نصيب الفرد من الدخل، لكنها لم تشهد تراجعا في إجمالي الناتج المحلي بسبب التأثيرات المباشرة للحرب، إذ أسفر تدفق اللاجئين على لبنان والأردن وتركيا عن تعزيز الاستهلاك والاستثمار وزيادة المعروض من العمالة، ومن ثم اقتصاد هذه البلدان المستقبلة للاجئين، بحسب نتائج الورقة، إذ انخفض متوسط نصيب الفرد من الدخل 11 في المائة في لبنان و1.5 في المائة في تركيا ومصر والأردن، مقارنة بالمستويات التي كان يمكن تحقيقها لو لم تنشب الحرب.

وأضاف الباحثون في مجموعة البنك الدولي أن القطاعات الاقتصادية في سوريا شهدت كلها تقريبا تأثيرات سلبية، لكن "ملكية الأراضي تضررت بشكل خاص بسبب التراجع الحاد في الطلب على الأراضي، وذلك نتيجة للجوء أعداد ضخمة من السوريين إلى بلدان أخرى"، في حين استفاد أصحاب الأراضي والشركات في لبنان وتركيا مقابل تضرر العمال؛ لأن "تدفق اللاجئين السوريين رفع الطلب على السلع والخدمات، وما أدى إليه من زيادة في المعروض من العمالة"، بحسب الورقة. 

اقتصادات منهارة

وحول الاقتصاد السوري، قالت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) في تقريرها حول خسائر الاقتصاد السوري منذ ثلاثة أعوام إنه "في حال استمرت الأزمة السورية إلى العام القادم، فإن كلفة الخسائر ستبلغ نحو 237 مليار دولار أمريكي، بينها 17 مليارًا من الناتج المحلي الذي بلغ 60 مليارًا قبل بداية الأزمة في 2010، لافتًا إلى أن 90% من الشعب السوري سيكونون فقراء".

وأشار التقرير الذي أعده النائب الاقتصادي السابق لرئيس حكومة النظام عبد الله الدردري إلى أن العام الماضي هو العام الأسوأ على كل الصعد في تاريخ سوريا المعاصر، خاصة مع انخفاض الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي بالأسعار الثابتة لعام 2010، من 60 مليار دولار في 2010، إلى 56 مليارًا في 2011، ثمّ إلى 40 مليارًا في 2012، وإلى نحو 33 مليارًا في 2013، في حين تشهد فيه الليرة السورية انهيارا متواصلا، لتصل إلى 184 ليرة أمام الدولار، مع توقع بالمزيد من الانهيار.

وليست العراق أحسن حالا، إذ أدى هبوط أسعار النفط لما دون 80 دولارا للبرميل، بالحسابات المبسطة، إلى ألا تتجاوز موازنة عام 2015 ما كانت عليه موازنة عام 2010، بحسب الخبير الاقتصادي إياد السامرائي، بالإضافة إلى الكلفة الأمنية للجيش والحرس الوطني لمواجهة الدولة الإسلامية وتدريبه وتجهيزه وتعويض الأسلحة والمعدات، ما سيولد ضغطا ليس له مثيل على الموازنة.