أكرم أبو الفوز اسم بات يتردد كثيراً على وسائل الإعلام التابعة للثورة
السورية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي كفنان محاصر يحاول أن ينحت من الموت صورة جميلة للحياة.
منذ بدأ
الحصار على دوما بعد تحريرها من قوات النظام اشتد القصف عليها بشكل جنوني، وبشتى أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، الأمر الذي سبب تراكم عدد كبير من
قذائف الهاون والصواريخ، وفي هكذا مدينة تعايش أهلها مع الموت برزت فكرة
الفنان "أكرم أبو الفوز" في استغلال هذه القذائف للرسم عليها، ولتبقى شاهدة أن الأمل والحياة باقيان في دوما، وأن للجمال خصوصية لدى من عايشوا الموت.
يتحدث "أكرم أبو الفوز" لـ"عربي 21"، أنه بدأ بالرسم على القذائف والصواريخ مع اقتناء أول قذيفة هاون من عيار 80، إذ قام بتفريغها من المواد التي بداخلها عن طريق أشخاص مختصين، ففي البداية لم يكن يفكر بالرسم عليها بمقدار ما كان يفكر بأن يتركها في منزله كشاهد على الحرب في مدينته، وعندما نظر إليها تبلورت فكرة الرسم عليها وتزيينها عنده، وفعلاً باشر فوراً بفكرته.
العائق الأكبر أمامه كان في تأمين المواد الأساسية التي بالأصل تستخدم للرسم على الحرير والزجاج ثم استخدمها هو للرسم على القذائف، حيث وقعت المدينة تحت حصار قوات النظام، وبات من الصعب الدخول والخروج إليها إلا عن طريق دفع الرشاوي لحواجز النظام لتأمين هذه المواد.
"صاروخ عنقودي ضُرِبَتْ به المدينة وظل محافظاً على جسده المعدني"، هذا ما وصف به أبو الفوز أول عمل بدأ به وعندما أتمه، أسماه "الرسم على الموت".
وبعد موضوع الرسم على الموت، استخدم أبو الفوز عدة موضوعات أخرى مستغلاً تطور الأوضاع في سوريا أو مناسبات رسمية صاغ عن طريقها فنه، كما رسم على الفحم لمناسبات الحج أو الأعياد، وكما فعل في قذيفة هاون صغيرة التقطها ورسم عليها في يوم الطفل، حتى باتت تشبه "زجاجة الحليب" في إشارة إلى أن أطفال سوريا هكذا يحتفلون بيوم الطفل نتيجة اضطهادهم وسلبهم أبسط حقوقهم في الحياة.
العنوان التالي للوحات أبي الفوز، في وسم منه إلى سوريا، وطنه الذي يرى فيها ياسميناً معرّشاً على جبهات الحرب، وأخضر في قلوب أبنائها، وأمعن في زخرفتها لتبدو كلوحة فسيفساء تجمع أبناءها كلهم من كل الديانات والأعراق، واستخدم فيها الألوان ليبدو الأمل أجمل لون في قلوب المحاصرين واليائسين.
العمل عبارة عن أربع لوحات لها إطار مزخرف، ويتوسطها علم سوريا بالحدود المذهبة، وتم تعبئة كل لوحة بشكل منفرد، منها الياسمين ومنها الفسيفساء، ومنها رسم للسيدة السورية التي ما بخلت بعطائها في
الثورة، وكانت نهايتها كلمة "حرة".
استخدم أبو الفوز في هذه اللوحات مادة الألكيبوند المستعملة لتلبيس واجهات المحلات التجارية ثم تم تحويلها وتدويرها، إضافة إلى استخدامه لمادة التوليب.
العمل الذي يتجهز له أبو الفوز الآن هو "الرسم على الموت 2"، حيث سيستخدم فيه رسومات جديدة.
يقول أبو الفوز: استطعت من خلال ما أقوم به أن أقتل الخوف في عيون أطفالي الذين لم يكونوا يعرفون أصلاً شكل القذيفة، وعندما أتيت بها إلى المنزل وبت أرسم أمامهم صاروا يقلدونني ويرسمون ما أقوم به على الورق.
لم ينحصر صيت الرجل الفنان داخل أوساط السوريين فقط، بل إن شهرته وصلت إلى المجتمع الغربي الذي أعجب بفنه أيما إعجاب، إذ يحاول أبو الفوز أن يوصل أعماله إلى تركيا عبر معرض سيقام هناك، إلا أن الحصار المطبق الذي يعيشون فيه، وعدم تمكنهم من الدخول والخروج إلى الغوطة يقف عائقاً أمام محاولته إخراج قطعه الفنية إلى هناك.
"متحف فيكتوريا وألبرت البريطاني الشهير في العاصمة البريطانية لندن، أحد أعظم المتاحف العالمية في التصميم والفنون ويعرف باقتنائه لعدد من القطع الفنية النادرة في العالم، أعجب كثيراً بأعمال الفنان أبي الفوز مشيراً إلى فن قد يكون الحصار والحرمان هو من اخترعه، وتواصل معه مسؤولون في المتحف بشأن عرضها في بريطانيا، لكن مشكلة الحصار المطبق على الغوطة عادت إلى الواجهة.
ويشير أبو الفوز إلى أن الكثير من المعارض فشلت حتى الآن بسبب سياسة الحصار التي يفرضها النظام، إلا أن ذلك لن يمنعه ولو للحظة من أن يسخر فنه ليبقى "شاهداً على إجرام الأسد"، مشيرا إلى أن ريع المعارض واللوحات سيعود لإغاثة الغوطة الشرقية.