ينظر للدعم الأمريكي للمبادرة الروسية هذا الأسبوع على أنه دليل جديد على أن إدارة الرئيس الأمريكي لم تعد تطالب برحيل رئيس النظام السوري بشار
الأسد، باعتباره جزءا من الحل السياسي للأزمة في البلاد.
ويقول سايمون تسيدال في تقرير له في صحيفة "الغارديان"، إن هذا الموقف يأتي رغم الموقف الروسي الداعم للأسد منذ الانتفاضة، التي بدأت في آذار/ مارس 2011، فقد قدمت موسكو مع طهران الدعم الأكبر للنظام، الذي اتهمته الأمم المتحدة بارتكاب جرائم حرب.
وترى المعارضة السورية، المدعومة من الغرب وأمريكا والسعودية وتركيا، أن الحل السياسي غير ممكن طالما الأسد باق في السلطة.
ويشير التقرير إلى أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ظل يؤكد حتى تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، قائلا: "طالما الأسد باق في السلطة فلا سلام ممكن".
وتستدرك الصحيفة بأن كيري غيّر لهجته الآن؛ ففي مقابلة مع مبعوث الأمم المتحدة إلى
سوريا ستيفان دي ميستورا، حذف كيري اللازمة المعهودة في تصريحات الأمريكيين الداعية إلى تغيير النظام في سوريا، ورحيل الأسد طواعية أو بالقوة.
ويلفت تسيدال إلى تصريحات كيري، جاء فيها: "لقد حان الوقت كي يضع الأسد ونظامه مصلحة الشعب أولا، وأن يفكروا بعواقب أفعالهم، التي تجذب إرهابيين جددا يحاولون الإطاحة بالنظام".
ويرى الكاتب أن تأكيد كيري على التهديد الإرهابي هو مفتاح لفهم التحول في موقف البيت الأبيض؛فهزيمة مقاتلي
الدولة الإسلامية، الذين يسيطرون على نصف سوريا وأجزاء واسعة من العراق، أصبحت أولوية للإدارة الأمريكية، وتتقدم هذه الأولوية على وقف الحرب الأهلية، أو التوصل لاتفاق مع إيران حول ملفها النووي، مع أن الملف الأخير قد يتقدم لو اتفقت كل من أمريكا وإيران على موقف مشترك في سوريا.
وتبين الصحيفة أن المصالح الروسية والأمريكية تلتقي من ناحية وقف التهديد الإرهابي في سوريا وخارجها، حيث كان هذا الهدف من أهم أهداف السياسة الخارجية الروسية، وهذا ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل بداية المؤتمر، الذي يعقد اليوم في موسكو، ويستمر ثلاثة أيام.
وتضيف "الغارديان" أن موسكو تعتقد أن الولايات المتحدة تبنت موقفها، حيث قال لافروف: "هناك اعتقاد في الغرب بأن الحل السياسي في سوريا لا بد منه".
ويذكر التقرير أن
روسيا تدعم مؤتمرا يحضره النظام، ويمثله مبعوثه في الأمم المتحدة بشار الجعفري، وعدد من أفراد المعارضة من الائتلاف الوطني السوري، الذي يرى في المؤتمر خدعة.
ويوضح تسيدال أن جون كيري باعترافه بأن الجهود الأمريكية لتحقيق التسوية عبر مسار جنيف الذي أعلن عنه عام 2012، قد استنفدت، فقد عبر كيري عن أمله في أن يكون المؤتمر "مساعدا" في تحقيق تسوية. فيما شجعت المتحدثة باسم الخارجية جينفر بساكي رموز المعارضة على المشاركة في مؤتمر موسكو، قائلة: "قلنا لهم إننا سندعمهم لو شاركوا في اللقاءات".
ويفيد التقرير بأن لافروف تمنى أن يساعد المؤتمر، الذي لا تؤدي فيه روسيا دورا، المبعوث الدولي دي ميستورا في جهوده. وتدعم كل من واشنطن وموسكو جهود المبعوث الدولي في التوصل لوقف للقتال، وتحقيق وقف إطلاق محلي للنار في مدن مثل حلب.
ويجد الكاتب أنه بدا واضحا للدول الغربية أن الحرب السورية، التي مضى عليها أربعة أعوام تقريبا، وسقط فيها أكثر من 200 ألف شخص، وصلت إلى طريق مسدود، فيما لا يزال النظام السوري متمترسا.
ويرى المحللون الأمريكيون والروس أن هناك توافقا في الأجندة بين الولايات المتحدة وروسيا حول سوريا، حيث إن الطرفين يتفقان على ضرورة هزيمة الإرهاب، وزيادة المساعدات الإنسانية، وإحياء مسار جنيف من جديد، بحسب الصحيفة.
وتورد الصحيفة أنه في الوقت الذي لم تعد فيه موسكو ضامنة لمستقبل بشار الأسد الشخصي، إلا أنها ستواصل دعم الحكومة السورية في أي محادثات تعقد في جنيف. ومن جانبها تأمل الولايات المتحدة، أو لا تزال، بالتخلص من الأسد، ولكنها لم تعد تطالب بخروجه من السلطة في شرط من شروط محادثات السلام.
وينقل التقرير عن قول المحلل السياسي توني بدران، قوله إن ما يثير الفضول في الأولويات الروسية هو الكيفية التي تتوافق فيها مع النقاط التي تتحدث عنها الولايات المتحدة.
وكتب بدران قائلا إن "بيانا وضع على فيسبوك السفارة الأمريكية في دمشق، حدد الدور الأمريكي بأنه يقوم على: تأمين الاحتياجات الإنسانية، وهزيمة الدولة الإسلامية، وتعزيز حل سلمي للنزاع.. ولم يكن هناك أي حديث حول التخلص من الأسد".
وتنقل الصحيفة عن فيتالي نومكين من الأكاديمية الروسية للعلوم، قوله: "لاحظت موسكو التأكيد الجديد في كلام كيري حول الأسد ونظامه، ما يظهر أن الموقف الأمريكي قد خفت حدته، وهو ما يعني أن الموقفين الأمريكي والروسي لم يعودا متضادين".
ويعلق تسيدال بأن المعارضة السورية، وتركيا والسعودية الداعمتين لها، لن يرضوا عن بقاء الأسد في الحكم.
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد علقت قائلة: "يبدو أنه لا توجد هناك فرصة لمغادرة الأسد للسلطة طواعية في أي وقت، أو أن تجبره الجماعات غير الجهادية على تركها، إلا في حالة تدخل عسكري أمريكي مباشر، وهو طريق يرفضه الرئيس أوباما".
ويختم الكاتب تقريره بالإشارة إلى ما أوردته "نيويورك تايمز"، أن "الأسد لم يعد هو التهديد الأكبر، بل إنها الدولة الإسلامية، وبخاصة إن واصلت توسعها في سوريا، وجذب مقاتلين أجانب إلى صفوفها من أجل استخدام أراضيها في مهاجمة الغرب. والحقيقة المزعجة هي أن الديكتاتور القاسي لا يزال متمسكا بالسلطة، وستعيش الولايات المتحدة وحلفاؤها مع هذه الحقيقة على الأقل الآن".