هل يلعب المبعوث الدولي جمال بن عمر لعبة «
الحوثيين»؟ وهل يعتقد عبدالملك الحوثي أنه يستطيع أن يخدع كل
اليمنيين كل الوقت؟ وهل تأرجح الرئيس عبد ربه منصور هادي بين المراهنة على «صفقة» مع الحوثي و«صفقة» ضدّه؟ وهل صحيح أن لعلي عبدالله صالح حظوظاً للعودة؟ وما طبيعة التواطؤ بين «الحوثيين» والجنوبيين؟ وهل أن واشنطن جدية فعلاً عندما تقول إنه ليس واضحاً لديها بأن إيران تسيطر على «الحوثيين» أم أنها، كالعادة، لا ترى إلا ما ترغب في رؤيته؟ وهل في استطاعة الثورة الشبابية أن تتجدد وأن تخرج من أخطائها السابقة؟
بمقدار ما يوفر المشهد اليمني تفاصيل يمكن استقراؤها لفهم ما يجري، بمقدار ما يُفاجَأ المراقب بأن هناك ما يستعصي على التفسير، لكن عدم تقدم الأوضاع نحو أي حل حقيقي يعني ببساطة أن السياسات تمارس في الخفاء وبطريقة لا يفصح أحد عنها، وأن الألاعيب لم تنتهِ بعد. فهناك الكثير من الغموض الذي يكتنف التوجّهات التي يعمل بها المبعوث الأممي، ولم يعد يُفهم ما الذي يسيّره، أهي قرارات مجلس الأمن أم تأثره بتعاظم قوة الأمر الواقع التي يمثّلها «الحوثي». لعله جرّب التوفيق بين ما هو شرعية، وما هو تعدٍّ على الشرعية، من دون أن يتوصل الى نتيجة عملية وصالحة للتطبيق. في أي حال، هناك الكثير مما ينبغي أن يوضحه جمال بن عمر، لأنه مشتبه بالخضوع لأجندات دولية -تحديداً أميركية- تفرض عليه مساراً محدداً. فقد كان سلوكه شيئاً خلال مواكبته الحوار الوطني، وأصبح شيئاً منذ ساهم في طبخ «اتفاق السلم والشراكة»، اذ توالت بعده المؤشرات التي تظهره كما لو أنه لاعب لمصلحة «الحوثيين».
أكثر من اتهام سيق في شرح ما يحصل في محيط الرئيس هادي. قيل إنه «تخلٍّ» من
الجيش، وقيل إنه «خيانة» أو «تواطؤ» بين عسكر علي عبدالله صالح و«الحوثيين»، ولكن ما الذي يأمله الجيش من رئيس سابق احترقت أوراقه، أو من «حليف» ظهرت حقيقته، وهي السعي إلى الهيمنة. لكن كلمة السر هي «الترهيب»، فلا شيء يشرح التقلبات المتعاقبة سوى أن «الحوثي»، رغم حاجته إلى شرعية هادي، بالغ في الضغط عليه، وعندما أدرك الرئيس أنه لم يعد لديه أي مخرج اضطر للاستقالة. لم يرد أحد التعامل مع هذه الاستقالة على أنها حدث، بل إنها صارت واقعاً منذ ما سمي «ثورة 21 سبتمبر» تاريخ استيلاء «الحوثيين» على العاصمة صنعاء. والواقع أن «هادي» بدأ رئاسته ضعيفاً، واستمر كذلك، مع أنه منتخب، بل إن ضعفه كان واقعياً أيضاً بسبب مكوثه الطويل في الظل، ولأن سلفه لم يكن صادقاً عندما سلّمه العلم، ولأن الوسط الحزبي والسياسي لم يسانده، وأخيراً لأن القوى الخارجية الراعية لم توفّر له الدعم اللازم رغم توقعه الكثير منه.
استغلّ «الحوثي» ثغرات المرحلة الانتقالية. كان في الحوار الوطني ولم يكن. علم مسبقاً بأمر الأقاليم الستة وكان اعتراضه عليها باهتاً، لأنه كان يزمع إجهاضها قبل إقامتها، والآن يعتبر أنها رُسمت بإملاءات خارجية. رفض المبادرة الخليجية وانما اجتهد للاستفادة منها وتوظيفها، بل إنه استغل أيضاً البلبلة الإقليمية بسبب الانشغال بإرهاب «داعش». وفي سياق كهذا لم يخطر لـ«الحوثي» أن يطرح مشروعاً وطنياً، أو يحاول إقامة ائتلاف سياسي لقبول غزوه على أنه «ثورة من أجل التغيير»، بل اكتفى بتفاهمات مع الرئيس السابق على ضمان تعايش الجيش مع جحافله الزاحفة في كل اتجاه. أراد أن يحصل على «شراكة» في الحكم يحدد هو حجمها ويفرض فيها إرادته على الجميع، رئيساً وحكومة ومجتمعاً وطوائف وقبائل.
يدّعي احترام «مخرجات الحوار» إلا أنه لا يعترف بها عملياً. وقبل أن تجهز الصيغة النهائية للدستور الجديد أحاط الجميع علماً بأن لديه دستوره ولن يعترف إلا به. وعندما علم أن هناك تداولاً لصيغة هي غير دستوره انتقل الى استكمال انقلابه.
في كل الخُطَب يغازل الحوثي الجنوبيين، والانفصاليين لا يوجهون إليه أي انتقاد، بل ينشطون لتمرير مشروعهم فيما يواظب «الحوثي» على مهاجمة التقسيم. لا يمكن لـ«الحوثي» أن يحقق أهدافه بإهانة الرئيس وتهديده وترهيبه، ولا يمكن أن يحكم الشمال من دون التحالف مع علي صالح، لكن هذا يشكّل عبئاً عليه. أما «الجنوبيون» فلا يمكن أن يتعايشوا مع «الحوثي» كجار شمالي أكثر تعطشاً للتسلّط والهيمنة، مما كانه الرئيس السابق.
(نقلا عن صحيفة الاتحاد الإماراتية)