في حالة شبهها البعض بالعقاب الذي تعرض له سلطان باشا الأطرش عام 1922، بسبب مواجهته الفرنسيين، أصدر مشايخ عقل
الدروز في
سوريا قرارا بفرض "البعد الديني" على الشيخ وحيد
البلعوس ومجموعته، وذلك بعد أيام من كلمة شديدة اللهجة للبلعوس تناول فيها شخص بشار الأسد.
وجاء في نص القرار الذي وقعه شيوخ العقل الثلاثة، حمود الحناوي ويوسف الجربوع وجكمت الهجري: "نظرا لتكرار الحوادث المخلة بالدين وآداب الدين والبعيدة كل البعد عن الأعراف الدينية، فإن مشيخة العقل تقرر ما يلي: توجيه البعد الديني لوحيد البلعوس وأتباعه. نطلب التقيد بمضمون هذا البعد من كافة أئمة المجالس ورجال الدين"، بحسب نص القرار الذي حمل تاريخ 30 كانون الثاني/ يناير 2015.
وتعني عقوبة "البعد الديني" نزع صفة المشيخة عن البلعوس، وعدم السماح له ولكل من يتبعه بحضور مجالس رجال الدين.
وكان البلعوس قد ظهر في تسجيل فيديو وهو يتحدث خلال اجتماع في بلدة المزرعة في ريف
السويداء، بحضور شيخ العقل حمود الحناي، مهاجما النظام السوري بشدة، قائلا: "نحن وطنيون أكثر من بشار الأسد". ولم يطالب البلعوس الأسد بالرحيل، لكنه أوضح أنه إن أراد البقاء فعليه أن يعلم أن "كرامتنا أغلى منه"، علما بأن البلعوس كان قد ظهر في تسجيل سابق يعلن تمسكه بما أسماه "قائد الوطن".
وسخر البلعوس من ادعاء النظام بأنه يحمي الأقليات، مشددا على أن الدروز يرفضون تقسيم سوريا، في حين أن الأسد له إيران. واتهم البلعوس نظام الأسد بالخيانة، كما اتهم عناصر النظام في بلدة "داما" في محافظة السويداء بإطلاق النار على المقاتلين الدروز من الخلف، وأن 42 عنصرا من الدروز قتلوا، لكن النظام لم يعتبرهم "شهداء".
وقال نحن: "وطنيون أكثر من كل واحد علوي". ويرى البلعوس أن "الدولة (النظام السوري) بتعاطيها مع الدروز، كانت أكثر ظلماً وعدواناً من إسرائيل نفسها".
ووجه البلعوس تهديدا بالقتل لمدير فرع المخابرات العسكرية في السويداء وفيق ناصر ومدير فرع المخابرات الجوية، بسبب تعرض عناصر ناصر على الحواجز للمواطنين والتحرش بهم. وقام أنصار البلعوس بإزالة أحد هذه الحواجز العسكرية.
لكن مشايخ العقل رفضوا في بيان سابق تصريحات البلعوس، ووصفوها بأنها "بعيدة عن قيمنا وأخلاقنا". وقال البيان الذي صدر قبل وقت قصير من قرار "البعد الديني": "إن مشيخة العقل تدين وتستنكر تلك التصريحات (..) لأنها تعبر عن رأي أصحابها فقط، ولا تعبر عن رأينا، تلك الأعمال البعيدة عن قيمنا وأخلاقنا".
وشدد مشايخ الدروز الثلاثة على أن "هناك ثوابت لا نسمح بالمساس بها أو التعرض لها بالسوء: الوطن وقائد الوطن، والدولة ومؤسساتها، والجيش العربي السوري حامي حمى الأوطان، والثوابت الوطنية، والعيش المشترك، والسلم الأهلي".
ولا يُعرف سبب صدور بيانين منفصلين عن مشيخة عقل الطائفة الدرزية، في يوم واحد، أحدهما يتضمن تعليقا على تصريحات البلعوس، وآخر مختصر يتضمن معاقبته، في حين عزاه ناشط في السويداء إلى ضغوط مورست من جانب النظام السوري على مشايخ الطائفة لإصدار قرار مشدد وعدم الاكتفاء بالتعليق على تصريحات البلعوس.
وأصدر البلعوس بيانا مطولا في الأول من الشهر الجاري حاول فيه توضيح تصريحاته، حيث إنه نفى فيه الإساءة للطائفة العلوية، كما أنه أشار إلى أن بشار الأسد كان قد دعاه للاجتماع به لكنه رفض، بناء على نصيحة "المشايخ" خوفا من الغدر به من جانب الأجهزة الأمنية.
وكرر البلعوس الحديث في بيانه، عن "التمييز الطائفي والظلم والجور الذي ينال أبناء طائفتنا". وأضاف: "لماذا ضباط طائفتكم يعاملون جنودنا الأشاوس من أبناء المحافظة بصيغة طائفية؟ (..) لماذا يوضعون دروعا بشرية دائما في المواجهة ويطعنون في ظهورهم، وبعض ضباط طائفتكم في المكاتب أو مفيش (مغادر)؟".
وأكد البلعوس، مخاطبا مسؤولي النظام السوري: "نحن نأكل التراب ونعيش، ولكن بلا كرامة فلا. فإن حافظتم على كرامتنا وعرضنا أكرمناكم وكنتم قادتنا، وإن لم يكن فليس لكم علينا حق الولاية".
وختم البلعوس بيانه بتأكيد ولائه للمشايخ، وقال: "فليعلم جميع أبناء الجبل بأننا لا نخرج عن خاطر مشايخنا الروحانيين ولا نرضى بالفتنة، ولسنا أداتها، ولا نرفع السلاح في وجه أبنائنا".
وخرجت تظاهرات في بلدة المزرعة مؤيدة للبلعوس بعد صدور قرار المشايخ ضده، كما أنه تجمع عدد كبير من مناصريه أمام منزله وهم يرددون الأهازيج مع إطلاق الرصاص في الهواء.
ونُقل عن البلعوس قوله أمام مؤيديه: "نحنا ما منتخلى عن كرامتنا.. يا بيتأدبو وبيتأدب وفيق ناصر يا منشرب فنجانو"، وهو تهديد لرئيس المخابرات العسكرية في السويداء بالقتل.
والبلعوس الذي يُعرف بـ"شيخ الكرامة" يقول إنه ليس ضد النظام، ولكنه ضد "الفاسدين"، كما أنه تحدث عن الوقوف إلى جانب "الدولة" (السلطة) في محاربة "الإرهاب".
ولدى البلعوس مجموعة غير معروفة العدد من المسلحين، وكثيرا ما يظهر في تسجيلات فيديو وهو يقوم باستعراض رجاله، أو خلال مشاركته في اجتماعات حاشدة. كما أنه يتولى توزيع مساعدات على أبناء بلدته، وخصوصا المازوت للتدفئة.
وكانت حالة مشابهة لحالة البلعوس قد وقعت خلال الانتداب الفرنسي على سوريا، حين هاجم أربعة من مشايخ العقل عام 1922 سلطان باشا الأطرش بسبب إيوائه مطلوبين للجيش الفرنسي بداية، ثم مواجهته بالسلاح، حيث ارتأى المشايخ أن الأطرش يسيء للعلاقة مع فرنسا التي قالوا إن "لها علينا من الأفضال العظيمة والصداقة الصميمة". وحذر القرار آنذاك، بأن "كل من يساعد سلطان وجماعته يكون تحت الحرم العظيم والسخط الجسيم".