أثارت زيارة مجموعة من النواب الفرنسيين بشار
الأسد، شغبا كبيرا في المشهد السياسي السوري - الفرنسي، لم يتوان الأسد وأتباعه عن استثمار هذه الزيارة بكل تفاصيلها من أجل توجيه ضربة للمعارضة السورية كانت قاسية؛ لأن
فرنسا من ضمن أكثر الحاضنات تجاوبا وانفعالا مع ما يتعرض له الشعب السوري من انتهاكات على يد الأسد.
لكن ما لبثت أن أبدت الحكومة الفرنسية استياءها من التصرفات الفردية لبعض البرلمانين الفرنسيين، واتهمتهم بالتصرف بطريقة لا أخلاقية، واتخذت إجراءات فورية تجاه النائب في الحزب الاشتراكي الفرنسي الحاكم جيرار بابت، حيث تم تحويله إلى لجنة تأديبية، لأن الأسد اليوم لم يعد دكتاتورا مستبدا فقط، وإنما هو سفّاح، حسب تصريح الأمين العام للحزب الاشتراكي "جان كريستوف كامباديليس". إذ قال: " أدين هذه الزيارة تماماً، الأسد ليس دكتاتوراً مستبداً، إنه سفاح "، ووصف رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس الزيارة بأنها خطيئة أخلاقية، " إنها بادرة لا تشرفهم، إنها خطأ، ويعود إليهم أن يتحملوا عواقبها"، كما نشر أن لجنة الشؤون الخارجية من البرلمان الفرنسي لم توافق على الزيارة.
قانونيا، وحسب قانون الفصل بين السلطات الذي تتبعه فرنسا، لا يحتاج أعضاء البرلمان إلى تصريح موافقة لمثل هذه الزيارة، وخصوصا لأن الأعضاء الآخرين من الحزب المعارض، وهذا ما يفسر عدم تعرّض البرلمانيين الثلاثة الآخرين للمساءلة، فهم ينتمون إلى غير الحزب الحاكم، ولكن على ما يبدو فإن طول فترة الحرب التي أثرت في مصالح كل من تربطهم علاقة سابقة بسوريا – دفعت الفرنسيين إلى جس نبض النظام، ومعرفة ردة فعل الرأي الشعبي على عودة العلاقات مع سفاح مازال يقتات على أشلاء الموتى، ويروي عطشه من دماء الأطفال والنساء.
أما ردة فعل النظام، فكانت صفعة لفرنسا، تردد صداها في وسائل الإعلام التي تؤيد النظام، والتي نعقت بتصريحات السفاح ووزير خارجيته فيصل المقداد المهينة بحق الحكومة الفرنسية والشعب الفرنسي، ناهيك عن تداعيات هذه الزيارة التي ستكون عاملا في تراجع شعبية المعارضة الفرنسية وداعميها بعد هذا الخطأ الأخلاقي والإنساني بحق الشعب الفرنسي والقيم الأخلاقية التي يعتز بها الفرنسيون.
محاولات الأسد المستميتة لاستعادة الشرعية الدولية، عن طريق الدفع للمحللين والكتاب من أجل التهليل لهذه الزيارة، وتقديمها من قبل موالي الأسد على أنها محاولة تطبيع مع نظام الأسد، وسحب للحاضنة الفرنسية الدافئة للمعارضة، باءت بالفشل الذريع، لأن الرعونة التي يتصف بها النظام السوري لم تسمح له بالاستفادة من هذه الزيارة، فقد تسرع وأظهر حمقه السياسي للبرلمانيين عندما دعاهم إلى عقلنة السياسات الحكومية الفرنسية، وضرورة وجود إرادة سياسية حقيقية من أجل القضاء على الإرهاب! طبعاً غير الأسدي.
إضافة إلى تجاوز المقداد آداب السياسية وبروتوكولاتها، واتهامه الرئيس الفرنسي فرانسوا
هولاند بأنه رئيس فاشل، ووصف وزير خارجيته بأنه مصاب بالتخلف العقلي! فهل يصلح الإعلام ما أفسده النظام؟ وهل يدفئ شروال غوار من شردهم سيده السفاح، أو ينسي جمهوره أنه داعم مجرم قاتل؟ لقد أضحكهم قليلاً، وأبكاهم حتى جفت الدموع.
هولاند ندد بهذه الزيارة لديكتاتور هو السبب في أحد أسوأ الحروب الأهلية في السنوات الأخيرة، التي أوقعت مئتي ألف قتيل".
ووزير خارجيته فابيوس قالها سابقا، وبكل جرأة وصراحة، إن رجلا مسؤولا عن مقتل أكثر 150 ألفا لا يمكن أن يكون مستقبلاً لشعبه، ودعمته في ذلك جينفر ساكي الناطق الرسمي باسم الخارجية الأميركية، التي قالت إنه لا تحول في
سوريا دون رحيل الأسد.
ضيعت أصوات أبواقك يا أسد في الفضاء، وبقيت صرخات الأطفال تدوي في آذان البشر، لتقلق الإنسانية حتى يسكن الألم. ويبقى السؤال: لو كان الأسد عاقلا ومهذبا في تعامله مع برلمانيي دولة عظمى، وسلك أفراد عصابته سلوكا راقيا يليق بفرنسا هولاند، هل ستكون ردة الفعل الفرنسية هي ذاتها؟ وكيف غامر هؤلاء السياسيون بمستقبلهم السياسي، ودفعوا هذا الثمن الباهظ (إهانة فرنسا) لولا كان الثمن مغريا، وحصلوا مسبقا على مباركة تشعرهم بالأمان.
وأخيرا: هل ستكتفي فرنسا بالرد على الإهانة بالكلمات؟